ردا على مقال سابق للمحلل السياسي، عبد الرحيم منار سليمي، قال فيه إن للجزائر نية في ضم الصحراء التي هي محط نزاع بين المغرب والبوليساريو، ومن ثَم قد تشن حربا على المغرب، أكد الدكتور سمير بنيس بأنه "لن تقع الحرب بين المغرب والجزائر، لأسباب عدة سردها في مقال خص به هسبريس. وتطرق بنيس، وهو متخصص في قضية الصحراء، إلى أبرز تلك العوامل منها أسباب جيوستراتيجية وأمنية، "فالقوى الغربية لن تخاطر بالسماح باندلاع حرب بين الجارين"، مردفا أن "حل النزاعات عبر الحروب المسلحة أصبح متجاوَزا، وعَوضَها اليوم مفهوم "الحرب بالوكالة"، وهو ما عليه الحال في علاقة الجزائر بالمغرب وتوظيفها للبوليساريو على مدى 40 عاماً كأداة تنوب عنها. وهذا نص مقال سمير بنيس كما ورد إلى الجريدة: بينما كُنتُ أطالع الأخبار صباح يوم السبت الماضي، أثار انتباهي مقال كتبه المحلل السياسي، الدكتور عبد الرحيم منار السليمي، يناقش فيه عددا من النقاط المتعلقة بقضية الصحراء المغربية والعلاقات بين المغرب والجزائر، وهي النقاط التي أختلف فيها معه. حيثُ إن من بين الإشكاليات التي تطرق لها الدكتور منار السليمي إشكالية بالغة الحساسية، حيث قال أن للجزائر نية في ضم الصحراء التي هي موقع خلاف بين المغرب والبوليساريو، ومن ثَم ستُعلن حربا على المغرب. الدكتور منار السليمي أضاف في مقاله أن النسخة النهائية لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء كانت عاطفية أكثر من استنادها على حقائق، وأن بان كي مون “انحرف” عن مهمة الأممالمتحدة الرئيسية المتمثلة في إيجاد حل سياسي للنزاع ركيزته مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لمجلس الأمن في أبريل 2007 ، كما أن منار السليمي، ومن دون تقديم أي دليل، صرح بأن الجزائر أنفقت 300 مليار دولار لدعم جبهة البوليساريو الانفصالية. لماذا تُستبعد فرضية الحرب بين المغرب والجزائر؟ هناك عدد من الأسباب التي تؤكد أنه لن تكون هناك حرب بين المغرب والجزائر. أول هذه الأسباب جيوستراتيجية وأمنية، فالقوى الغربية لن تخاطر بالسماح باندلاع حرب بين الجارين. وفي هذا الصدد، وجب أخذ الأهمية الاستراتيجية للبحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طريق لدى أوروبا وكذا العالم في عين الاعتبار. إن مضيق جبل طارق من بين أهم المنافذ البحرية التجارية في العالم، التي تُسهل نقل البترول والغاز وعدد كبير من السلع، حيث يأتي ثانيا عالمياً بعد مضيق ملقة بسنغافورة من حيث سيولة النقل البحري، بأكثر من 100 ألف باخرة سنوياً. ويكفي أن نتخيل الآثار التي يمكن أن تُلحقها حرب إقليمية تدور رحاها بمنطقة استراتيجية بالمتوسط وعلى أبواب أوروبا بالاقتصاد العالمي. وبالإضافة الى ذلك، فعلينا أن نأخذ في الحسبان مصالح القوى الأوروبية في كل من المغرب والجزائر.فالأوروبيون الذين يعتمدون على الغاز الجزائري لن يدَعوا أي فرصة لاندلاع الحرب، حيث أن اندلاعها سيقود بالأساس الى انقطاع امدادات الغاز وهو ما ستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد الأوروبي. ينضاف الى ذلك الخسائر التي ستُلحقها الحرب بالشركات الأوروبية المستقرة بالبلدين، وتعميق مشكل الهجرة الغير شرعية من بلدان جنوب الصحراء نحو أوروبا. ومن جهة أخرى، فإن فترة حل النزاعات عبر الحروب المسلحة أصبحت متجاوَزة وعَوضَها اليوم مفهوم “الحرب بالوكالة”، حيث تستخدم القوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر، وهو ما عليه الحال في علاقة الجزائر بالمغرب وتوظيفها للبوليساريو على مدى 40 