والبحرين تتفوق على المغرب في ترتيب الفيفا! قصدت في الحقيقة الحديث عن المواجهة المغربية- المغربية على مستوى الأطر التدريبية والتي جمعت اثنين من المدربين اللذين نقشا اسميهما في ذاكرة كرة القدم المغربية من خلال ما قدماه لها من فكر تدريبي لو منحت له الفرصة ولقي الرعاية الجيدة وحسن النية لكان حالنا غير الحال. في الواقع لم أرد في هذا المقال أن أركز على كأس أمير قطر ولا على الدوري القطري، الذي للأمانة يسوق إعلاميا بشكل جيد مما أدى إلى ارتقائه فنيا وهذا موضوع آخر، ولكن لتسليط الضوء على هجرة المدربين المغاربة والكفاءات الفنية التي نحن احوج ما نكون إليها في زماننا هذا من ذي قبل. ولعل ما حركني للحديث هنا هو التراجع الرهيب لكرة القدم المغربية على جميع الأصعدة، والشاهد هنا الترتيب الجديد الذي أصدره الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا وصنف منتخبنا الوطني في المركز 70 خلف دول لم تكن إلى حدود الأمس القريب تحلم بثلاثة أرباع ما هي عليه اليوم أمام منتخب صال وجال وحفظ العرب أسماء لاعبيه من الخليج إلى المحيط. فها نحن اليوم خلف السعودية والبحرين في أسوأ ترتيب عبر تاريخنا الكروي، وها هي أنديتنا تتعثر أمام أندية أفريقية من الدرجة الثالثة، وها هي أطرنا تقدم عصارة فكرها لتطوير كرة غيرنا، وها هي جامعة الكرة في بلادنا تلتزم الصمت حيال ما يجري وتكتفي بتقديم وعد إصلاح شامل وتعيين مدرب من الطراز العالمي في يونيو القادم! ذكرت اسمان من الأطر الفنية المغربية في العنوان أعلاه، وأنا أقصد ذلك. فالدكتور حسن حرمة الله، الملقب بالكمبيوتر هنا، وذلك لكونه أول مدرب لكرة القدم يدخل تكنولوجيا المعلومات في عمله الفني والتدريبي ونظام المقاطع الفنية ولاجمل التكتيكية وتوضيح أخطاء لاعبيه وتصحيحها في المنطقة بكاملها، رجل متمكن من عمله ومخلص فيه ومؤمن به وهذا شيء مهم. فالرجل محصن بالعلم، وهو الحاصل على درجة الدكتوراه ليس في علم التدريب كما قد يتصور البعض ولكن في الاقتصاد وعلم التوقعات الاقتصادية من فرنسا، ثم درجة مدرب وطني والتي لا يحصل عليه إلا كبار المدربين في فرنسا وأوروبا وما على من يرغب في التأكد من درجة الرجل إلا أن يزور موقع الاتحاد الفرنسي ويبحث عن اسم الدكتور وسيدرك من هو؟ ومن عرفوا حسن حرمة الله يدركون جيدا أنه الرجل المتواضع الغيور على كرة بلده وسمعتها. فهو لم يأت إلى الخليج سعيا وراء المال كما يعتقد الكثيرون رغم أن ذلك من حقه، لكنه هاجر لما تعرض للمضايقات والضغوط والعرقلة. فهو الذي قدم مشروعا متكاملا للنهوض بكرة القدم الوطنية من القاعدة عبر تراب وجهات المملكة، وقد رؤيته الفنية المبنية على أساس علمي دقيق ومدروس لكنه حورب في فكرته، واضطر إلى ترك ساحة النزال مكرها، وها هو اليوم يحظى بثقة الاتحاد القطري الذي يتولى إدارة لجنته الفنية التي تسهر على الفئات السنية، بالإضافة إلى عمله كمدرب مؤقت للنادي الأهلي القطري، الذي انقذه من الهبوط وها هو يتقدم به إلى ربع نهائي كاس أمير قطر. ثقة الاتحاد القطري لكرة القدم في مشروع الدكتور حرمة الله جعلتهم يمنحونه الضوء الأخضر