تقرير الهيئة الوطنية لحماية المال العام يبرز خطورة الاختلالات المالية تقديم: وضع تقرير الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب"السكرتارية الوطنية" أجهزة الدولة أمام أمر خطير يتعلق بالجرائم الاقتصادية ونهب المال العام مع عدم تحريك المساطر القضائية في حق المختلسين، حيث طالبت الهيئة بإنشاء هيئة مستقلة للحقيقة وإرجاع الأموال المنهوبة. وابرز التقرير الذي تزامن مع التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، معاناة المغرب منذ50 سنة بعد الاستقلال من نهب ممنهج للثروات الوطنية واقتراف جرائم اقتصادية أدت إلى استنزاف المال العام لصالح أقليات أفرادا ومجموعات تعتمد على استغلال النفوذ و المحسوبية والرشوة، وقد نسجت هذه الأقلية المتحكمة في صنع القرار شبكة عريضة تهدف إلى وضع أكبر عدد ممكن من العراقيل في وجه السير العادي للعدالة وأجهزة الرقابة، الشئ الذي أدى إلى التطبيع مع ظاهرة الإفلات من العقاب، وتشجيع المختلسين والراشين والمرتشين على المضي قدما في نهب المال العام وتبذيره علما بأنهم لن يقدموا أي حساب ولن تتم مساءلتهم على تدبيرهم عند نهاية مهامهم. بعض الأرقام الخاصة بالمغرب في مجال الفساد المالي والترتيب الدولي فبالرغم من نضالات المجتمع المدني بكل هيآته الحقوقية وحركاته الاجتماعية، وبالرغم من الادعاءات الحكومية وخطاباتها المتفائلة منذ "حكومة التناوب" إلى يومنا هذا، لم يعرف تريب المغرب إلا التدهور المستمر على مستوى التقارير الدولية على جميع الأصعدة المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والبشرية وعلاقة ذلك بالشفافية في الأعمال والعلاقات بين المؤسسات والمقاولات الإنتاجية والمساواة أمام الضرائب وسيادة القانون على الجميع. وهذه أمثلة على التدني الذي تسجله الأرقام في حق المغرب: *مؤشر الرشوة: المغرب انتقل من الرتبة 45 على 99 بلد وبنقطة 4،5 في سنة 1999 إلى الرتبة 80 على 180 بلد بنقطة 3،5 سنة 2008 ؛ ليتراجع إلى الرتبة 89على 180 بلد وبنقطة تقلصت إلى 3،3 سنة 2009. * الإنتاج الداخلي الخام وصل سنة 2008 إلى 670،6 مليار درهم لكن بمديونية عمومية تصل إلى 325،78 مليار درهم أي بنسبة 44،65 % من هذا الناتج الداخلي الخام * التقديرات تؤكد أن كلفة غياب الشفافية في إبرام الصفقات العمومية بالمغرب تصل إلى حوالي 3،6 مليار دولار ( 30 مليار درهم) من حوالي 130 مليار درهم أي بنسبة 26% من الاستثمارات العمومية وحوالي 5 % من الناتج الداخلي الخام. تشخيص الاختلالات المالية والإدارية إن المؤسسات العمومية والشبه العمومية والشركات الوطنية باعتبارها أدوات لتحقيق التنمية البشرية قد تعرضت طوال السنين التي تلت استقلال المغرب، لكل أشكال الاختلالات المالية والإدارية مما أدى إلى إفلاس بعضها والى عجز البعض الآخر عن أداء الأدوار التي أسس من أجلها. لقد تجلت الأوضاع السيئة لهذه المؤسسات في فتح اعتمادات بدون ضمان ومنح قروض وأحيانا تبرعات خارج القانون، والتشطيب على سلفات وديون من دون وجه حق، والتنازل عن الفوائد ومم يدخل في حكمها لفائدة بعض أصحاب الجاه والنفوذ من مختلف الألوان السياسية وغيرها، علاوة على الاختلاسات المباشرة للعديد