عاماً كأداة تنوب عنها. الفرق الوحيد الذي قد نشهده في حالة ما أرادت الجزائر أن تبحث عن وسيلة لتضخيم النزاع يكمُن في إعطاء قادة الجزائر الضوء الأخضر للبوليساريو لاستئناف حرب العصابات ضد المغرب. ولعل هذا السيناريو مستبعد كذلك، لأنه سيعني خرق البوليساريو لشروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه منذ أكثر من 20 سنة، وسيَضعها بالتالي في عزلة عن قرارات الأممالمتحدة الداعية في معظمها الى تحقيق حل سياسي متوافق عليه. النقطة الثانية التي تطرق لها الدكتور منار السليمي، والتي أختلف فيها معه لاعتبارات موضوعية، هي قولُه بأن بان كي مون انحرف عن مهمته الرئيسية المتمثلة في العمل على مساعدة المغرب والبوليساريو لبلوغ حل متوافق عليه للنزاع بناءً على مقترح الحكم الذاتي المغربي، ذلك أنه رغم أن مجلس الأمن ظل منذ 2007 يدعو الأطراف للتفاوض بشأن حل سياسي متوافق عليه، فإنه لم يعتبر أبداً أن مقترح الحكم الذاتي يُشكل الأساس الأوحد لحل سياسي لنزاع الصحراء. هذه الفكرة التي ذكرها الدكتور السليمي بعيدة كل البعد عن ما حدث. فلو كان الحال كذلك لشهدنا تقدما في مسار المفاوضات بين الطرفين ولكانت البوليساريو مُجبرة على التقيد بحل مبني على هذا المقترح. إن قرارات مجلس الأمن المتبناة منذ سنة 2007 تُصور المقترح المغربي للحكم الذاتي على أنه جدي وواقعي وبإمكانه أن يشكل أرضية لحل سياسي متفق عليه، أما القرار الأخير الذي تبناه مجلس الأمن في 29 أبريل الماضي بخصوص الصحراء وتمديد مهمة بعثة المينورسو فإنه “يأخذ بعين الاعتبار المقترح المغربي المقدم في 11 أبريل 2007 للأمين العام للأمم المتحدة ويرحب بمجهودات المغرب الجدية وذات المصداقية للدفع بعملية المفاوضات الى حل مرجو” بينما “يأخذ مجلس الأمن بعين الاعتبار مقترح جبهة البوليساريو المقدم في 10 أبريل 2007 للأمين العام للأمم المتحدة”. فمن المسؤولية الأخلاقية لأي محلل أو باحث أن يقدم للقارئ الحقائق الواقعية ويحرص على أن لا يتم تغليطُه خصوصا عندما يتعلق الأمر بإشكاليات ذات أهمية استراتيجية لبلادنا. نقطة أخرى يتقاطع فيها رأيي مع رأي الدكتور منار السليمي هي حين يَذكر مثالي ليبيرياوجنوب السودان كدول غير مستقرة أمنياً ليَبني رأيه على أنه لا يجب على الأممالمتحدة أن تضع آلية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء لأن المغرب دولة مستقرة مقارنة بالمثالين السالفَين. ذلك أن كلاً من “بعثة الأممالمتحدة الى ليبيريا” و “بعثة الأممالمتحدة الى جمهورية جنوب السودان” من بين البعثات الأممية التي لا تتضمن آليات لمراقبة حقوق الإنسان، فعوض أن نستعمل حجة الاستقرار مقابل عدم الاستقرار، من الأجدر أن نأتي بنقطة غياب آلية لمراقبة حقوق الإنسان بليبيرياوجنوب السودان لمحاججة من يزعمون أن بعثة المينورسو إلى الصحراء هي الوحيدة التي لا تتوفر على آلية تمكنها من مراقبة حقوق الإنسان. الدكتور السليمي ذكر كذلك أن البوليساريو تُخطط لضم الصحراء للجزائر، وهنا أيضا أختلفُ معه، إذ أن السؤال المطروح هو على أي أساس استند المحلل ليخلص الى هذا الاستنتاج. ولأسباب موضوعية فإن هذا السيناريو يبقى غير منطقي. ففي حالة تجرأت الجزائر على ضم الصحراء، فهذا لن يُشكل فقط ذريعة للحرب مع المغرب، بل سيدفع مجلس الأمن الى التدخل بما أن في ذلك تهديداً للوحدة الترابية لدولة عضو في الأممالمتحدة وخرقاً لميثاق الأممالمتحدة. وبناءً على هذه الحالة، فإن الجزائر ستكون معرضة للعقوبات التي ينص عليها الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. الحاجة