1- تمنّيتُ لو لم يكن الشاب الباكستاني الذي حاول تفجير سيارته وسط مدينة نيويوركالأمريكية مسلما. كانت هذه أمنيتي الوحيدة قبل أن تكشف الشرطة الأمريكية عن هوية الشاب الباكستاني الذي قام بمحاولة التفجير الفاشلة. فليس ما يحتاجه المسلمون في الظروف العصيبة التي يمرون بها اليوم هو من يصبّ مزيدا من الزيت على النيران التي يكتوون بها. وليسوا بحاجة إلى من يدافع عنهم بواسطة السيارات المفخخة في العواصم والمدن الغربية الكبرى، بل يحتاجون إلى حكماء يستطيعون محاورة هذا الغرب بهدوء، وإلى جماعات ضغط (أو ما يسمى باللوبيات) قوية للضغط على هذا الغرب الذي لا يعرف، شأنه شأن باقي بلدان العالم شيئا آخر ولا يتقن لغة أخرى غير لغة المصالح. 2- فماذا سيفيد المسلمين أن يذهب واحد منهم إلى ساحة كساحة "تايمز سكوير" في نيويورك، يحجّ إليها السياح من جميع الجنسيات، بمن في ذلك المسلمون، ويركن سيارة مفخخة بجانب رصيف الشارع ويفجرها، ويقتل عشرات الأبرياء، ويدمر واجهات المحلات التجارية عن آخرها؟ ماذا سيستفيد المسلمون من مثل هذه الأعمال الإجرامية التي ينفذها البعض باسم الإسلام والمسلمين؟ الأكيد أن المسلمين لن يجنوا من مثل هذه العمليات المجنونة سوى مزيدا من الكوارث والعواصف، ومزيدا من السمعة السيئة، ومزيدا من المعاناة في المستقبل القريب والبعيد، خاصة وأن ميزان القوة لا يميل جهتهم، بقدر ما تميل الكفة كلها جهة الغرب. فالغرب لا يحتاج إلينا بقدر ما نحتاج إليه. الغرب قادر على أن يغلق جميع الأبواب في وجهنا ويعيش بمفرده ونحن لا نستطيع أن نتصرف بالمثل، لأن المواد الغذائية التي نقتات منها تأتينا من الغرب، بما في ذلك القمح والأرز والذرة والشعير. والسياح الذين يشكلون مصدر دخل قومي رئيسي لكثير من البلدان الإسلامية يأتون من الغرب. والمعونات الاقتصادية والعسكرية التي تستفيد منها الدول الإسلامية، أو الأنظمة التي تحكمها على الأرجح مصدرها الغرب. والهواتف النقالة والحواسيب والسيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية والقفازات التي يرتديها الأطباء أثناء العمليات الجراحية وحتى الولاعات التي نوقد بها الأفران داخل المطابخ والإبر وشفرات الحلاقة وألعاب الأطفال وكل شيء تقريبا يأتي من الغرب. أي أن هذا الغرب أقوى منا بملايين المرات. وبما أن المسلمين يعرفون هذه الحقيقة المرة، إلا أنهم لا يريدون أن يتقبلوها، وفي نفس الآن لا يبذلون أي مجهود من أجل تقليص الفوارق بينهم وبين الغرب، ولكي يواسوا أنفسهم قليلا، لا يجدون أمامهم من خيار آخر سوى "التقلاز للغرب من تحت الجلابة"! وهي عادة كما يعلم الجميع لا يلجأ إليها إلا الجبناء. 3- عندما قُتل المخرج السينمائي الهولندي "ڤان گوخ" على يد شاب مغربي كنت من القائلين بأن هذا الشاب تصرف بشكل خاطئ بعدما حوّل نفسه من مُعتدى على حقوقه إلى جان شوّه صورة المسلمين ودمّر مستقبله الشخصي بعدما حكم على نفسه بقضاء بقية أيام عمره خلف قضبان أحد السجون الهولندية. فلا هو ربح شيئا، ولا هو قدّم منفعة للإسلام والمسلمين. ونفس الشيء قلته عندما اندلعت المظاهرات الصاخبة المنددة بنشر رسوم كاريكاتورية مسيئة إلى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في صحيفة دنماركية، حيث تمّ إحراق أعلام الدانمارك وأعلام دول غربية أخرى في العواصم الإسلامية، وتمّ اقتحام سفارات الدانمارك وقنصلياتها في أكثر من بلد إسلامي. المسلمون أخطؤوا التقدير، وهذا ما قلته وأكرره الآن، وقد كان بمقدورهم أن يربحوا قضية الإساءة إلى رسولهم الكريم، لو أنهم تصرفوا بحكمة وتبصّر، وتحكّموا في أعصابهم الهائجة، ولجؤوا إلى القضاء، كما فعل أحد العقلاء العرب قبل أسابيع، وهو محام سعودي، قام، نيابة عن ثماني جمعيات