* تعيينات برائحة القرابة الإدارية والسياسية. * الاحتفاظ بنواب رغم تقرير المجلس الأعلى للحسابات * نواب لا يتجاوز مسارهم الدراسي البكالوريا. * تعيين نواب تحت ضغط بعض مدراء الأكاديميات. * نائب يستجدي النقابات لتحرير بيان استعطافي. * نائب يوقع انتقالات بالجملة صبيحة إصدار البلاغ الوزاري. لم أكن أفكر في التعليق على التعيينات الجديدة التي همت نواب وزارة التربية الوطنية، على الأقل لاعتبارين اثنين: أولهما لأنني كنت ضمن لائحة المترشحين لاجتياز المقابلات المتعلقة بهذا الأمر. ثانيهما، لكي لا أسقط فيما قد يحسب ردا ذاتيا نتيجة لعبة قبلت الدخول فيها متوهما بأن شروط إعمال مقتضيات الحكامة، والتحكيم، والحكمة جزء من مسار الإصلاح وفلسفته. غير أن مقطعا من الحوار الذي أجرته السيدة الوزيرة العابدة على صفحات جريدة المساء ليوم الثلاثاء 27 أبريل 2010 (عدد 1119) أثارني. إذ صرحت الوزيرة قائلة: "دأبنا داخل وزارة التربية الوطنية على اعتماد مبدأ الشفافية والموضوعية وإعطاء أهمية بالغة للكفاءة وللقدرة على تطوير العمل داخل المنظومة التعليمية. عندنا معايير وشبكة للمقاييس تم اعتمادها من طرف لجان مختصة من أجل انتقاء أجود العناصر التي لها القدرة على مساعدة الوزارة لتحقيق أهدافها. الشخص المناسب موجود في المكان المناسب وليس هناك مجال للتدخلات الشخصية في هذا الشأن". غير أن العديد من الوقائع تؤكد بأن التعيينات لم تحسم وفق منطوق هذا الكلام، ومنطق التباري. لأنها حسمت بكل بساطة بمنطق القرابة الإدارية والسياسية. ولكي لا نشير لأسماء بعينها تنتسب لشجرة هذه القرابة، فإننا سنكتفي بالإشارة إلى ما يلي: أصدرت وزارة التربية الوطنية بلاغا يخص التعيينات الجديدة لنوابها عبر الأقاليم (19 نائبا جديدا، و11 نائبا في إطار الحركة الانتقالية). والمثير في الأمر أن مصالح الوزارة لم تعمل على نشر لائحة بأسماء المعينين الجدد، ولا على كشف صفاتهم المهنية. اللهم ما تسرب منها في الصحافة الوطنية، أو في بعض المواقع الإلكترونية. إذ اكتفى البلاغ المنشور في الموقع الرسمي للوزارة بإعلان الخبر مذيلا بشعارات هي نفسها الواردة في المذكرة المنظمة للتباري. شعارات من قبيل دعم اللامركزية، واللاتمركز، والحكامة الجيدة، وتسريع وتيرة الإصلاح. كما أن البلاغ يذكر بأن التعيينات الجديدة جاءت بعد مرحلة التباري، وإجراء المقابلات التي همت 307 مرشحا. وإذا كان البلاغ قد تكتم عن نشر أسماء وصفات المعنيين لاعتبارات بعيدة عن الشفافية المرجوة، وعن شعار الحكامة الذي تتغنى به الوزارة، فإنه كان من باب المنطق أن يتضمن البلاغ أسماء النواب وصفاتهم المهنية. وأن يشير إلى معايير الانتقاء، وإلى سلم التقويم الذي تم اعتماده لاختيار هذا النائب أو هذه النائبة في هذا الموقع أو ذاك، وإلى الكفاءات العلمية والإدارية التي تكون -مبدئيا ومن باب الافتراض- قد حسمت في اختيار الأسماء المعنية. غير أن نهج سيرة بعض المختارين يطلعنا أن المسار الدراسي لبعض النواب لا يتجاوز البكالوريا، وأن المسار المهني لا يتجاوز الصفة الإدارية للمعني بالأمر. ولنا أن نورد –على هامش هذه التعيينات- الملاحظات الآتية: 1) إن المذكرة رقم 03/10 التي تنظم عملية التباري على مناصب النيابة تحدد شروط هذا التباري في مرحلتين: مرحلة أولى يتم فيها انتقاء المرشحين بناء على نهج السيرة ورسالة الحوافز التي يتقدم بها، ومرحلة ثانية يعرض فيها المعني بالأمر مشروعه الشخصي في النيابة التي يختارها. إلا أن الملاحظ هو أن جل التعيينات الجديدة لم تحترم