قالَ الدكتور عبد الرحيم المنَار السلِيمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، إنَّ اللقاء الذي جمع أعضاء من الديوان الملكي بقادة الأحزاب السياسية ليس لقاء عاديا، وإنما لقاء يمكن قراءته بأنه يندرج ضمن الدعوة إلى التفكير في خيارات تدبير نوع من المخاطر الجديدة التي تحيط بملف الصحراء. كمَا أنَّ اللقاء يفتح، وفقَ السلِيمِي، مجال النقاش من جديد حول مسار ملف الصحراء بتشخيص طبيعة الأدوات الدبلوماسية التي يشتغل بها المغرب، وبإمكانيات بناء خيارات مضادة لما ورد في تقرير العام الأممي وللمشروع الامريكي الداعي إلى توسيع مهام المينورسو لمراقبة وضعية حقوق الإنسان في الصحراء ، والانتباه الى مخاطر المنهجية التي يدير بها "كريستوفر روس" المفاوضات والمساحات الدبلوماسية الممكن التحرك فيها على ضوء التحولات التي تعرفها منطقة المغرب العربي ومنطقة الساحل والصحراء وإمكانيات انعكاسها على الملف . العودة الى الوظيفة التقليدية للأحزاب السياسية : التعبئة والمرافعة في قضية الصحراء الأكايديميُّ المغربيُّ رأى في حديث لهسبريس، أنَّ اجتماع الديوان الملكي يعود بالأحزاب السياسية إلى مربع اشتغالها التاريخي خارج الانتخابات، إذ يلاحظ أَن الأحزاب السياسية المغربية ابتعدت عن وظيفتها التي أسندت لها، في منتصف السبعينيات، وهي الوظيفة المتمثلة في أدوار التعبئة والمرافعة والتعريف بقضية الصحراء، فالمغرب تغير ديموغرافيا وهناك جيل جديد يحتاج إلى فهم المخاطر المحيطة بملف الصحراء ، وبالمقابل. وفِي المقابل، يبدو، حسب السليمي، أنَّ تغير النماذج الحزبية ،مقارنة بالأحزاب التاريخية (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ) التي اشتغلت طويلا في قضية الصحراء ، يستدعي تكوين جيل حزبي جديد وإعادة ربطه بتحولات قضية الصحراء ، ومن ثمة إان دعوة الأحزاب السياسية إلى اجتماع في الديوان الملكي حول ملف الصحراء هو عمل يندرج ضمن مهامها التمثيلية التقليدية، لان وظيفة الأحزاب السياسية ليست هي الانتخابات فقط ،ولكن التعبئة والمرافعة وتقديم الخيارات في القضايا الإستراتيجية للدولة ،وان كانت الأحزاب التقليدية التاريخية متمرنة على هدا النوع من المهام ،مقارنة مع الجيل الجديد من الأحزاب السياسية الذي يحتاج الى التكوين تفاديا للأخطاء. تقرير الأمين العام الاممي، قابل لكل القراءات ويحتاج الى الاشتغال على خيارات ديناميكية لخلق التوازن الدكتور السليمِي يردفُ أنهُ وعلى الرغم من إشارة الجزء الكبير من تقرير الأمين العام الاممي إلى قضية حقوق الإنسان، فانه ليس هناك ما يشير صراحة في التقرير إلى فكرة توسيع اختصاصات المينورسو، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، وإن كان التقرير يشير في إحدى فقراته إلى ضرورة البحث عن آلية مستقلة للرصد ، وهيَ آلية يمكن أن تكون هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مادام التقرير نفسه يثني في العديد من فقراته على الدور الايجابي لعمل المجلس الوطني لحقوق الانسان. واستناداً إلى ما ذكر، يرى الباحث أنَّ تقرير الأمين العام الاممي، الذي وصفته قيادة البوليساريو ب"المحتشم"، يحتاج الى إعداد خيارات ديناميكية لخلق التوازن يقدمها المغرب في هذه النقطة، مع الإشارة هنا إلى أن التقرير يشير إلى أزيد من تسعة عشر رسالة وجهها زعيم البوليساريو إلى الأمين العام الأممي يزعم فيها وجود "خروقات حقوق الإنسان "مقابل ثلاث رسائل مغربية، وهو ما يعني أننا لحد الآن لا نشتغل ب"حرب المواقع" ضد جبهة البوليساريو التي تصنع أي شيء وتوجهه للأمم المتحدة ،فهناك مساحات مغربية فارغة في متابعة مزاعم البوليساريو" يقول السليمِي. تكلفة القبول بعودة روس الى إدارة المفاوضات قد تكون كبيرة على صعيد