نقدم هذا المقال* بمناسبة الذكرى السبعين لميلاد كيروستامي 22-06-1940 من المفارقات الجلية ، أن هذا الرجل الذي تحمل أن يبحث ليرى الحقيقة مباشرة في العيون، يضع نظارات ذات عدسات سوداء ، ولكن ما لفت انتباه جوليت بينوش عندما كانت ترسم بورتريه للمخرج عباس كياروستامي ، مثلما كانت تفعل مع جميع المخرجين الآخرين، هو أنها قد رسمت عينيه داخل نظاراته الداكنة ، وشددت ، على الرغم من الأقنعة البارزة ، والرقابة المفروضة من قبل السلطة الاستبدادية لبلده إيران كجمهورية إسلامية، كيف وظف فيلمه ليصبح انعكاسا للفن من أجل رؤية أبعد من الشاشات . إن فيلم " صورة طبق الأصل " الذي يعرض هاته السنة في مهرجان "كان "، هو الأول من نوعه الذي يصور خارج إيران في قرية "توسكان ". رجل وامرأة يلعبان قصة حب من خلال السيناريو الذي يغازل (يداعب) الحقيقة والكذب. فقصة هذا الزوج الذي يحاول إعادة الذات ( كما في رحلة إلى إيطاليا لروبرتو روسيليني ، ذلك أن فيلم كياروستامي قريب منه )، هي لامرأة ذات رغبة محبطة، في حين توجد فوق أرض أجنبية . لكن الأمر يتعلق بشكل ملموس في تحقيق تواطؤ وثيق بين كياروستامي وجولييت بينوش ، اللذين يتعارفان لمدة اثنتي عشرة سنة . لقد أرادت الممثلة الفرنسية اللقاء به بعدما نصحتها والدتها بالذهاب لمشاهدة أفلامه . وأثناء زيارتها الودّية لطهران ، حيث كان يصور أحداث فيلمه " شيرين " الذي لا تشاهد فيه سوى وجوه نساء وهن يتابعن الفيلم ، وقد انتصبت لأول مرة أمام كاميرا كياروستامي: [يقول]. " طلبت منها ، كما مع الأخريات، إطلاق العنان لعواطفهن لبضع دقائق. فبعد تصوير اللقطة، لم تتوقف عن البكاء . أحسستُ في هذا اليوم وكأنها على كرسي الاعتراف " . فالأسطورة تقول ذلك برباطة جأش ، وكأن عباس كياروستامي باح بأنه خلال تصوير فيلم " صورة طبق الأصل " وخصوصا أثناء تصوير مشهد في المقهى ، كانت جولييت بينوش تمثل بقوة ، حتى اغرورقت عيناه بالدموع، بسبب تأثره . وفي إشارة للقطة تصويرية أخرى داخل مطعم ، ذكر مثال آخر على قوة الممثلة في الدور الذي تقوم به : " في بداية اللقطة كانت هادئة، الحنجرة بيضاء ، بينما كان التوتر يتصاعد بينها وبين شريكها، والغضب يغمرها امتلأ جلدها ببقع حمراء. نظرتُ إلى اللقطات الأربع ، كانت لديها نفس العلامات الجسدية ، كان هناك نوع من الحقيقة في دورها الذي حاصرني وجعلني أشك في نفسي ، وكأننا نبحر من خلالها في واقع ملموس (حقيقي). فالمخرج ذو حس باطني قوي ، حيث استطاع من خلال الحبكة التي صاغها كخدعة (كطعم ) أن يدعونا إلى صقل وتزيين الأخلاق الفردية لاكتشاف الآخر الصوفي. فعباس كياروستامي أراد أن يعكس شخصيته في فيلمه : " إنها سيرة ذاتية . في " صورة طبق الأصل " ، أنا الرجل ، المرأة ، وخصوصا الطفل "، لأن الطفل هو الأكثر تصميما على معرفة الحقيقة ؟ " لهذا أعرف نفسي من خلاله، فالفضول الذي ينتابني دفعني لأصبح مخرجا، محركي هو هذا ، لفهم أين نحن ؟ لماذا نعيش ؟ فكل فيلم ليس شيئا آخر غير علاج". في الفيلم ، يمثل السائح - الذي يقدمه كل من السيناريست والمخرج جان كلود كاريير (وهو صديق له لمدة طويلة ) - دورا يعتمد على فهم أن الزوجين في خلاف عابر، وأنهما يخاطران بنفسهما لتقديم النصح للرجل . إنها الثقة : " عشت هذا المشهد منذ 35 سنة ، ذهبت في نزهة، كنت متزوجا، لكن كانت لي علاقة باردة مع وجتي . أدرك رجل عن طريق الحدس أننا لسنا طبيعيين، فتدخل لتقديم النصيحة لي : " ضع يدك على كتف زوجتك ، وستلاحظ التحسن، استمعتُ له ولا شيء سُوِيَ . المشكلة هي أن تضع يدك في اللحظة المناسبة. ثانية قبل أو ثانية بعد انتهى الامر" [يضيف كيروستامي] فكرت بالطبع في ذلك [الرجل] الأستاذ الإيراني في [جامعة] بركلي أثناء كتابة المشهد وأثناء تصويره، لكن علمت بوفاته في اليوم الذي بدأنا فيه تصوير المشاهد . كياروستامي هو الرجل الذي لا يريد أن يُظهر كل شيء، بالنسبة إليه [يقول] "حقيقة السينما هي حقيقة الحياة، وأنا لا أريد أن أتحمل مسؤولية الوهم " . لقد أدخل الرجل جولييت بينوش إلى الكنيسة ( حيث سيعمل على أن تزيل رافعة النهدين ) " لأنه مكان التحرر .فقد ذهبت من أجل التخفيف من الألم، والقهر(الضيق) ، مهما كان نوع الاعتقاد بالله، فالكنائس والمساجد تمتاز بذلك البعد المُسكِّن . لأن التحليل النفسي والمستحضرات الصيدلانية فقدتا المصداقية" . هذا الرجل هو الذي يقبل بالاندفاع الغريزي للجمهور ، شريطة أن تظل روحانية : " إذا وقعنا في حب هشاشة وحساسية امرأة ، وليس حب جسدها فقط ن فلا يوجد داع لاستهجانه. عندما كنت في سن العشرين ، فتنت بفان كوخ ، وقضيت وقتي في مشاهدة لوحاته ، وحاولت تقليده، وقراءة رسائله التي بعثها لأخيه تيو ، فقال في واحدة : " عندما أشاهد جمال الفلمانيات كنت أنجدب لعرض أرواحهن أكثر من احتضان أجسادهن " . هذا هو الرجل نفسه الذي كتب رسالة مفتوحة للقادة الإيرانيين يطالبهم بإطلاق سراح المخرج جعفر بناهي المعتقل منذ 1 مارس : " أطالب بالإفراج الفوري عن زميلي . كما أناشد أن لا يبقى أي شخص معتقل في هذا البلد بسبب أنشطتهم الفنية ، وأن لا تواجه المبدعين الحواجزُ ، وعدم الدعم ، أو التحيز . فمنذ اثنتي عشر سنة ، ومن خلال عملي ، تم قطع كل علاقاتي مع هذا النظام الذي يحكم هذا البلد . لا أتوقع أي جديد ، ومع ذلك لازلت أعمل . لقد أظهرت بشكل خاص أني صبور ومواظب ، وكلما تم إغلاق باب، لا أتمسك به ، بل أحاول فتح باب آخر. فالسكان الإيرانيون يعيشون في الفوضى ، بحيث يجب على كل فرد في عمله ( وظيفته ) أن يظهر نفس الإحساس (الشعور ) بالواجب . نحن في حاجة إلى بائع الخبز في الحي كي يستيقظ باكرا ، مهما كانت الظروف ، ليوزع الخبز الطازج على سكان الحي . نحن في حاجة إلى مسئولي الثقافة أن يفهموا واجبهم اتجاه الشعب ". للمشاهدة " صورة طبق الأصل "COPIE COMFORME فيلم إيطالي ، إيراني ، فرنسي لعباس كياروستامي ، مع الممثلة جولييت بينوش ووليام شيميل. في القاعات بدء من 19 ماي. * جون لوك دوين - جريدة لوموند الفرنسية ليومه 10/05/2010