هذا المعيار، إذ تم تعيين أسماء في نيابات لم تتبارى عليها أصلا، وفي جهات لا تنتمي إليها وهو ما يدفعنا لمساءلة مفهوم "اللاتمركز" الذي تعتمده الوزارة في بلاغاتها المتكررة. بل إن جهات بعينها وعلى الرغم من وفرة الترشيحات المقدمة بها لم يُحتفظ ولو باسم واحد منها في إطار عملية التعيينات. وإذا كنا سنفترض بأن المشاريع المقدمة خلال المقابلات كانت ضعيفة، ولم ترق إلى تطلعات الوزارة، فكيف لأسماء لم تقدم مشاريع أن تعين في نيابات لم تتبارى عليها أصلا. بل إن أسماء بعينها كانت معروفة "بفوزها" المسبق ضمن هذا الاستحقاق الجديد، وهو ما أكدته التعيينات التي كشفت عن خيوط واضحة للقرابة الإدارية والسياسية. 2) إن الوزارة لم تحترم مسطرة الانتقاء الأولي، إذ فضلت نهج أسلوب "الإغراق" لإدخال كل المترشحين في "سلة المقابلات"، وهو ما يؤكد أن الوزارة لم تأخذ على عاتقها الحسم الأولي في الترشيحات بناء على رسالة الحوافز التي تشير إليها المذكرة المذكورة. مما يعني أن الوزارة إما أنها عجزت عن تحديد معايير انتقائية واضحة خلال الشوط الأول، وإما أنها فضلت نهج أسلوب التعويم المقصود. وإذا كان الأمر غير ذلك، فلها أن تكشف للرأي العام –إحصائيا- عدد الترشيحات التي قدمت على مستوى كل جهة، وعلى مستوى كل نيابة، وكذا نتائج اللجن المركزية التي آلت إليها عملية المقابلات بالنقط المحصل عليها أو بملاحظات اللجن، وعدد الترشيحات المحتفظ بها على مستوى كل نيابة متبارى عليها. وإذا كانت التعيينات الجديدة قد شملت الأقاليم المحدثة أخيرا، فلا يمكننا أن نتصور أن كل الأطر المرشحة ضعيفة، أو غير قادرة على تسيير قطاع عمومي حتى يتم الحسم خارج جهات بكاملها. 3) على الرغم من صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والذي يشير بأصابع الاتهام لبعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم بالنظر لحجم الاختلالات التربوية، والإدارية، والتدبيرية المسجلة بها، تم الاحتفاظ –مع الأسف- ببعض الأسماء التي تحملت مسؤولية التسيير النيابي في نفس الفترة التي يشير إليها التقرير. وكأن الوزارة عاجزة عن تعويضهم بأطر جديدة. 4) من المثير حقيقة أن الحركة الانتقالية التي شملت 11 نائبا لم تخص إطلاقا النيابات الجديدة التي تم إحداثها. وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى حول المعايير التي اعتمدتها الوزارة في هذا الصدد. إذ ألم يكن من المنطق أن يعين نواب سبق لهم أن اشتغلوا في نيابات معينة لكي يتحملوا مسؤولية تسيير نيابات جديدة حتى نصدق كلام الوزارة القاضي بتسريع وتيرة الإصلاح والمساهمة في إنجاح المخطط الاستعجالي. 5) إن نماذج العبث الإداري في ممارسة بعض النواب المحتفظ بهم ليست بالقليلة. فمثلا يوم إصدار البلاغ الوزاري المتعلق بالتعيينات الجديدة، عمد أحد النواب المحتفظ بهم (ويمكن للوزارة أن تتحقق من الأمر) على توقيع العديد من الانتقالات الفورية لصالح بعض الموظفين قبل أن يشد الرحال إلى حيث هو موجود اليوم. فيما عمد آخر إلى تجنيد النقابات الموالية له لتوقع لصالحه بيانا استعطافيا يلتمس من الوزير الحفاظ به في حركة التعيينات الجديدة. ولعل هذا هو جوهر الحكامة المرجوة. 6) بالنظر لموقع بعض مدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والذين تدخلوا لصالح هذا الاسم أو ذاك في سياق التعيتنات الجديدة، كان من الأليق –ربحا للوقت وللجهد- أن تكتفي الوزارة الوصية بحسم التعيينات باستشارة مدراء الأكاديميات ودون اللجوء إلى مذكرة تنظيمية وإلى إجراء مقابلات.