في الدانمارك، برفع دعوى قضائية ضد اثنتا عشرة صحيفة دنماركية أعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى رسول الإسلام، نقلا عن صحيفة "جايلاندز بوستن" التي كانت سباقة إلى نشرها، ما أجبر صحيفة "بوليتيكين" على نشر اعتذار عاجل للمسلمين تفاديا لجرجرتها أمام القضاء، في انتظار أن تمثل الصحف الإحدى عشرة المتبقية أمام هذا الأخير. ففي الغرب يوجد قضاء مستقل أثبتت الأيام والوقائع غير ما مرة أنه لا يفرق بين المسلم والمسيحي واليهودي، ونذكر منها واحدة تتعلق بمواطن مغربي مسلم مُنع من الالتحاق بالعمل في صفوف الشرطة الفرنسية رغم أحقيته في ذلك، لكونه مسلما يحمل اسما عربيا، فما كان منه إلا أن لجأ إلى العدالة الفرنسية التي أنصفته في الأخير وردّت إليه الاعتبار، وأبطلت كل مزاعم جهاز الشرطة الفرنسي الذي التحق به المواطن المغربي معززا مكرما، دون أن يهدد بتفجير سيارة ولا حزام ناسف. فوفق هذا النهج يجب على المسلمين أن يتصرفوا حتى يبينوا للعالم أنهم أمة متحضرة. 4- اليوم، ومع اشتداد الخناق على المسلمين في الغرب، ما على هؤلاء سوى أن يتحلوا بمزيد من الصبر وهدوء الأعصاب. فالمعركة لم تعد منحصرة بين الجالية المسلمة المقيمة في البلدان الغربية وحكومات هذه البلدان، بعد أن بدأت هذه الحكومات، بفضل دهائها السياسي بإقحام شعوبها في هذه المعركة. وهكذا رأينا كيف أن حظْر بناء المآذن في سويسرا لم يكن قرارا حكوميا فحسب، بل قرارا اتخذته الحكومة وتبنّاه البرلمان والشعب بأغلبية مطلقة. ورأينا نفس الشيء تقريبا بخصوص منع النقاب في فرنسا وبلجيكا، وإن كان الأمر لم يصل إلى حد الاستفتاء الشعبي، لكن استطلاعات للرأي تمّ إجراؤها بهذا الخصوص. ووحده الله يعلم أين ستتوقف هذه المعركة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح شديد هو: ماذا يستطيع المسلمون أن يفعلوا إزاء هذه الحملة الشعواء التي تستهدفهم؟ إذا كانوا سيواجهون الأمر بمزيد من العمليات الانتحارية كما فعل الشاب الباكستاني "فيصل شهزاد"، فلن يجلبوا لأنفسهم سوى مزيدا من المتاعب، ولن يؤدي ذلك سوى إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة وسط الرأي العام الغربي، وقد يجد المسلمون أنفسهم ممنوعين من ارتداء نسائهم الحجاب في الأماكن العمومية وليس النقاب فقط، وقد يصل الأمر إلى حدّ منعهم من بناء المساجد وليس المآذن فحسب. وهناك دعوات تُرفع بين فينة وأخرى بهذا الخصوص، وكل شيء محتمل. فمن كان يتوقع أن يصير بناء المآذن في دولة أوروبية متسامحة كسويسرا ممنوعا؟ لا أحد. لكن الأمر صار اليوم مع الأسف واقعا، دون أن يستطيع المسلمون منعه، لأن الشعب السويسري هو الذي أقره. وإذا سارت الأمور وفْق هذا المنحى، فقد يجد المسلمون أنفسهم مرغمين على اختيار واحد من هذين الاحتمالين: إما الخضوع للأمر الواقع، وإما العودة إلى بلدانهم الأصلية. ولا نعتقد أن أحدا منهم سيفكر في اللجوء إلى الاحتمال الثاني. 5- الجالية المسلمة المقيمة بالغرب إذن، خصوصا في أوروپا، توجد وسط عنق زجاجة مكسور الحافة، وعليها أن تعرف جيدا كيف تُخرج نفسها دونما التعرض لمزيد من الجروح. وأول شيء يجب على أفراد هذه الجالية أن يقوموا به هو أن يغلقوا آذانهم بالطين والعجين تجاه كل الدعوات التي تأتيهم من بعض المتشددين من بلدان إسلامية، والتي تدعوهم إلى مزيد من التعنّت وتصعيد حدة التوتر مع الغرب. فهؤلاء المتشددون لا يعرفون الغرب، ولا يعرفون كيف تفكر العقلية الغربية، ويكنّون لهذا الغرب عداوة تجعل إمكانية مفاوضته بالنسبة إليهم أمرا مستحيلا، رغم أن بعضهم يحمل شواهد جامعات غربية. بينما الجالية المسلمة المقيمة هناك تحتاج إلى هذه المفاوضات، وتحتاج إلى تليين موقفها عوض تشديده. المتشددون