يعتبر مشروع إحداث القناة الأمازيغية حدثا تاريخيا يؤرخ لمسار جديد لسياسة الدولة في مجال الإعلام و تأكيدا للإرادة الفعلية المتوفرة لدى الجميع من أجل تعزيز مكانة اللغة والثقافة الأمازيغية في إعلامنا العمومي. ومن شأن هذا المولود الإعلامي الجديد أن يخدم التنوع الثقافي واللغوي بالمغرب، ويعكس الثراء المادي والمعنوي للثقافة المغربية, وسيساهم بدون شك في تطوير اللغة الأمازيغية وتثمين ونشر الثقافة الأمازيغية بشكل أوسع داخل الأوساط المختلفة للمجتمع المغربي. و بفضل برمجتها المتميزة خاصة على المستوى الإخباري استطاعت القناة الأمازيغية أن تمتلك قاعدة مشاهدة واسعة مقارنة مع القنوات السبع الأخرى التابعة للدولة, كما استطاعت إحداث تغيير حقيقي في وعي الجمهور خاصة في صفوف الأشخاص الذين لا يعرفون شيئا غير الثقافة الأمازيغية. إن ما يميز القناة الأمازيغية عن باقي القنوات الأخرى هو كونها لا تبث إلا من إنتاجها, قناة توظف أساسا الاختلاف باعتباره قيمة مضافة في الهوية المغربية المتفردة القائمة على جدلية التنوع والوحدة. لقد وفرت لها الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية الاعتمادات المالية الكافية لإنجاح رسالتها النبيلة وزودتها بالموارد البشرية الكافية لتغطية مختلف أنشطتها وبرامجها وتم تجهيز استوديوهاتها بأجهزة جد متطورة. وفور انطلاقها انقسم المشاهدون و المواطنون "المهتمون" في موضوع القناة الأمازيغية ما بين من يعتبرونها بالخطوة الهامة والمكسب الإعلامي، ومن يرونها مصدر خوف من أن تنحو هذه القناة الجديدة منحى القنوات المغربية الأخرى التي جعلت من الثقافة الأمازيغية مجرد فلكلور أو تراث فُرجوي. وبين هؤلاء وهؤلاء -من يؤيد ويعارض، ومن يبتهج ويتشكك- يرتسم المشهد كله بتفاصيله وتتضح الصورة بعد انطلاقتها بمائة يوم تقريبا. قسم الأخبار: ضرورة استقطاب طاقات مهنية جديدة تمتلك القناة الأمازيغية على طاقم يتجاوز عددهم 85 من تقنيين وصحافيين ومصورين منهم 26 صحفيا ذو تكوين عالي يشرفون على النشرة الإخبارية اليومية و خمسة برامج داخلية، ومن بينهم من له تجربة تلفزيونية متميزة في قنوات أخرى ومنهم من التحق بالعمل الصحفي لأول مرة بالقناة الأمازيغية يمثلون جميع الحساسيات بشكل متكافئ في إطار مقاربة تدرجية تستوعب الإختلافات بين الفروع الأمازيغية الثلاث. وقد لا يختلف اثنان أن جميع العاملين بالقناة بذلوا بشكل جماعي متكامل و منسق مجهودات كبيرة قبل و أثناء انطلاق القناة ،لأنه ليس من السهل توفير مادة إعلامية أمازيغية من لاشىء تقريبا، خاصة إذا علمنا أن هناك إنتاجات تم تفويتها لبعض الشركات قبل وصول الطاقم المشرف على الأمازيغية حاليا. وبفضل عملهم الجبار وجد المولود الإعلامي الجديد صدى، ونجاحاً جماهيرياً واسعاً، واحتلت القناة الأمازيغية مكانة مرموقة خاصة في الأرياف والمغرب العميق المهمش. كما استطاعت بفضل خصوصيتها واحترافيتها ومستواها المتميز منافسة القنوات الرسمية ، لأن المشاهد المغربي وجد نفسه أمام وسيلة إعلامية جذابة بلغته الأم و ببرامج إخبارية تعبر عن احتياجاته وطموحاته. ويرجع بعض المهتمين سر نجاح العمل الإعلامي لقناة الأمازيغية إلى الجهد الجماعي وثقافة العمل بأسلوب الفريق وروح المسؤولية الذي يسود بين العاملين في قسم الأخبار والبرامج. وغالبا ما تعالج بعض الاختلافات المهنية التي تظهر من حين لآخر حول أسلوب تناول قضايا معينة