حتمية التاريخ وبداهة الجغرافيا فرضت على المغرب جارا عنيدا ومتصلبا يناهض كل المحاولات الجادة والهادفة إلى استكمال وحدة التراب الوطني والتفرغ للإشكالات التنموية والإكراهات الإقتصادية التي فرضتها العولمة. وإذا ما حاولنا ملامسة هذا الموقف المتطرف للجزائر من خلال التأصيل التاريخي والمرجعيات الإسنادية لقضية الصحراء المغربية يظهر بقوة الجانب النفسي كعامل مركزي يحكم طريقة اتخاذ القرار لجنرالات الجزائر في كل ما هو مناهض للمغرب، من خلال الوقائع التالية : 1- الهزيمة التي مني بها الجيش الجزائري فيما يعرف بحرب الرمال، إذ وقع أول نزاع بين المغرب والجزائر مباشرة بعد حصول الجزائر على استقلالها. حيث دارت رحى الحرب في شهر أكتوبر 1963 بسبب اتهام الرئيس الجزائري أنذاك (ابن بلة) للمغرب بدعم انتفاضة القبايل ومساندتها والدفاع عن أطروحتها في المحافل الدولية، بينما اتهم المغرب الجزائر بمساعدة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ويعود السبب الرئيسي لهذه المواجهات إلى مسالة ترسيم الحدود بين البلدين. حيث أنه عندما احتلت فرنساالجزائر سنة 1830 بدأت سياستها التوسعية اتجاه المغرب باقتطاع أجزاء شاسعة من أراضيه، وعندما اقترح شارل دغول على الملك الراحل محمد الخامس سنة 1958 تسوية مسألة الحدود رفض السلطان هذه الفكرة لأنه اعتبرها طعنة للمقاومة وخيانة لبلد جار وشقيق. غير أن الأمور سارت بشكل مخالف وكانت الجزائر في هذه الحرب مدعمة من سوريا وكوبا ومصر. وفي سنة 1976 تلقت الجزائر ضربة موجعة حيث أسرت الجيوش المغربية قرابة 100 جندي جزائري في معركة أمغالا. هذه الهزائم المتتالية ولدت العقدة العسكرية المغربية للجزائر، التي ظلت على الدوام تناهض المغرب وتسخر كل الإمكانيات الاقتصادية والدبلوماسية للنيل من وحدته الترابية. وذلك عن طريق شراء لوبيات الضغط الأوربية والأمريكية، وسياسة الصفقات الكبرى التي ابرمتها مؤخرا مع جنوب إفريقيا للتنقيب عن الغاز والنفط لشراء موقفها السياسي في المحافل الدولية. حيث تنكرت هذه الأخيرة للدعم الذي كان يقدمه المغرب للمناضل نيلسون مانديلا في حقبة الميز العنصري، وأصبحت من أكبر المدافعين عن أطروحة الانفصال، ولتزكية هذا الطرح العدواني فقد صرح الرئيس الجزائري السابق الهواري بومدين غيرها مرة إني وضعت حجرة مزعجة في الحداء المغربي وهي لازالت جاتمة إلى يومنا هذا. 2- العقيدة العسكرية لجنرالات الجزائر والتدخل في الشأن المغربي لتصفية حسابات هزيمة حرب الرمال، اتضحت بشكل جلي في قضية جزيرة (ليلى)، بعدما نددت جامعة الدول العربية بعدم مشروعية الاحتلال الإسباني ما عدا الجزائر التي اعتبرت المغرب بلدا محتلا، وساندت بقوة الموقف الإسباني ضاربة بعرض الحائط المصير المشترك لدول المغرب العربي والروابط التاريخية وحسن الجوار. 3- التطرف الجزائري بلغ دروته عندما تم اغتيال الرئيس الجزائري السابق محمد بوضياف سنة 1992، لكونه حاول إيجاد حل سياسي وإعادة بث الروح في العلاقات المغربية الجزائرية، والقضاء على أحلام جبهة البوليساريو، حينما صرح بأنه ينبغي القطع مع كيان وهمي اسمه البوليساريو،990 وهذا بشهادة الدكتور عبد الحميد براهمي الضابط السابق في جيش التحرير الوطني الجزائري من سنة 1956 إلى سنة 1962 ورئيس الوزراء من سنة 1984 إلى سنة 1988. إن إستراتيجية تصدير الأزمات التي تتهجها الجزائر لإلهاء الشعب الجزائري وصرف أنظاره عن المشاكل الحقيقية التي تتخبط فيها البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. أصبحت لعبة مكشوفة وأسطوانة مخرومة وطريقة بدائية متجاوزة. بل مؤامرة ضد الشعوب المغاربية، وهذا المشهد السينمائي الذي يتفنن فيه حكام الجزائر بادعاء الحياد ورفض اعتبارهم طرفا في النزاع، وتارة بالدعوة العلنية لتقسيم الصحراء المغربية يعد تشويها ممنهجا للحقائق التاريخية. إن المغرب مطالب بسن سياسة هجومية بدل الإنزواء في موقف الدفاع، وذلك بتطوير مشروعه الديمقراطي المرتكز على الجهوية الموسعة، واستثمار تعاطف المجتمع الدولي مع المقترح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية، وتفعيل الدبلوماسية الشعبية وإشراك المجتمع المدني في تدبير قضية تهم كل المغاربة، وعدم خلق زبناء سياسيين جدد بالمنطقة والانفتاح على النخب الصحراوية المحلية، والتشبع بثقافة الانصات للمجتمع الصحراوي والابتعاد عن الهاجس الأمني والمطاردات البوليسية، لأنها تخلق مناضلين جدد يلعبون على الورقة الحقوقية التي تحرج المغرب أمام المنتظم الدولي. *أستاذ زائر بكلية الحقوق السويسي - الرباط