وهاهو موقع هسبريس يعود بعد نزلة برد في غير وقتها. مثلما يحدث لنا نحن الكائنات البشرية، فتح الموقع – هذا الكائن الافتراضي - فمه أكثر من اللازم فكانت الفرصة مواتية للفيروسات للاحتفاء به على طريقتها. فيروسات موجهة من أناس يفتخرون أنهم يجيدون الطعن في الظهر. ذلك الفخر الطفولي بالنجاح في تكسير جهاز الدي في دي دون أن يراك الكبار ويشدوا أذنك حتى يمزقوها. لست أهلا للوم هؤلاء ولا لتقريعهم، لكنني أقول لهم شيئا واحدا: ما فعلتموه مثير للشفقة. لا أقل و لا أكثر. لكننا – رغم هذا – نشكركم من أعماق قلوبنا على هذه النعمة التي حسبناها نقمة. هاجمتم الموقع، فلجأنا إلى المنتدى نلتمس بعض الظل وبعض الصداقات. فإذا بنا نفاجأ أننا مجتمعون من جديد وكأن شيئا لم يتغير. اكتشفنا أن الموقع ليس موقعا فحسب. بل هو مجتمع جديد تتشكل ملامحه ببطء، لكن بثقة. الثورة التي حسبناها ستحدث في بداية هذا القرن جاءت متأخرة بسبع سنوات. أخيرا ستسحب المواقع التفاعلية البساط من تحت أرجل المنابر الورقية فعلا لا مجازا، ولعل شرف السبق سيكون لموقعنا محليا، ربما عربيا. في المنتدى، أقول، اكتشفت أن المشاكسين والثائرين الدائمين في الموقع، هم أناس أكثر رصانة وثباتا. اكتشفت، مثلا، أن الأمازيغي المقهور ليس مقهورا إلى تلك الدرجة. الرجل يشرف على المنتديات الأمازيغية و يتحدث بلهجة الرجل الحازم. هو فقط يتسلى بمشاكستنا في الموقع، ليجعلنا نفكر ألف مرة قبل أن ننشر مقالا ما كي لا نتعرض لمطارقه التي لا تبقي ولا تذر. تيجا ورجاء أيضا بدتا أقل تهجما. باقي المعلقين والأعضاء اتفقوا على أن الأهم هو أن يعود الموقع بكل ألقه، واستطاعوا – لأول مرة ربما – التخلص من كل أنواع الاتهامات التي تبادلوها غير ما مرة. شخصيا، لم أعتقد أن زوار هسبريس متعلقون بالموقع إلى تلك الدرجة. لقد أثار استغرابي أن أسمع أن البعض يشعر بالملل والفراغ لاختفاء هسبريس. طبعا، هذا ليس تشريفا بل هو حمل ثقيل ألقي على عبء مشرفي الموقع. أيضا، كشف هذا الحدث أن الصحافة الإلكترونية تؤسس لمشهد غريب وجديد وأول من نوعه. أنا متأكد أننا سنفتخر يوما ما أننا كنا من كتاب هسبريس ومعلقيه ومتابعيه. لأول مرة أشهد موقعا يكون المعلقين فيه أشهر من الكتاب أنفسهم. بل هناك من أدمن قراءة تعليقات البعض بدل قراءة المقالات و الأعمدة!!! أفلا يشجعنا كل هذا على الفخر؟ عندما طالعت موقع هسبريس لأول مرة ظننت أنه موقع جديد من المواقع "الصفراء"، خصوصا أنني من النوع الذي يغلق نافذة أي موقع بمجرد ما يطالع وجه أحد "الفنانين". لأنني ببساطة أتخيل تماما ما سيكتب هناك: إما زواج أو طلاق أو فضيحة أو شذوذ. فلماذا أقرأ موضوعا مكررا ألف مرة؟ بشكل ما، عدت إلى الموقع يوما فوجدت نفسي أمام موضوع جاد. وما أثارني فعلا هو كمية الردود والتفاعل الكبير الذي أثاره الموضوع. أعترف أنني شعرت بالغيرة. كل هذا التفاعل لا ننال منه شيئا في كتاباتنا على الورق. لذا قررت أن أطلب أنا الآخر نافذة لأطل منها على قراء الموقع. وقد قام أخي العزيز طه الحمدوشي على مصراعيها و أشار لي بيده أن تقدم، ففعلت. ما يحسب لهسبريس فعلا أنه يفتح الباب أمام التعليقات الأكثر حدة، حتى إن كانت تمس مدير الموقع وتتهمه بتهم لا يرضاها أحد أبدا ولو كان قاتلا محترفا فعلا. يمكنك أن تلمس عكس هذا تماما حتى في أكثر المنابرالورقية ديموقراطية. لم يسبق لي أن قرأت يوما في جريدة مقالا يهاجم رئيس تحريرها أو مديرها. بل هناك دائما تلك المعلقات السبع التي تنشر في مدح صاحب الشأن. أعترف أنني ضد نشر تلك التعليقات، و أرى أن الأفضل أن يوضع غربال ذو ثقوب متوسطة ليسمح بمرور الصالح دون الطالح. لكنني مع ذلك أحترم توجه الموقع و أقدر فيه هذه القدرة العجيبة على الاحتمال. أنا أيضا ضد نشر أخبار الفضائح، لكنني أجد لها معلقين وقراء فأقول: ربما أنت معقد أكثر من اللازم. المثالية مطلب مستحيل فلا تبحث عنه. البعض يعيب على الموقع نقله بعض الأخبار عن الجرائد بتهمة استعمال خاصية "نسخ-لصق"، وأنا – وهذه وجهة نظر خاصة بي ولا تلزم أحدا – أرى أنها ميزة تحسب للموقع لا عليه. فنقل ما يجول بأغلب الجرائد إلى الشبكة العنكبوتية ليطالعها آلاف المغاربة في مشارق الأرض ومغاربها هو عمل يستحق التنويه لسببين: هناك من لا يملك الوقت والمال لمطالعة الجرائد اليومية بشكل منتظم، وهناك إخواننا المغتربون الذين يتشوقون لمعرفة أخبار الوطن أولا بأول. إضافة إلى كل هذا، وحسب علمي، فإن الموقع يأخذ الإذن من هذه الجرائد التي ينشر مواضيعها. فإن لم يفعل، فإنه يشير إلى المصدر على الأقل. ما يروقني في الموقع فعلا أنه لايتخذ لنفسه أي شعار فضفاض على غرار: المصداقية شعارنا، أو معنا.. للصحافة معنى آخر..أو.. أو.. الموقع يعمل بصمت ويترك محتواه يتكلم عنه. ذكاء غير مسبوق من الموقع يستحق أن نصفق له طويلا. الميزة الأخيرة، والتي أعتقد أنها الأهم. أن هدف الموقع ليس ربحيا. حسب علمي فالزميل الحمدوشي يكافح ليل نهار ليستطيع الحصول على مدخول من الموقع ليستطيع أن يغطي مصاريفه فقط. وذلك عز الطلب. كتاب الموقع أيضا يتطوعون للكتابة مجانا. وأنا لي رأي غريب في هذا الشأن، وهو أن كتابة أعمدة الرأي لا تستحق الأجر. إن دخل المال من الباب فستخرج المصداقية من النافذة. نافذة الويندوز طبعا. يوم تسمعون أن السي الحمدوشي بدأ يدفع للسي استيتو عن عموده، فأنصحكم ألا تقرأو لي. لأنني سأكون عندها شخص آخر. محبتي لكم جميعا ومرحبا بنا بين أحضان هسبريس مجددا.