أُمَّة تتحدث بين قيم أخلاقية مرتدة طوعا، وإرادة هشة تترامى مع مهب الريح، وبصيرة نفذت من الإيجابية والأحلام، وخلت بمزاجها إلى الرغبات الآنية التي تتلاشى مع غروب الشمس إلى طلوعها في اليوم التالي، حيث تعم الوحدة، وتنقشع الخلوة، ويغزو الألم وتنكشف الذكريات، وتطفو على البديهة سطحية الحياة وفراغ الأيام من "الهدف"، أفتح عيني، وأغمضهما، أترك الضوء مشتعلا ينير الغرفة بينما أغطي عيني بالملاءة لأخفي عني حياتي، أغرق في النت، بين صفحات وهمية، وأصدقاء غرباء، وأناس وراء البحر، وصور تهز قليلا من أوتار إعجابي، تدغدغني فتسرق ابتسامة طفيفة، أو تقرصني فأعبس لا أكثر... حتى أحاسيسي بدت سائرة نحو الركود... حتى الحب أصبح يبدو غريبا، مضحكا، صبيانيا، وأنانيا... بل حتى النوم، لم يعد يعنيني في شيء ... ظلت المعلمة كريمة لساعات تتفحص المجلة بافتخار معتزة بأستاذها بالجامعة سابقا كاتب المقالات الأسبوعية عن ضياع الهوية الإسلامية المغربية وسط أمواج العولمة المحملة عبر أثير إعلام أول من يستهدف نساء الأمة. وبقيت تارة تعيد قراءة المقال وتارة أخرى تريه لتلميذاتها بفرح ساذج متناسية شغب بنات الصف الخامس ... فهي في ترغب أن تصبح تماما كأستاذها الدكتور محمد عفيف، أستاذ في النقد الاجتماعي، لتلقي الضوء على آفات طالت حتى بدت من المسلمات التي جبلنا عليها. ... كي كيجيك الليل مع ضو القمر قدام الشّْطّ؟ جْميل؟ ياك أ؟ آه... شوية... حيت أنا ماشي شاعرة، أنا غير كنكتب الشعر أ؟ وانتِ ّ... كتسهري؟ شوية فين كتسهري؟ هههه، لاّ، كنسهر فالدار مع فايس بوك فايس بوك! ماكتخرجيش؟ كنخرج! فين كتمشي؟ كنمشي لخدمة، وللسويقة ول... السويقة؟ مكتخرجيش التعشاي؟ نتعشى؟ لاّ، كنتعشى فالدار كتعجبك الدار؟ أ؟ لاّ، كيفاش؟ دارنا زعما! (كَيمِيّْقْ) واش كتخرجي التعشاي، زعما هاكّا مع ليزامي؟ فشي ريسطو لاّ... مكنخرجش علاش؟ مكديريش خريجات؟ وا لاّ، لاّ، مكنديرش، كندخل لداري مع السبعة وايلي؟ كيفاش دابا زعما... انتِ... شاعرة زجالة... وكاتبة شابة... وفنانة فْنَّة... وأنيقة وجميلة وكتكتبي على الحرية... ووومكتخرجيش؟ أ؟ ... لاّ... مفهمتيش... حيت أنا... بَّا... سميتُو.. سّي بُشْعَيْبْ... ماشي پول نيو مان... آه... هو، راه عسكري... عسكري سطاتي... من ولاد سعيد... فهْمْتْني وانا... دايرا الماكياج ماشي على ودّْك... لاّ... راه كيكون طالعلي الدم، كنخرج حالتي حالة... مللي كتكون راشقالي... كنديرو واخّا فالدار... مكنديروش باش نعجب الرجال... كنديرو حيت عاجبني راسي... والله يهديني... ويهديك حتى انتَ نيت تذكرت المعلمة كريمة الحديث الذي دار بين إحدى صديقاتها وأحد "الفنانين" وهي تقرأ وتعيد مقال أستاذها... وهي على ذالك الحال حتى قربت الساعة أن تنقضي، فقررت أن تعطي المجلة للتلميذات لتمررنها بينهن، حتى تتسنى الفرصة لكل واحدة منهن أن يرين عبقرية أستاذ معلمتهن كريمة.... وخلال تلك الأثناء، قررت أن يكون درس اليوم حول الدجاجة والبيضة ومن سبق الآخر في الوجود، وحول الرجولة وحجاب المرأة ومن سبق الآخر في العدم، من تسبب في انحلال الآخر، هل انعدام الرجولة من الرجال هو ما كان سبب خروج النساء كاسيات عاريات إلى العلن، وظهور ذاك النوع من السيدات اللواتي لا تتأتى لهن قصة شعر "ديانا" و "كوپ كارسون" حتى يكملن الخمسين من العمر فيصبحن أشبه بغانيات "المولان روج" الفرنسيات اللواتي فقدن أموال الرقص في الخمر وأصبحن يتسولن في أرصفة "لي شونزيليزي"، نساء يطالبن ب "إيه؟" بالمساواة، بعد أن فشلن في الإبقاء على مظهر شبابي بعد "المينوپوز" وأخذت ومضات الحرارة والتغيرات الهرمونية مأخذها من نفسيتهن وانجذابهن للرجل. أم هو تبرج المرأة المبالغ ولباس الموضة الذي أصبح يظهر أكثر مما يخفي ويكشف أكثر مما يستر ويبرز أكثر مما يغطي وتزايد العهر المقنن ورخص الزنا وكثرة الفتيات "منّْنَا عداد" هو الذي أودى بالرجولة والقوامة والشهامة إلى الحضيض. أم أن الاثنين هما نتاج وضحايا لتأثير الإعلام على العقول وضياع الهوية وسط الكم الهائل من الإثارة التي نرقبها يوميا أمام شاشة