حزنت السيدة كثيرا و هي تسمع لمتاعب البوجادية و طلبت منها أن لا تحمل هما من اليوم لأنها ستحل كل مشاكلها و ستساعدها في تحقيق أحلامها، فقد دخلت لقلبها و لن تتركها للضياع و الفقسة. فاقترحت عليها أن تتصاحبا لأنها تعيش أغلب الوقت لوحدها فزوجها نجم من نجوم المجتمع و من كبار رجال الأعمال المعروفين و هو مشغول عنها دوما و متزوج بشركاته و مشاريعه و أعماله و لا تراه كثيرا، و أبنتها الوحيدة تدرس في أمريكا، لذا فهي تحتاج لرفيقة و صديقة و مؤنسة و بما أن البوجادية "معندها ما تدير الآن" فقد طلبت منها ذلك مفضلة إياها عن غيرها من نساء طينتها و التي ترتبط معهن بعلاقات مادية باردة فيها الكثير من الزيف و النفاق، عكس البوجادية الصادقة المخلصة و الوفية إضافة إلى أن الحديث معها له رونق خاص لأنه يخرج من فمها بسيطا صريحا مسالما. لكن البوجادية لم يعجبها الحال فقد جاءت عندها لتجد لها عملا و ليس لتتصاحب معها فهي بقى ليها غا التصاحيب أحست السيدة بضيقها و أن اقتراحها لم يرق لها فبادرتها بالقول: - شحال سرق ليك صاحبك؟ - ردت البوجادية: - أربعة ديال المليون. أطلقت السيدة ضحكة مجلجلة حين علمت أن هذا المبلغ التافه بالنسبة إليها هو ما سبب للبوجادية هدا الحزن والتعاسة والتشاؤم ، فمثله وأكثر منه تخسره هي في لاشيء، فأرخص حقيبة لديها تضاهي ثروة البوجادية المسروقة. وعدتها أنها ستعطيها ضعفها غير تضحك و تحيد عليها هاد التغوبيشة، فَآشْ نَاهِيَ 8 ديال مليون كيف والو!! لم تصدق البوجادية أذنيها و ظنت أن السيدة غا داوية، لكنها تأكدت حين طلبت منها أن تنتظرها للحظات حيث صعدت لغرفتها الخاصة و عادت إليها بالنقود في يديها، و اقترحت عليها أن الأحسن أن تروجها قي مشروع شخصي خاص بها و نصحتها بأن لا تثق مجددا في أحدهم لكي لا تتم سرقتها من جديد و أنهم هبة من عندها و ليسوا سلفة فهم حلال عليها. ارتمت البوجادية في حضن السيدة شاكرة اياها و أخبرتها أنها بدأت تفهم الحياة فبعد أن كانت متسلحة بالغباء و تابوجاديت دارت عقلها الآن و مغديش تداربيها مازال. فقد نضجت و أصبحت لها خبرة حقيقية و تجربة و من هنا فصاعدا ستستخدم فقط عقلها و لن تسلم قلبها لأحد ليبعث به. شكرت البوجادية السيدة مجددا و أرادت أن ترحل لكن هاته الأخيرة طلبت منها أن تبقى لمشاركتها الغذاء فهي تتغذى دوما لوحدها إن لم تكن مدعوة خارجا و اليوم و بما أن البوجادية تزورها فهي مناسبة لقضاء بعض الوقت سوية تتكلمان تتنادران و تمزحان، ففيلتها رغم مساحتها فهي موحشة الخدم و الحشم و السائقون في جناحهم و السيدة لوحدها فهاد الخير كله. ولم يفت البوجادية أن تبوز لحالها في قرارة نفسها لأن السكون و الصمت و الهدوء الذي تعيش فيه مضجر حقا، فهم ولو أنهم يعيشون كثافة سكانية في بيتهم إلا أن الجو فيه دافئ و حميمي و حار. قبلت البوجادية دعوتها للغذاء و تحولت لمائدة طعام مْضَخْمة آشْ من محمر و آش من مْجَمَّر و آش من مْشَرْمَل، ظهرت الخادمة و هي تسألها، عصير، بيرا، مونادا ... تْخَلْعات لما سمعتها تقول بيرة لكنها تداركت فورا خَلْعتها لأن اللي لاباس عليهم تقديم البيرة و الشراب عندهم شيء عادي، أجابت البوجادية أنها تشرب فقط الماء و الموناضا و العصير و غير ذلك كان صديقها هو من يشربه و يُفْرِط في شربه و بْدات تعاود للخادمة قصة حياتها و هي تخبرها أنها كانت تتموت عليه مستغلة انشغال السيدة بمكالمة هاتفية، لكن الخادمة بانت ليها فْشي شكل فأرادت أن تنهي المحادثة فردت عليها إيوة الله يعفو عليه، فأخبرتها البوجادية أنه هرب ، خرج و لم يعد....... أمرتها السيدة بالشروع في الأكل فالدار دارها، لكن البوجادية اللي مْوالفة غير بالخبز و أتاي و اللي دار فعلته فيها حيث أنها لم تنعم طيلة حياتها بصحة جيدة و كانت دائما هزيلة ضعيفة البنية معتلة الصحة، داخت أمام هاته الأطباق و مَعَرفات باش تبدا، فهي لم تكن تتصور أن هناك أناس يتمتعون بهذا الفيض من الأكل و هاد الخيرات كلها يتذوقون شوية منها و يرمون بالباقي ناسين أولئك الذين يتضورون جوعا وينامون و مصارنهم تكاد تتقطع، فأين هو العدل و هل يوجد أصلا شي عدل بين البشر؟ أن يتاح للقلة ما لا يتاح للكثرة و أن لا يتم توزيع الثروة بشكل يصل للكل ففي الوقت الذي يزداد فيه هؤلاء ثراءا و غنى يزداد فيه مجتمع البوجادية و وسطها و محيطها فقرا و بؤسا، فالغنى في بلدنا يتراكم على حساب تراكم الفقر والسياسة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية عندنا تقتضي أن يغتني الغني أكثر فأكثر. والعكس بالعكس فقراء بالمآت يزدادون يوما عن يوم محرومون من التمتع بأبسط مقومات العيش الإنساني الكريم. ولنعد لبوجاديتنا التي قضت يوم جميل عند هاته السيدة، فقد أكلت و شربت ما لذ و طاب و من فوق هاد الشي دَبْرات على راسها، ابتسم لها الحظ إذن و هاد 8 المليون ستحل كل مشاكلها و ستنسيها حسرتها على ما ضاع منها. عادت للبيت و الفرحة تغمرها أخبرت والدتها بجديد أحوالها و خبأت عندها المبلغ ريثما تفكر آش غدي تْدير بيه، لم تنم تلك الليلة، الخطط و البلانات قْواوا عليها و كانت في كل مرة توقظ والدتها لتتباحث معها في شي بْلان جديد طاح عليها، و بْقِيتْ على هذا الحال إلى أن صْبَح الحال. للتواصل مع الكاتبة : [email protected] [email protected]