من المؤسسات العمومية والشبه العمومية الملفات التي اشتغلت عليها الهيئة هذه السنة *على مستوى الجماعات المحلية: لقد أتبث التقارير التي أعدتها الهيئة الوطنية لحماية المال العام، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات خصوص تقريري 2007 و 2008 والمجالس الجهوية التابعة له وتقارير ديوان المظالم، أن الجماعات المحلية سواء القروية منها أو الحضرية تعد في مقدمة بؤر الفساد والاغتناء غير المشروع، وبالتالي حرمان ساكنة تلك المناطق من حقهم في الاستفادة من جميع الخدمات التي من الممكن أن تسهم في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما دفع بالهيئة الوطنية لحماية المال العام إلى مراسلة الأجهزة المختصة من أجل فتح التحقيقات اللازمة في تلك الاتهامات. كما أن سنة 2009 شهدت إجراء الانتخابات الجماعية حيث عملت الهيئة بتنسيق مع بعض الإطارات على تتبع حالات استعمال المال العام وآليات الدولة، حيث تم الوقوف على العديد من الخروقات تم فضحها في حينها وعكستها الصحافة الوطنية آنذاك. على مستوى أراضي الجموع أدت الوضعية المعقدة التي تعاني منها الأراضي الجماعية إلى جعلها مرتعا للنهب وللعديد من الخروقات والتلاعبات والنزاعات ومحط أطماع لوبي العقار. وهكذا تم الاستيلاء على مساحات شاسعة من هذه الأراضي وطرد وتشريد أصحابها الأصليين وذلك بتواطؤ المسؤولين بما فيهم المجالس البلدية والوكالات الحضرية ومصالح مراقبة البناء. ولم تستثن حتى الغابات والمحميات الطبيعية (نموذجي المشروع السياحي لشركة فاديسا الإسبانية بمنطقة السعيدية ومشروع شركة الضحى العقارية بحديقة الحيوان بتمارة وبغابة معمورة بالقنيطرة). وقد استعملت في عمليات النهب تلك أساليب عديدة ومختلفة من تزوير وتحايل وغش ورشاوى وصلت حتى الممارسات التعسفية. كما استعملت مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة من قبل السلطات لنهب أراضي شاسعة من وعاء الأراضي الجماعية وحتى الأراضي الخاصة وتقديمها على أطباق من فضة للوبيات العقار من ذوي الجاه والنفوذ. ولا تكاد منطقة من مناطق المغرب تخلو من فضائح نهب الأراضي الجماعية ويكفي الاضطلاع على الملفات الكثيرة التي أحيلت على الهيأة الوطنية لحماية المال العام وأحيلت على القضاء لمعرفة حجم هذه الفضائح. *التعاضدية العامة لموظفي الادارات العمومية: هذا الملف الذي عرف مجموعة من الاختلالات الإدارية والمالية كونت بشأنه السكرتارية الوطنية لجنة مشتركة مع لجنة التنسيق الوطنية لإعداد الخطوات اللازمة ومنها تكليف محامي باسم الهيئة للترافع أمام القضاء، هذه النضالات المسؤولة توجت بحل أجهزة التعاضدية من طرف الدولة وإجراء انتخابات جديدة توجت بقيادة جديدة للتعاضدية، كما أن الهيئة تتابع عن كثب المجريات الأخيرة التي عرفها الملف من خلال الاعتقالات التي شملت بعض أعضاء المجلس الإداري السابق، وتنتظر من القضاء إعمال المحاكمة العادلة وعدم الإفلات من العقاب لجميع المتورطين وإعادة الموال المنهوبة. * التدبير المفوض: تعتبر الهيئة الوطنية لحماية المال العام أن التدبير المفوض يدخل في السياسة الليبرالية المتوحشة والتي ترتكز على اقتصاد السوق وتكديس الأرباح على حساب الخدمات