الماسة للرفع من مستوى النقاش والإتيان بحلول ناجعة هذا النوع من الحجج لن يساعد على التقدم بموقف المغرب في المحافل الدولية، ولن يساهم في إقناع الرأي العام الدولي بمشروعية الموقف المغربي، بل إنها تأتي لتروي عطش فئة من القراء لا يريدون سوى سماع أن المغرب في وضع جيد وأن ملف الصحراء يسير في صالحه. وعلى النقيض من ذلك، فالمغرب في حاجة ماسة لاستراتيجيات تقاوم رواية البوليساريو وتكسب دعم الرأي العام الدولي، وتحول النقاش حول النزاع من تسييس لمسألة حقوق الإنسان الى ضرورة وضع حد للنزاع بناءً على مبدأ الأخذ والعطاء. ومن أجل الخروج بالوصفة الصحيحة لتحقيق تقدم في اتجاه حل النزاع بناءً على مبدأ مقترح الحكم الذاتي، وجبَ على المسؤولين المغاربة أن يُسَموا الأمور بمُسَمياتها ويعترفوا بأن مختلف الاستراتيجيات التي تبنوها لم تُفلح في اقناع المنتظم الدولي بجدية المقترح المغربي. كما يجب أن لا نَغتَر بنجاح المغرب في تجنب إدخال آلية لمراقبة حقوق الإنسان بالصحراء ضمن مهام المينورسو، لأن هذه المسألة ستعود من جديد وبتكرار للطرح من قبل البوليساريو والجزائر. فبمجرد ما يعترف المسؤولون المغاربة بضرورة إعادة النظر في استراتيجيتهم بخصوص ملف الوحدة الترابية، آنذاك سيكونون قادرين على التعرف على ما تم إهماله ويحددون، بناءً على ذلك، الإجراءات اللازم اتخاذها لتدارك أخطاء الماضي وهفواته. من جهة أخرى، لا يمكننا إلقاء اللوم على الآخرين، فالأمين العام للأمم المتحدة لا يُلام على تقريره، إذ أن عمله يتمثل في رفع تقرير لمجلس الأمن حول الوضعية على الأرض من وجهة نظر فريق الأممالمتحدة المكلف بصياغة التقرير. كما أن وجهة نظر منظمات حقوق الإنسان المؤثرة، من قَبيل هيومن رايتس واتش وأمنيستي انترناشيونال، لها تأثير على نظرة الأممالمتحدة للأمور، وهي المنظمات التي غالباً ما ترسمُ صورةَ قاتمة عن وضعية حقوق الإنسان بالصحراء وبالمغرب عموماً. وقد سبق وأن ذكر الكاتب حسن ماسيكي، المتحدث السابق باسم أمنيستي انترناشيونال بالولايات المتحدة، في أحد مقالاته أن “عدم قدرة الدبلوماسيين المغاربة على اختراق المنظمات الغير حكومية المهتمة بوضعية حقوق الإنسان في الصحراء يمثل قصوراً وضعفاً. فالسفارات المغربية بالخارج لا تتوفر على مسؤولين متواصلين مع منظمات حقوق الإنسان الدولية، ولا هُم على اطلاع على القانون الإنساني الدولي ولا حتى الهيئات المدنية المحلية، وهو ما يضُر بمجهودات الرباط الرامية الى التعريف بمقترح الحكم الذاتي للصحراء”. ما يحتاجه المغرب، حسب حسن ماسيكي، هو دبلوماسيون استراتيجيون ومحنكون لهُم دراية بهذه المنظمات واستراتيجية علاقات عامة قوية لمقاومة وتصحيح الصورة السلبية المُرَوَجة عن المغرب لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية. الرجل المناسب في المكان المناسب، ووضع استراتيجية تبتغي الفوز والانتصار لصالح المغرب، أشياء من شأنها أن تخدم مصالح المغرب بعيداً عن أي تكهنات موجهة للبيت الداخلي المغربي ومقتصرة عليه. ومن الاستراتيجيات التي بدأت توضَعُ نصابُها تعيين السفير عمر هلال ممثلاً دائما للمملكة المغربية بالأممالمتحدة، وهي خطوة تسير في الاتجاه الصحيح لدبلوماسية تفرضُ عليها التحولات السياسية والمتغيرات الدولية نُضجاً وبعداً في النظر وتغييراً لسياسة تقليدية مرتكزة على الدفاع بدل المباغتة والهجوم واستشرافاً لما سيحمله قادم الأيام. *محلل سياسي مختص في قضية الصحراء والعلاقات المغربية الإسبانية رئيس تحرير موقع Morocco World News