أثارت مطالبة جمعيات أمازيغية للدولة المغربية بالانسحاب من جامعة الدول العربية، والذي تضمنه بيان للفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، قبل أيام، جدلا وسجالا حول دلالات ومسوغات مثل هذا الطلب، في خضم سياق جيو سياسي يتسم بارتباطات إقليمية متشعبة للدول. وأبدت الجمعيات الأمازيغية ذاتها "استعدادها الاستمرار في هذا المطلب إلى حين تحقيقه، حيث قررت الجمعيات اعتماده بعد تشخيص سياسي وإيديولوجي وحقوقي لواقع الأمازيغية بمجمل دول شمال إفريقيا، والخلفيات الإيديولوجية التي تعوق التحول إلى قيام دولة ديمقراطية قائمة على أساس العمق الإفريقي وامتداداتها المتوسطية". ولمعرفة خلفيات هذا المطلب، اتصلت هسبريس بالناشط الحقوقي أحمد أرحموش، رئيس الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية، والتي تضم 105 جمعية أمازيغية بالبلاد، مؤكدا أن "الفدرالية ترغب في فتح ملف العلاقات الخارجية للدولة المغربية، وعلى رأسها موقعها بجامعة الدول العربية". وأجمل أرحموش عدا من الأسباب التي دفعت جمعيات أمازيغية إلى طلب انسحاب المغرب من جامعة الدول العربية، مشيرا أن قرار الانضمام لتكتل إقليمي ما يكون إما سياسيا وإيديولوجيا أو اقتصاديا"، قبل أن يؤكد أن "إعلان الانسحاب من الجامعة سيكون له انعكاس إيجابي على الشعب المغربي". مسوغات وفوائد الانسحاب ويشرح أرحموش بأن انسحاب المغرب من الجامعة العربية سيكون مفيدا بالنظر إلى مقتضيات دستور 2011 ذات الصلة بالهوية، وإقرار اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية للدولة، ولأن الأموال العمومية التي تضخ بخزينة الجامعة المذكورة، هي ملك الشعب الذي هو في حاجة لها في جميع مجالات حياته اليومية. وثاني الأسباب، وفق الناشط الأمازيغي، يكمن في أن "الجامعة العربية أظهرت فشلها الذريع في الرقي بالديمقراطية في الدول المنضوية، وحتى في حل القضايا العالقة بين الدول الأعضاء" وفق تعبيره. واستطرد أرحموش أن السبب الثالث يتجلى في كون "الأمازيغ بجميع دول شمال إفريقيا غير معنيين بهذه الجامعة، باعتبارهم أولا أفارقة، ولا حاجة لهم بها، وثانيا باعتبار الإيديولوجية الشوفينية والعرقية، بل هم ضحايا برامجها الاجتماعية المكرسة للتمييز ضد الأمازيغ بشمال إفريقيا". وزاد المتحدث عاملا آخر يتمثل في كون "رقم المعاملات المالية بين الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية دون أية قيمة، مقارنة مع رقم معاملاتها مع الدول الأوروبية والأسيوية والأمريكية، كما أن حجم الاستثمارات ينطبق عليها نفس الشيء". ولفت الناشط إلى أن "المنطق الواقعي يفرض تشكيل تكتلات إقليمية مؤسسة على مصالح اقتصادية وسياسية، وليس المصالح العرقية واللغوية الجامدة، حيث يمكن استخلاص ذلك من عمل التجارب القائمة بأوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا على سبيل المثال". واسترسل "إن المواقع الجغرافية والسياسية والأيديولوجية لمؤسسي هذه الجامعة في 22 مارس 1945 تطرح عدة أسئلة، بالنظر إلى حصيلة هذه الجامعة في تدبير السياسة الثقافية واللغوية للدول الأعضاء بها، والتي لم تفرز سوى مزيد من التطرف العرقي والديني والمذهبي" وفق تعبيره. "مساوئ" جامعة الدول العربية وتذكر أرحموش أن نفس الجامعة سبق لها أن وجهت رسائل خطيرة بداية سنة 1968 لعمال المملكة تطالبهم فيها ب"تعريب لافتات المتاجر والمصانع وأصحابها"، وهو ما يبين أن التعريب كان هدفه ليس القضاء على الفرنسية كما يقال، بل على الأمازيغية لغة وهوية، إضافة إلى ما تنفقه من أموال طائلة ضد الأمازيغية والقضاء. ولم يفت رئيس فدرالية الجمعيات الأمازيغية الإشارة إلى أن "ما أنتجته الجامعة المذكورة من وثائق سميت بالحقوقية، من قبيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان وما يروج له في الأيام الأخيرة من تأسيس المحكمة العربية لحقوق الإنسان، تشكل انتكاسة لحقوق الإنسان نفسها، ونقيضا لقيمها ومبادئها، كما أنها لا تعترف بواقع التعدد اللغوي والثقافي لبلدان شمال إفريقيا". وأضاف أرحموش عاملا آخر يسوغ طلب سحب المغرب عضويته من جامعة الدول العربية، حيث إن "الشعب المغربي لم يسبق له أن أستفتي في موضوع الانضمام لهذه الجامعة من عدمه"، مبرزا أنه يجب على من قرر الانضمام احترام حرية الشعوب وحقها في المشاركة في الحياة السياسية الداخلية والخارجية". وأفاد الناشط أنه "حان الوقت ليتجه المغرب نحو إفريقيا التي يمكن أن يلعب فيها دورا استراتيجيا كبيرا بحكم موقعه الجغرافي كبوابة إفريقيا نحو أوربا وأمريكا، وبحكم روابطه التاريخية مع إفريقيا الساحل الضاربة في القدم، فالتراجع عن الخطأ فضيلة والتمادي فيه جريمة" يقول أرحموش.