التلفاز وعلى الإنترنيت. كيف أن منذ نهاية الحماية الفرنسية أصبحت المرأة المغربية تحاكي المرأة الأوروبية في طريقة لباسها وتفكيرها، والرجل المغربي يحاكي الرجل الأوروبي في لباسه وردود أفعاله بينما احتفظ الاثنان فقط على سلبيات أصولهما من عصبية ومزاجية وتطرف في الرأي، ليقضيا سنوات من الضياع بين التأثيرات الغربية الفظيعة وعادات مجتمعنا المغربي الأفظع تاركين الإيجابيات جنبا لا حظ لهما منها ولا أمل... كيف أثرت المسلسلات والأفلام والصناعة الهوليودية حتى الإخبارية منها والوثائقية الموثقة على هوى "صحاب الحال" من اللوبيات الرأسمالية المسيطرة على اقتصاد العالم والتي تبرمج العقول على مستقبل من الجهل و"الكريدي" العالق فوق رؤوس الفقراء سلبا على عقول الشباب لتجعلهم سلبيين عازفين عن الدراسة والمطالعة وبذلك تدمر ذكائهم وفطنتهم وتجعل منهن أداة لإدخال أي فكر جديد وسلبي إلى المجتمع فقط عن طريق عرضه في فيلم أو مسلسل مدبلج أو فيديو كليب... فجأة ساد صمت عجيب في القسم، ولاحظت المعلمة كريمة أن التلميذات أعجبن بمقالة أستاذها، حيث أن أي تلميذة أمسكت بالمجلة إلا وركزت مليا في الصفحة وقضت وقتا طويلا في التمعن والتحديق بها. فاستمرت المعلمة في شرح الموضوع بفرح كبير لاستجابة تلميذاتها للدرس بصمتهن وتركيزهن الغير مسبوق، وأطالت في تفصيل كيف تفقد المرأة المغربية هويتها وسط التناقضات الفكرية والملابسات الصارخة بين الدين والمجتمع المغربي، وكيف أن المواد الإعلامية بات لها دور عظيم في تمويه التقاليد والعادات وبثر أواصل الأخلاق بصور تبث فقط لإبعاد الفتيات الصغيرات عن الواقع وجعلهن يفكرن بطريقة رجعية لن تساعدهن لا على تحصيل العلم ولا على الرقي بالذات... حتى وصلت المجلة بين يدي مريم، فتاة في الحادية عشر من العمر...لا توحي بتصرفاتها الامبالية ونومها المستمر في القسم أنها تكترث للدراسة، لكنها، وبشكل مفاجئ وغريب، أبدت هي الأخرى اهتماما بمقالة الدكتور عفيف... "وايلي".. هل من الممكن أن يكون المقال أثر إلى هذه الدرجة بتلميذات الصف الخامس؟.. هل كان شرح المعلمة كريمة مستوفي وشيق لدرجة حصل على انتباه مريم... أرادت المعلمة أن تستكمل الشرح بثقة زائدة في النفس... لكنها فكرت أولا أن تعطي ولو لمرة واحدة الفرصة لمريم لتعبر عما فهمت خلال الحصة... فاقتربت منها وسألتها: " ماهي في نظرك الحلول السليمة لإنقاذ الفتيات الصغيرات مثلكن من سنوات الضياع التي عاشتها المرأة المغربية وهي تغوص بين هويتها، وتأثيرات سلبية فرضها الإعلام من كليبات ومسلسلات على شخصيتها؟" أخذت مريم الصغيرة تنظر إلى معلمتها باستغراب واندهاش، كأنها لا تدري إن كانت سألتها أم شتمتها... فهي لم تفهم شيئا من الطلاسم التي كانت تتمتمها المعلمة كريمة منذ أن دخلت القسم... فكرت المعلمة كريمة قليلا... ربما كان أسلوب السؤال أصعب على تلميذة الصف الخامس من أن تفهمه.. خصوصا مريم التي تبدي هدوء وأدبا لم يعهده القسم من قبل.. فأعادت المعلمة السؤال بطريقة أبسط: "هل فهمت ما كنت أشرح منذ بداية الحصة"، فأجابتها مريم: "إذا قلت نعم، هل يمكن أن آخذ هذه الصورة.. هل يمكن أن أقصها من المجلة؟" فقالت:" أي صورة... هل تقصدين صورة الدكتور عفيف؟" فأجابت مريم ببراءة: "لا.. أريد هذه الصورة.. في الصفحة المقابلة لعفيف" "أرني أي صورة تريدين...هل هناك مقال آخر عن الهوية؟"... "لا.... هناك مقال عن مهند"... صعقت المعلمة كريمة كأنها رأت نارا تشتعل بالقسم... وأخذت تنظر إلى مريم في غيظ.. والتلميذات يتمايلن من الضحك... وقالت لها: " لم أكن أعرف أنني أضيع ساعات من وقتي ومجهودي على تلميذة بسيطة التفكير وسطحية مثلك... أنت أكثر تلميذة سطحية رأيت في حياتي!" فأجابتها مريم التي عادت إلى جرأتها ووقاحتها المعتادتين وهي تصيح من الضحك:" أنا سطحية وأنت فخرية" فصاحت المعلمة كريمة بغضب شديد: "ومن هي فخرية" فأجابت مريم والكل يتمرغ في الأرض من الضحك: "أخت يحيى، بمسلسل سنوات الضياع "!! http://www.ipetitions.com/petition/maroctransport http://www.facebook.com/mayssasalama