الاجتماعية وعلى رفع يد الدولة عن جميع القطاعات بما فيها القطاعات الإستراتيجية والاجتماعية التي حولتها إلى مجال للتسليع والتبضيع والاحتكار الأجنبي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الخدمات العمومية والمواد الضرورية وثم تغليب منطق الربح السريع على المصلحة العامة وعلى ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين، وهو ما يهدد السلم الاجتماعي في ظل هزالة الأجور وضعف أداء المقاولات الوطنية. وعلى غرار بعض القطاعات فإن عقدة الأجنبي مازالت تسيطر على فكر بعض المسؤولين من خلال تفويت القطاعات الحيوية إما عن طريق الخوصصة، أو التدبير المفوض وفيما يخص هذا الأخير فد تبين بالملموس فشل الأجانب في تدبير القطاعات التي فوض لهم تسييرها سواء في مجال الماء والكهرباء أو النقل أو النفايات، خصوصا وأن تلك الشركات تأتي بهدف جني الأرباح على حساب جيوب المواطنين من منعدمي الدخل والدخل المحدود؛ فهي لا تحترم القدرة الشرائية و لا تنفذ بنود الاتفاق خاصة في مجال الاستثمار دون الحديث عن استفادتها من القروض البنكية الوطنية. وهو المثال الذي لمسناه من خلال ملف النقل بجهة الرباط الذي خاضت فيه بعض الجهات الرسمية حربا ضروسا من اجل تمريره إلى شركة أجنبية التي لم تف بالتزاماتها إلى الآن رغم أن مقاولة مغربية صرحت في ندوة نظمتها الهيئة حول التهرب الضريبي أنها مستعدة لتقديم نفس الخدمات التي اقترحتها الشركة الأجنبية وأفضل منها، وهو ما كان سيضمن بقاء الأرباح داخل المغرب والحفاظ على حقوق الطبقة العاملة بالميدان، وهو ما يتطلب فتح تحيق عاجل مع ولاية الرباط حول كواليس هذه الصفقة وتعثرها، وحتى الدولة لم تكتفي بهذا التعثر والتفويض بل أنشأت صندوق لدعم النقل العمومي الحضري والنقل الرابط بين المدن من ميزانية الدولة يقدر ب 400 مليون درهم سنة 2007، وحافظت الميزانية المالية لسنتي 2008، و2009 على نفس المبلغ، دون تحقيق الشروط الأساسية لحفظ كرامة المواطنين. على مستوى القطاع الرياضي على مستوى القطاع الرياضي، وبعد توالي سلسلة الهزائم والفضائح المالية الخاصة بأجور المدربين وبعد الدراسة التي أعدتها اللجنة الوطنية للرياضة التابعة للهيئة، ومساهمة منها للوصول إلى تأهيل الرياضة الوطنية في أفق الانتقال بالتدبير الرياضي من زمن الهواية والتطوع إلى زمن الاحتراف والاحتكام إلى قواعد التسيير المقاولاتي الشفاف والنزيه، صونا للمال العام، فقد دعت الهيئة الوزير الأول في مراسلة موجهة إليه، حث الأجهزة المكلفة بالرقابة المالية على ضرورة افتحاص مالية الرياضة الوطنية بصفة عامة ومالية أندية المجموعة الوطنية لكرة القدم بصفة خاصة، والتي يقدر غلافها المالي للموسم المنصرم بحوالي 30 مليار سنتيم، وكذلك فتح تحقيق في صفقات التفويت وتدبير المنشآت الرياضية العمومية للخواص خارج ضوابط قانون الصفقات العمومية، وكذلك بالنسبة لصفقات تعشيب الملاعب الرياضية. كما طالبته بضرورة إحداث جهاز للمراقبة المالية تابع للشبيبة والرياضة، وإعداد قانون نموذجي موحد بين الجامعات. كما دعوت وزارة العدل إلى تكوين قضاة مختصين في مجال المنازعات الرياضية. ومن جهة أخرى فقد جددت في عدة مناسبات مطلبها القاضي