تحت عنوان "حكيم بلعباس والعقيدة السينمائية" كتب الناقد حمادي كيروم في إحدى الصحف الوطنية مقالة ممتعة تستحق أكثر من وقفة تأمل، طبعا هو تأمل أملته علينا طبيعة شعورنا بتلمس هذا الناقد للعمق المجالي لأفلام حكيم بلعباس التي قال عنها بأنها " تبني الذكاء الوجداني عند المشاهد وترعاه وترحل به من الممتع إلى الجميل ومن الجميل إلى النبيل، وهي تبحث عن الحقيقة، لتصل به إلى مرحلة الهرمونيا الإنسانية، أي إلى المطلق الوجودي.... "، لكن الذي يستحق منا أكثر من وقفة في هاته المقالة هو تلك التركيبة الاصطلاحية التي جاء بها الناقد حمادي كيروم، والمتمثلة في " العقيدة السينمائية " تركيبة جديدة تنضاف إلى سجل معجم مصطلحات الدراسات السينمائية المعاصرة المغربية، إذ إن أصالة هاته التركيبة تجعلنا ننبش أكثر فأكثر في البحث عن ماهيتها وفحواها، ولعل قصد الناقد حمادي كيروم من هاته التركيبة السينمائية الجديدة " العقيدة السينمائية " هو إيمان كل سينمائي/مبدع واقتناعه وقناعته المتجدرة في عروقه بما يصنع من أفلام/تحف سينمائية (روائية أو وثائقية) إلى حد إيمانه الروحي والديني بها، أفلام تنضوي تحت أفلام يمكن أن نسميها ب : " سينما الأمر الواقع " هي ليست سينما دعاية ولا سينما مدافعة عن إيديولوجية ما، وليست سينما ردود الأفعال على تصرفات مشينة لحزب معين أو سياسة معينة ما...، إنها لا تنتمي لا إلى توجه سينمائي ولا لأي مدرسة من المدارس السينمائية المتعارف عليها عالميا، إنها بكل بساطة تمرد سينمائي على كل شيء، تمرد يستقي مشروعيته وخصوصيته من صعوبة تصنيفه على مستوى التناول الحكائي، هي في نهاية المطاف عقيدة سينمائية لمخرج مجنون/مهووس حد النخاع بآلة اسمها «الكاميرا»، ويعتبر كل شيء أهلا للتصوير، حتى الخصوصيات وبمعالجة خلاقة إبداعية تضمن الكرامة للكائن موضوع التصوير. عادة ما يطلق اصطلاح العقيدة على الأمر الذي يعتقده الإنسان، ويعقد عليه قلبه وضميره، بحيث يصير عنده حكمًا لا يقبل الشك، فكلمة عقيدة من العقد، الذي يعني الربط والإبرام والإحكام والتماسك واليقين والجزم، فكل ما يصبح معتقدا فإنه لا يقبل الجدال ولا النقاش، ذلك ما قصده الناقد كيروم من العقيدة السينمائية عند حكيم بلعباس، إنها عقيدة تتغيا التصريح التلقائي بالكينونة في أقصى تمظهراتها، عقيدة تجعل المتلقي/المتفرج/المشاهد يستشعر جسامة ذلك الاعتقاد بما يحويه من إيمان قوي بقضية اسمها الوجود، عقيدة عقد حكيم بلعباس عليها قلبه وضميره احتجاجا على عالم أصابته حمى عولمة متوحشة مغتصبة لإنسانية الإنسان . إن تسمية " العقيدة السينمائية" التي أتى بها الدكتور حمادي كيروم جعلتني أقارب هذا الموضوع من جهات متعددة، فوجدتني أستحضر تركيبة أخرى لها علاقة وثيقة بما سبق يتعلق الأمر " بالعقد السينمائي" وليس قصدي بذلك تلك الوثيقة القانونية التي تربط مؤسسة سينمائية مثلا مع مخرج سينمائي أو مع ممثل ومخرج، بل أقصد بها ذلك المصطلح الذي جاء به علماء الاجتماع والفلسفة من قبيل توماس هوبز وجان جاك روسو وجون لوك... ، والذين كان لهم قصب السبق في ابتكار مصطلح العقد الاجتماعي : الذي اعتبره جون لوك ليس مؤسسا على القهر والغلبة والاستغلال بل هو من طبيعة العقود التي تستمد شرعيتها من الإرادة الحرة للأفراد بناء على قناعاتهم ومصالحهم المشتركة فيما بناءها النظري عند توماس هوبس يتأسس على التضحية الكلية بالحقوق الطبيعية للأفراد لقاء الحصول على السلم والاستقرار. في هذا السياق يمكن اعتبار " العقد السينمائي" من منظور فلاسفة علم الاجتماع جزءا لا يتجزأ من العقد الاجتماعي العام، وفي نظري المتواضع أن علاقة العقد السينمائي بالعقيدة السينمائية تربطها تجاذبات فكرية وتنظيرية لا يمكن الاستخفاف بها، إذ أن كل سينمائي يعقد قلبه وضميره على استجلاء قضية من القضايا المجتمعية كمثل التي تناولها حكيم بلعباس في جل محاولته والتي عنون غالبيها ب " أشباه الأفلام "جعلته يضمن لنفسه توجها وعقيدة سينمائية خاصة به تقبض على المنشود، وبالشكل الذي فسره الناقد حمادي كيروم ، كما جعلته محترما للعقد السينمائي الذي يربطه ببني جلدته، ويضمن لنفسه برجا محترما ووزنا ويكتب في سجل السينمائيين الذين لامسوا الإشكاليات المطروحة دون التفكير في البحث عن حلول، لأن محرك العقيدة السينمائية هو في كيفية طرح الإشكاليات والعمل على معالجتها بشكل بديع ومفرط في الاعتقاد. إن من لا عقيدة سينمائية له لا يمكن أن ننتظر منه احتراما دقيقا لبنود العقد السينمائي الافتراضي الذي يجمعنا معه، إنها الإشكالية التي نعيشها حاليا، بالرغم من توافر شروط الاشتغال على الأقل أفضل من الزمن الذي مضى، وبالرغم من تفويضنا وتنازل بعضنا له بهذا الأمر، ولنا في البيبليوغرافيا السينمائية المغربية القلة القليلة من المخرجين السينمائيين الذي بالفعل الذين ساقتهم عقيدتهم السينمائية إلى احترام البنود التي تربطه بمن التزم معهم والقصد كل القصد هنا هو الجواب عن السؤال الذي يضعه كل مقبل على إخراج عمل سنيمائي مفاده : لمن سأخرج هذا الفيلم ومن هي الجهة المستهدفة : فإن أنت بلغت مرادك فاعلم أن عقيدتك السينمائية سليمة وستقودك أتوماتيكيا إلى احترام تلك البنود التي جمعتك بالمستهدف ضمانا لإيمانهم بما تعتقده وضمانا للسلم والاستقرار السينمائي، وإن أنت أفسدت عقيدتك السينمائية فاعلم أنك لن تكون إلا منبوذا وسينمحي اسمك بسرعة لأن حدسك وشعورك يجحد فضيلة الجمال ويستبيح رذيلة القبح . *مهتم بالسينما