آخر، يذهبُ الأستاذ بجامعة محمد الخامس في الرباط، أن تطورات ملف الصحراء مرتبطة في جزء منها بانحرافات عمل المبعوث الاممي "روس" الذي عاد بالملف الى نقطة البداية، رغم أن المبعوث الأممي السابق "بيتر فان والسوم " قال إن دولة جديدة في المنطقة المغاربة (دولة سادسة) غير ممكنة، و أن اطروحات الجزائر والبوليساريو غير واقعية، ولم يتم الانتباه إلى انه بعد تعيين" روس" انطلقت العديد من الدراسات حول الثروات الطبيعية في المغرب أعدتها منظمات دولية غير حكومية، تحت تأثير استنتاجات "بيتر فان والسوم" التي لم توظف بطريقة جيدة . السليمي يضيفُ أنَّ الديبلوماسية المغربية لم تنتبه وهي تتفاوض مع البوليساريو، تحت تسمية "مفاوضات غير رسمية" ابتكرها كريستوفر روس ، إلى انه ليس هناك ما يسمى ب" مفاوضات غير رسمية" تجري تحت الأضواء وبمتابعة الإعلام، فالمفاوضات إما سرية أو رسمية علنية، ولم تنتبه الجهات الرسمية المتابعة لملف الصحراء، إلى أن المبعوث الأممي الذي جيء به لمناقشة مقترح الحكم الذاتي أصبح يبحث عن حلول أخرى، و يضغط على الوفد المغربي لمناقشة مقترحات البوليساريو. ويستطردُ السليمي في قوله إنَّ الدبلوماسية المغربية أيضاً لم تنتبه أيضاً إلَى أَن" كريستوفر روس" لم يعد يسهل المفاوضات حول مقترح الحكم الذاتي، وإنما غير مسار المفاوضات ليخلق قضية جديدة تتمثل في توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء، وأصبح يركز على الأوضاع في المغرب ويعتبر نفسه غير معني بما يجري في مخيمات تندوف، رغم أن الطرف الثاني في المفاوضات هو المسؤول عن ما يجري في المخيمات، فالمبعوث الأممي رسم حدودا جغرافية لمفاوضاته جعلته معنياً، فقط بالبوليساريو حين يكون أمامه في المفاوضات . المشروع توسيع صلاحيات المينورسو تحول خطير في الموقف الأمريكي ويلاحظ الباحث أن الولاياتالمتحدة لم تكن واضحة في قضية الصحراء، ومن ثمةَ فموقفها ليس مفاجئا، وهو غير مرتبط بوصول الديمقراطيين إلى الحكم أو الولاية الثانية، للرئيس "اوباما" أو بلوغ "جون كيري" لكتابة الدولة في الخارجية، أو وجود مخاطب أمريكي واحد لدى المغرب (كاتبة الدولة السابقة في الخارجية السيدة " هيلاري كلينتون")، وإنما بتحولات استراتيجية تجري في المنطقة المغاربية تدفع البرغماتية الأمريكية الى مزيد من التقارب مع الجزائر وتقديم رسائل مثل حالة مشروع توسيع صلاحيات المينورسو، الذي لن يصل الى مداه، حسب السليمِي، نظرا لوجود فرنسا المساندة للموقف المغربي، كما هو باد عند الرجوع إلى محاولة قادة البوليساريو، خلال الأسابيع الأخيرة الضغط على فرنسا، لمعرفتهم باسعمالهَا الفيتو في كل المشاريع التي قد تمس بالسيادة المغربية . ويضيفُ المتحدث ذاته، غلى العامل الأول التقارب الأمريكي الجزائري الذي كان متوقعا منذ إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في النيجر، وبداية اشتغال الولاياتالمتحدة بتقنية الطائرات بدون طيار، التي يصعب تكييف عملها في القانون الدولي، فالتحول الأمريكي ظرفي وليس استراتيجياً لأنه لم يثبت اقدامه بعد بجنوب الجزائر لمراقبة ما يجري في شمال مالي ومايجري في ليبيا وعلى الحدود الليبية –التونسية الجزائرية، كما أنه مرتبط بصراع استراتيجي على النفط بين قوى تقليدية مثل الولاياتالمتحدةوفرنسا وروسيا وقوى جديدة كإسرائيل والصين وإيران في المنطقة، مما يجعل التحول ذا انعكاسات على الجزائر أكثر من غيرها . تحولات إستراتيجية في المنطقة والجزائر تسعى الى توسيع حرب مالي في المنطقة المغاربية لكن الأمور المذكورة، حسب المتحدث، لا تنفِي وجوبَ الانتباه إلى أَن الجزائر مصرة على موقفها من قضية الصحراء، سيما على إثر صدور تصريحات القيادات الرسمية الجزائرية في الأسابيع الأخيرة بعد