بوقف مخزنة الرياضة الوطنية والاحتكام إلى قانون الحريات العامة والأنظمة النموذجية لجامعة كرة القدم وقوانين الفيفا الداعية إلى انتخاب شخصيات مدنية على رأس الأجهزة القائمة على تدبير كرة القدم بالمغرب، ودعت الأجهزة الرياضية بعقد جموعها العامة وتقديم الحسابات المالية للرأي العام بشكل شفاف وديمقراطي. على مستوى المهرجانات لقد سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام في رسالة موجهة إلى الوزير الأول أن طالبت بأن تخضع مالية مهرجان موازين وباقي المهرجانات للإفتحاص المالي والتدقيق على اعتبار أن هذه المهرجانات تكلف ملايين الدراهم. وهناك من أجابنا حينها أن لا علاقة لنا بالموضوع لأن مالية المهرجانات هي تمويلات خاصة، وقلنا ساعتها أن بناء دولة الحق والقانون تقتضي المراقبة على الجميع وحتى المؤسسات المساهمة في تمويل المهرجانات هي تجني أرباحها من أموال الشعب، كما أن الأموال التي تقدمها تلك المؤسسات تقتطع من الضرائب التي تؤديها إلى الدولة في شكل إعفاءات وبالتالي فهي من المال العام. وقلنا أيضا كاقتراح ينطلق من المسؤولية الوطنية أن النهوض بمستوى الدولة في جميع المناحي بما فيها الجانب الثقافي والفني يجب أن يركز على الفنان والفن المغربي. فلا يعقل أن نتذكر الفنان المغربي عند وفاته فقط. واقترحنا أن تخصص هذه الأموال لتطوير الفن المغربي والبنيات التحتية الفنية من مسارح ودور لثقافة وتشجيع المواهب. مسؤولية أجهزة الدولة وكما أكدت على ذلك المحاكمة الرمزية في سنة 2006 تم تحميل الدولة بمختلف أجهزتها المسيرة المسؤولية الكاملة على التلاعب وسوء التدبير بالنسبة للجرائم الاقتصادية من خلال التواطؤ والتستر، والفرص التي منحتها للخواص ولبعض رجال الأعمال وبعض الهيئات السياسية وبعض قادتها، مما يشكل دعما وتسترا لممارسات نهب المال والثروات والإغناء غير المشروع، وبدورها المرتبط كحامية للمتورطين في الجرائم الاقتصادية والمالية المستفحلة في داخل بعض الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والشبه العمومية والجماعات المحلية بشكل يكاد يكون عاما، وبسبب عدم تطبيقها للقانون وتعطيل تفعيل الآليات والإجراءات الموضوعة رهن إشارتها للحيلولة دون ارتكاب هذه الجرائم ومتابعة مقترفيها، وتسهيل إفلات الجناة من العقاب، وإدانتهم بسبب ذلك، والعمل على حل وتفكيك كل شبكات مافيا المخزن الاقتصادي ومصادرة ما راكمته من أموال وثروات متأتية من عائدات اقتصاد الريع والامتيازات التي استفادت منها خارج القانون بغير حق وإيداعها في صندوق خاص لتمويل الاستثمارات المنتجة الكفيلة بتحقيق التنمية المستدامة وسد العجز الذي يعانيه المغرب في المجال الاجتماعي.. كما تحمل أعضاء البرلمان المسؤولية التقصيرية، بسبب عدم القيام بواجباتهم في المساءلة والمحاسبة للجهاز التنفيذي بخصوص هذا النوع من الجرائم وعدم تفعيلهم للجن البحث و التقصي بشكل فعال، والتقصير في عدم تفعيل مقترحات القوانين ضمن صلاحياتهم والتي من شأنها سد الفراغ الذي يحول أحيانا دون وضع مسطرة البحث والمساءلة موضع الإعمال، ومطالبته بتفعيل لجن تقصي الحقائق في الفضائح الرائج الكلام حولها وإحالة نتائجها على الجهات القضائية المعنية.