للاستعانة بالأطر الفنية التي يرغب في جلبها والعمل معها. وبما أنه عارف بخبايا الأمور في المغرب حيث عمل محاضرا ومدرسا للمدربين في معهد الرياضات مولاي رشيد بالرباط، فإن لديه مدرسة من المدربين الذين نهلوا من فكره ففكر في جلبهم لمساعدته على إنجاز مشروعه، من بينهم الدولي المغربي السابق محمد الشاوش ويوسف فرتوت ومحمد مديح واللائحة طويلة. أما مصطفى مديح، مدرب الوكرة، فالحديث عنه أيضا ليس لتسليط الضوء على فريقه، ولكن للتذكير بما قدمه الرجل لكرة القدم الوطنية على مستوى الأندية، خريبكة والجيش، او المنتخب الوطني الأولمبي، الذي قاده باقتدار لنهائيات أثينا، وقبلها حصل مع شبانه على ذهبية الألعاب الفرنكفونية في كندا. واليوم تطلع علينا الجامعة بالتعاقد مع بيم فيربيك لقيادة كرة القدم على مستوى القاعدة والمنتخبات ما دون الفريق الأول والذي كشفت صحف أسترالية أن قيمة العقد بينه وبين الاتحاد المغربي 80 ألف دولار فقط! مقابل 100 ألف التي كان يتقاضاها على رأس الفريق الأول الأسترالي. أذكر أنه في بداية سنة 2004، قاد مديح المنتخب الأولمبي المغربي في بطولة دوري الصداقة الذي ينظمه الاتحاد القطري لكرة القدم، وكيف أن مصطفى أعلن التحدي من مطار الدوحة قائلا لوسائل الإعلام المحلية:" جئت إلى الدوحة للفوز بلقب البطولة"، وأذكر كذلك كيف تهكم عليه البعض واتهمه البعض الآخر بالغرور عقب خسارته للمباراة الأولى أمام سويسرا! لكن مديح رد عليهم ساعتها ولسان حاله يقول:" يضحك كثيرا من يضحك أخيرا" وكذلك كان حيث فاز في كل المباريات الموالية أمام منتخبات قوية، البراغواي وكوريا الجنوبية ببارك جي سونغ وسويسرا وغيرها، وحصل المنتخب الوطني على شيك بمبلغ 500 الف يورو، وكيف أن الجامعة نكدت على اللاعبين فرحتهم عندما اتصل أحد مسؤوليها برئيس الوفد محمد الجرتيلي وطلب منه إحضار الشيك دون صرف أي مكافآت وأن الجامعة ستتولى منحهم 3000 درهم عن كل فوز! رغم أن المبلغ كان بعرق اللاعبين والدعوة بالمجان وعلى حساب الاتحا القطري ! ألا تستحق أطرنا تولي المهام ومنحها الفرص لتأكيد الذات والتنقيب على المواهب؟ وهنا لا يقتصر الحديث عن الدكتور حرمة الله ومصطفى مديح، بل على كل اللاعبين الدوليين السابقين والمدربين الأكفاء في البلد! ثم بأي لغة سيتفاهم فيربيك مع لاعبين الشباب والصغار ؟ أليس من باب أولى أن يكون المدرب مغربيا يفهم العقليات والظروف والعادات والتقاليد؟ أم أن عقلية جامعتنا لازالت مبرمجة على أن كل لاعبي منتخباتنا سنجلبهم من أبناء الجالية في هولندا وبلجيكا وغيرها وإن كنا لا نمانع ولا نزايد على وطنية اي مغربي حر يفضل ألوان بلده؟ تصنيفنا الجديد يحز في النفس صراحة ويعتبر إهانة لكرة ونجومها الكبار من المرحوم العربي بنمبارك إلى الجيل الذهبي الذي يعرفه الكل. فالبحرين التي تتقدمنا اليوم هي وعدد من دول الخليج يبحثون عن اللاعبين كبحثهم قديما عن اللؤلؤ، في حين أن بلدنا المغرب تتلألأ فيه جواهر ومواهب بإمكانها منافسة البرازيل وغيرها إذا لقيت من يرعاها. ما أخشاه ان نجد انفسنا غدا خلف الصومال وإيريتريا! *صحافي مغربي مقيم بقطر