نتائج زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب، فالجزائر لن تغير موقفها وهي مستعدة بان تصدر أزمة احتجاجاتها الداخلية مرة أخرى، نحو توجيه الأنظار الى ملف الصحراء، "فهي اليوم في أوج قوتها المالية النفطية ،والجيش في الجزائر مستعد لقمع المطالب الاحتجاجية الخبزية بالقوة ، ولكنه غير مستعدة للتنازل عن المناورة في ملف الصحراء، ومن المتوقع جدا ان يدفع الجيش الجزائري في اتجاه توسيع مساحة الصراع في شمال مالي ينقلها تدريجيا" يوضح السليمي. فالجزائر تدفع، حسب الباحث، البوليساريو نحو اليأس وحمل السلاح ضد المغرب ونقل الأزمة نحو الحدود المغربية بتهريب المتطرفين والعاملين في التطرف نحو الحدود المغربية والموريتانية، وهيَ تشتغل منذ سنة على زرع اليأس في مخيمات البوليساريو لدفعهم نحو التفكير في حرب عصابات ضد المغرب، فيما يبدو الظرف الإقليمي مواتيا لها اليوم أمام الاضطرابات الحاصلة في شمال مالي وتداعياتها المتوقعة داخل الجزائر، والأكثر من ذلك أنها تستعمل جميع الوسائل للحيلولة دون مشاركة المغرب في القوات الأممية الإفريقية في شمال مالي . مسار قضية الصحراء يحتاج الى إعادة التصحيح : فريق قار لمتابعة الملف وفي غضون ذلك، يؤكد السليمي ضرورة الانتباه إلَى المقاربة التي يشتغل بها المغرب في ملف الصحراء، بحيث لا يوجد إلى حد الآن هناك فريق قار يتابع المعطيات اليومية المرتبطة بالملف،أغير محصن امام بعض التدخلات مثل الاقتراح الخطير للسفارة الأمريكية في الرباط لما سمته ب "الدبلوماسية الموازية" بعقد لقاءات بين مراكز بحث مغربية وأخرى للبوليساريو، فجبهة البوليساريو لاتملك مراكز بحث وإنما مؤسسات جيش جزائرية توجه عمل البوليساريو، زيادة على كون ذلكَ النوع من الإجراءات تعويماً للملف، مرتبط بعمل روس الذي لم يقع الانتباه إليه في حينه وقاد الى تعويم موضوع المفاوضات . ويخلص الدكتور السليمي في الختام إلى أنَّ مسار قضية الصحراء يحتاج اليوم الى إعادة التصحيح بالانتباه الَى ثلاث عناصر أساسية : العنصر الأول؛ مرتبط بالعمل الدبلوماسي، فتدبير الملف يوحي وكان الدبلوماسية المغربي تشتغل باليومي، في حين ان الملف يحتاج إلى فريق متخصص يشتغل بناء على خطة متابعة، فالبرلمانيون يتنقلون يوميا في كل بقاع العالم بدون نتيجة نظراً لغياب معايير في اختيار المكلفين بمهمة دبلوماسية، وتبدو تشكيلة الانتماء الى لجنة الخارجية بدون معايير، فالعمل في هذه اللجنة يحتاج الى نوع من التخصص في المجلسين مقارنة مع اللجان المماثلة في بقاع العالم . العنصر الثاني؛ مرتبط بانفصاليي الداخل، بحيث أنَّ (اميناتو حيدر) التي تقود جمع التوقيعات وتدفع مع مركز أمريكي غير محايد للضغط على الحزب الديمقراطي الحاكم نحو توسيع صلاحيات المينورسو، هي سيدة غير ذات صفة، نظرا لعدم وجود علاقة لها بمناطق النزاع، فعائلتها غير موجودة في إحصاء 1974، ومنْ ثمةَ يجب الانتباه الى المشتغلين على الملف في الجهة المضادة، لأنهم لايملكون صفة التمثيلية للصحراويين . العنصر الثالث؛ مؤسساتي حقوقي، مرتبط بإستراتيجية عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية وقدرته على بناء الثقة في علاقته بالمجتمع الصحراوي بوحدوييه وحاملي النزوعات الانفصالية داخله ، فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان جاء ذكره في تقرير الأمين العام الاممي الأخير وتتجه الأنظار الدولية إلى منهجية ومضامين عمله في الأقاليم الجنوبية،ويجب ان ينتج مبادرات مضادة للمشروع الامريكي المدفوع من طرف منظمات حقوقية غير محايدة . العنصر الرابع، استراتيجي أمني، يبرز مع مخاطر ما تخطط له الجزائر من توسيع الصراع نحو الحدود المغربية الموريتانية ،والتي قد تكون موريتانيا أول ضحاياها .