بشكل حبي بين الصحفيين. و ذكرت مصادر مقربة من القناة أن علاقة العمل تقوم على الاحترام المتبادل ولا مكان فيها للاعتبارات الشخصية والانتماءات الجغرافية والقبلية. ويحظى كل العاملين في القناة بالتقدير والاحترام اللازمين بغض النظر عن مستوياتهم المهنية من طرف رئيس تحرير الأخبار الذي يتوخى ويطمح تحقيق أعلى مستوى للانتاج من خلال توزيع العمل وفقا لأهلية المعنيين مع الأخذ في الاعتبار ما قد يتوفر لدى البعض من تخصص أو خبرة في مجال معين أو معرفة بمنطقة جغرافية. وفي كل يوم, مباشرة بعد اجتماع هيئة التحرير يتكلف كل صحفي في إعداد المادة المناطة به والمرتبطة أساسا بالأحداث الوطنية والمحلية ومستجدات الساحة السياسية والاقتصادية والرياضية والفنية ومختصرات دولية, ويتم تقديم هذه المواد للمشاهد المغربي على شكل نشرة تستغرق اثنى عشر دقيقة. ومن بين المشاكل التي تواجه الصحفيين العاملين في قسم الأخبار أو البرامج هو صعوبة إيجاد ضيوف يتكلمون الأمازيغية مما يجعلهم مضطرين الى استدعاء نفس الوجوه لمرات عديدة. لكن رغم كل هذه الإيجابيات لابد من التذكير أن تطوير أداء قناة الأمازيغية رهين بتأهيل الصحفيين واستقطاب وجوه و أصوات وطاقات مهنية جديدة. كما يجب على مسئولي القناة تنظيم دورات تكوينية لفائدة الصحفيين قصد معالجة مجموعة من الصعوبات المرتبطة باللغة وطريقة الكتابة والتعابير المستعملة في النشرات من أجل ضبط تقنيات التعبير الصحيح في النشرة الأمازيغية. برامج متميزة من إنتاج داخلي وأخرى رديئة من إنتاج شركات خاصة تبث قناة الأمازيغية خمسة برامج متنوعة من إنتاجها الداخلي ترمي بالأساس إلى إبراز تجربة المغرب الرائدة في شتى المجالات, وتشمل هذه البرامج الموزعة على عدة حلقات،على بث شرائط وثائقية و برامج متنوعة اجتماعية ,موسيقية ورياضية وأخرى موجهة للأطفال ومسابقات ومنوعات. الخ كما تتضمن لقاءات حوارية مع سياسيين ومثقفين وممثلي المجتمع المدني وفنانين وإعلاميين ورياضيين. وتعتزم القناة من خلال هذه البرامج التي تحضى بمتابعة مهمة العمل على ترسيخ الثقافة الأمازيغية ونشر قيم التفتح والحداثة والتسامح، وعلى تنمية الحوار بين الثقافات وتمكن المشاهد المغربي داخل وخارج الوطن من الإطلاع على التقاليد والعادات الأمازيغية وتتبع مستجدات الساحة الوطنية على جميع الأصعدة. إن ما يميز القناة الأمازيغية عن باقي القنوات المغربية الأخرى هو اعتمادها بالأساس على الإنتاج الداخلي( أربع ساعات من البث كلها من إنتاجها الداخلي وساعتان لبث البرامج التي تشرف عليها الشركات المتخصصة في الإنتاج والتي غالبا ما تكون ضعيفة الجودة) وهذا ما يعكس بالملموس الجهد الذي يقوم به الفريق المشرف على القناة ويساءل في نفس الوقت إدارة القناة حول المعايير المعتمدة في اختيار البرامج وشركات الإنتاج التي يتم التعاقد معها. إن ما يعزز من مصداقية القناة ويفتح آفاق المراهنة عليها في مغرب المستقبل سمته التطور والتسارع؛ هو مدى قدرتها على اعتماد لغة معيارية تجمع بين اللهجات الأمازيغية الثلاث يمكن للجميع فهمها خاصة وانها تتوفر على بنيات مشتركة والاختلافات توجد فقط على مستوى النطق .وضمن هذا السياق؛ يحق لنا أن نتساءل حول الدور البيداغوجي للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ومدى قدرته على ضبط المصطلحات والوصول الى لغة حديثة معيارية موحدة و مفهومة لدى جميع الأمازيغ بكل حساسياتهم.