الذين يوجدون هنا يدعون إلى التعنّت لأنهم لا يعرفون أن الشعوب الغربية هي التي تتحكم في الأنظمة التي تحكمها وليس العكس كما يحدث عندنا. لذلك يجب على المسلمين أن يتجنوا تصعيد حدة التوتر مع هذه الشعوب تفاديا لما هو أسوأ. صحيح أنهم يحسون بالظلم، لكن لا يجب عليهم أن ينسوا بأنهم ليسوا في نهاية المطاف سوى ضيوفا، حتى وإن كانوا يحملون جنسيات البلدان المضيفة. وعلى كل حال فالحقوق التي يستفيدون منها في تلك البلدان لا يستطيعون أن يحلموا ولو بجزء يسير منها في بلدانهم الأصلية. فكيف يريد المسلون يا إلهي من سكان مدينة نيويورك على سبيل المثال أن يتعاطفوا معهم ومع قضاياهم بعدما قتل منهم أسامة بن لادن، باسم الإسلام والمسلمين وباسم الله تعالى ثلاثة آلاف مدني أعزل؟ ودمّر مركز التجارة العالمي بالمدينة. وعندما بدأ جرح هذه الفاجعة الغائر يندمل جاء الشاب الباكستاني المسلم فيصل شهزاد، بعد عام واحد فقط على حصوله على الجنسية الأمريكية، ليذكرهم بأنهم ليسوا في مأمن، وأن إزهاق أرواح العشرات منهم باسم الإسلام والمسلمين أجمعين قد يحدث في أي لحظة، وسبقه مسلم آخر يدعى عمر الفاروق كاد يفجر طائرة في الأجواء الأمريكية. وللأسف الشديد لم نر أي مظاهرة من طرف المسلمين للتنديد بهذه الجرائم وكأنهم يؤيدونها بشكل غير مباشر! لذلك فليس مفاجئا أن نرى هذا المدّ المتصاعد لأحزاب اليمين في الغرب، لدرجة أن حزب "الجبهة الوطنية" الفرنسية الذي يتزعمه المتطرف جون ماري لوبين، حصل في الانتخابات البلدية الفرنسية الأخيرة، ولأول مرة في تاريخه على نسبة عشرة بالمائة (10%)، من أصوات الناخبين، ما يعني، أن أسوأ الأيام بالنسبة للجالية المسلمة المقيمة في الغرب، إذا لم تدرك هذه الأخيرة هفواتها، لم تأت بعد. ولا بدّ من التذكير هنا بالتصرف الحضاري الذي لجأت إليه عدد من المنقبات في إيطاليا، عندما شرعن في حملة لجمع التواقيع بهدف توجيه نداء إلى رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان للمطالبة بارتداء النقاب. فما أحوج المسلمين اليوم إلى الاقتداء بهؤلاء النساء المنقبات اللواتي يخضن معركتهن بمنتهى الحضارة. 6- في الختام، وفي هذا عبرة لجميع المسلمين، يجب علينا أن نتساءل لماذا لم يقتل اليهود المخرج السينمائي المسيحي "ميل جيپسون" عندما أخرج فيلمه الشهير" آلام المسيح"، الذي أساء كثيرا إلى اليهود، بعدما اتهمهم بكونهم من قتل المسيح عيسى عليه السلام؟ (رغم أن المسيح عليه السلام كما يحكي القرآن لم يُقتل ولم يصلب. "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم". صدق الله العظيم). فلم نسمع أحدا من اليهود يطالب بإهدار دم "ميل جيپسون"، ولم نر مظاهرات صاخبة كما يفعل المسلمون. فاليهود يعرفون جيدا كيف يدافعون عن أنفسهم، ليس بالسيارات والأحزمة الناسفة كما يفعل بعض المسلمين، بل عن طريق وسائل الإعلام التي يبسطون عليها سيطرتهم المطلقة، وعن طريق جماعات الضغط القوية التي يعج بها الكونغريس الأمريكي وغيره من البرلمانات الغربية. حتى أن مجرد خلاف مع يهودي بسيط قد تلفق إليك بسببه تهمة معاداة السامية التي قد تنتهي بك إلى السجن. فلماذا لا تكون للمسلمين مثل هذه القوّة الصامتة التي لليهود؟ ولماذا لا يملكون اللوبيات القوية رغم أن عددهم يفوق عدد اليهود بمئات الملايين؟ ولماذا لا تكون لديهم قوة إعلامية مؤثرة في الساحة السياسية الغربية عوض خلق قنوات فضائية مهمتها الوحيدة هي التأثير في أماكن معينة في أجساد المراهقين والمراهقات المسلمين؟ وبما أن المسلمين البسطاء ليس بمقدورهم أن يفعولا شيئا بهذا الخصوص، فما عليهم سوى أن يضبطوا أعصابهم قليلا ويتصرفوا بحكمة وهدوء وتبصّر، ما دام أن ميزان القوى ليس في صالحهم. [email protected]