مباراة تاريخية بكل المقاييس خاضها الممثل الوحيد للقارة السمراء، منتخب غانا ضد فريق الأرجواي. مباراة عبر فيها كل فريق عن حبه الكبير و رغبته الجامحة للدفاع عن ألوان بلاده. دفاع قد يصل بصاحبه إلى التضحية بحضوره ليفوز فريقه، كما فعل اللاعب الأرجواني الذي خرق القوانين ليفتح باب الأمل أمام فريقه.هذا اللاعب الذكي إن لم نقل الداهية الذي لجأ لدفع الكرة بيديه، لاعبا بذلك دور الحارس، لحماية شباك الفريق من هدف محتم. قد يرى الكثير في هذا الخرق مسا بالأخلاق الرياضية و تقليلا من احترام قوانين اللعب، إلا أنه من حاول أن يحط نفسه مكان هذا اللاعب قد يفهم تصرفه. فأحيانا كثيرة يمكن أن نتجاوز الخطوط الحمراء للدفاع عن كل ما هو غال. و إن دل هذا على شيء إنما يدل على الحب الكبير و الاستماتة في الدفاع عن الفريق الذي يمثل بلدا و أحيانا قارة بأكملها كما هو الحال بالنسبة لفريق غانا.هذا الأخير الذي لعب بكل استماتة قالبا بذلك كل التوقعات و مؤكدا أن حس المسؤولية كبير عند هذا الفريق الذي قدم مباراة أسرّت كل مشجعيه و أمتعت كل ناظريه، بدءا باللعب الجيد و انتهاء بالأخلاق الرياضية العالية. ليكون بذلك مفخرة لبلده و للقارة بأكملها. الاستماتة, مصطلح جميل في نطقه و أجمل في تذوقه. فما أحلى أن تقدم كل ما في جهدك بكل صدق و أمانة لترضي محبيك و تفخر بنفسك. لكن السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه بإلحاح، لماذا الفرق العربية لا تعرف مصطلح الاستماتة؟ كثيرا ما تجيب الفرق العربية عندما تسأل عن سبب تردي مستوياتها أن الظروف لا تساعد و أن الفرق القوية في العالم تمثل دولا متقدمة و مقدمة لفرقها دعما ماديا و معنويا يتمثل في كفاءات المدربين و آليات التدريب و ما إلى ذلك... ذريعة تافهة للإخفاء ضعفها و عجزها، و الدليل على ذلك مستوى فريق غانا و فرق أفريقية أخرى لم تدق إلا الويل من دولها. فماذا تقدم الدولة للفريق في كل من غانا، نيجيريا و الكامرون...أليست هذه من أكثر الدول فقرا و تخلفا؟ الم تقطع الحروب الأهلية أوصال سكانها؟ و رغم ذلك نجد فرقها في المستوى و تنافس بمعطياتها الضئيلة أعظم الدول، لان حب الوطن يجري في عروقها. هذا الحب الكبير الذي تولد من ضعف الحال، بل سوء الحال في دول لم تعط لأولادها سوى شمس حارقة و أرض تعكس حرارة تملآ قلوب أبنائها حبا يترجم عطاء سخيا كلما أتيحت الفرصة لذالك، لنعود بعد هذه السطور إلى مصطلح الاستماتة في اللعب، فنقف وقفة تأمل من جديد على هذا المصطلح الصغير بحروفه و العملاق بمعناه، هذا الإحساس الذي لو حاول لاعبو الفرق العربية إعطاءه القيمة لخرجوا من ركوضهم و قبولهم بالأمر الذي جعلوه واقعا مرا،و لابتعدوا عن اللجوء إلى الخالدات: كأن نكرر بالقول لا بالفعل انجاز المغرب في مونديال 1986عندما تأهل إلى الدور الثاني في كل مناسبة تخيب فيها الآمال، و نجعل منه مجدا غابرا نتحسر عليه في كل حين، في حين أنه لا يعتبر كذلك إلا بالمقارنة مع هزالة مستوى الفرق العربية كاللون الرمادي الذي يمكن أن نراه ابيضا أمام السواد الغامق. كفانا بكاء على الأطلال و كفانا قصر نظر و اعتبار القليل كثيرا، و لتحاول كل دولة زرع حب الوطن الصادق في أبنائها. حب يجعلهم يضحون من اجلها ليس فقط في اللعب الكروي، بل في كل ما يمكن أن يجعل اسم البلد في الصفوف الأولى في جميع المجالات المشرفة، لتقديم الأفضل بكل استماتة.