تعتبر الأممالمتحدة القروض الصغرى احد الوسائل الأساسية في تحسين الظروف الاقتصادية ومحاربة الفقر في العالم، وقد تم ترجمة ذلك من خلال أهداف الألفية التنموية ، والتي تشكل احد التحديات الكبيرة لمهمة الأممالمتحدة.وبذلك تم اعتبار 2005 عاما دوليا للقروض الصغرى من اجل تنشيط القطاع المالي في الدول النامية. ومن الناحية العامة كان دوما قطاع القروض الصغرى والمنظمات التي تشتغل فيه قطاعا غير ربحي ، حيث يعتمد في تمويله على الممولين من المنظمات الدولية بالإضافة إلى كون هذه التمويلات هزيلة قد لا تلبي كل حاجات المحتاجين. ومن خلال الإقبال على هذا القطاع في الدول النامية والفقيرة بدأ القطاع الخاص في ولوجه خاصة أن هامش الربح كبير يتجاوز ربح المؤسسات البنكية التجارية ،بالإضافة إلى الانفتاح على شرائح مجتمعية واسعة ترى في مؤسسات القروض بديلا عن الأبناك التي يعتبرها الكثير مثل الإدارات العمومية في تعقيداتها ومساطرها بحيث لا تجدب لها الزبناء إلا من اضطر أومن الشريحة المثقفة من المجتمع وخاصة الموظفين. والقطاع الخاص في الغالب هدفه الربح وطبيعة الشريحة الاجتماعية التي يتعامل معها تفتقر إلى ضمانات مما يرفع نسبة المخاطرة ، كما أن الرغبة في استرجاع الرأسمال مع الفوائد المترتبة عليه يمكن أن تمس بالغاية والهدف من القرض الذي يرمي إلى إخراج الفقراء من دائرة الفقر وإدماجهم في النسيج الاقتصادي وتحسين مستوى معيشتهم، فيحصل بذلك تضارب بين هذه الغاية وبين البحث عن الربح ، الشيء الذي سيغلب مصلحة مؤسسة القرض على حساب مصلحة الزبون .لذلك فشلت بعض مؤسسات القطاع الخاص في هذا المجال وأصبح القطاع يعيش أزمة تراكم الديون غير المسترجعة ،هذا بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى تدعو إلى إعادة صياغة تصور شامل لهذا القطاع وهيكلته بطريقة يوازن فيها بين الهدف التنموي والهدف الربحي .فمؤسسة القروض الصغرى لديها مواصفات مؤسسة تجارية هدفها الربح ،وفي نفس الوقت هي أيضا مؤسسة تنموية هدفها مساعدة الناس .فإعمال المساطر وشروط اشتغال المؤسسات البنكية الخاصة دون مراعاة الجانب التنموي قد يجعل من مؤسسة القروض الصغرى بنكا عاديا كغيره من البنوك . ومن ناحية أخرى استحضار الأهداف التنموية كتحسين ظروف الطبقات المهمشة والمستهدفة بهذه القروض يوحي بمؤسسة خيرية أكثر منها بنكية، فتترسخ لدى المستفيد عقلية الإعانة أو المساعدة فينتج عنه التقاعس في الوفاء بالتزاماته تجاه المؤسسة.وهذه العقلية ترسخت في المجتمعات الفقيرة بشكل كبير خاصة أن المنظمات الإنسانية الدولية هي من بدأ الاشتغال في هذا المجال وكان استرجاع القرض في غالب الأحيان لا يشكل هدفا في حد ذاته رغم التزام المستفيدين بإرجاعه ،وكان الهدف تحفيز المستفيدين أكثر على العمل من اجل خلق نشاط مذر للدخل يخرج المستفيد من دائرة الفقر بشكل نهائي . وقد جاءت هذه التجربة بعد فشل نظام المساعدات العينية المجانية للمستفيدين والتي يزول أثرها بسرعة بحيث لا يتغير وضع المستفيدين الذين سرعان ما يرجعون لحالتهم الأولى بعد نفاذ المساعدة .لقد صرفت المليارات من الدولارات على المعونة الإنسانية في الكثير من الدول إلا أنها لم تستطع محاصرة الفقر ، لكن تجربة القروض الصغرى كان لها آثار كبيرة في تغيير ملامح الكثير من المجتمعات خاصة في إفريقيا وبنغلاديش ، لذلك على القائمين على قطاع القروض الصغرى الاستفادة من تجارب هذه الدول من اجل إنجاح القطاع في المغرب.ومن خلال المساهمة في النقاش الدائر حول تقييم تجربة مؤسسات القروض الصغرى وانطلاقا من التجارب العملية في المجال يمكن نقترح بعض التوصيات. أولا : على المشروع أن يكون مطابقا للهدف العام للمؤسسة ،ووفق أولويات واضحة ترتكز حول الشريحة المستهدفة من القرض خاصة الشباب والنساء وتكون آثاره المتوقعة واضحة. في هذا الإطار يشكل اختيار الفئة المستهدفة نقطة أساسية في نجاح القرض، وذلك فالهدف التنموي يجب ترتيبه وفق أولويات محددة لا يجب أن تستند على الضمانات المتوفرة لدى المستفيد حتى ولو كانت حقيقية ،لان الكثير من المستفيدين يمكن أن يتوفروا على الضمانات لكن مشاريعهم قد لا تحقق أي تنمية تذكر كما أن هناك من يوفر الضمانات للاستفادة من القرض لحل مشكل اجتماعي أو تسديد قرض آخر .ولذلك فالحرفيين والصناع والنساء يشكلون الطبقة الأكثر وفاءا، ويشكل العاطلون وأصحاب المشاريع الصغرى من الخريجين الفئة الأقل وفاءا في التسديد لأسباب متعددة.كما أن سكان القرى والبوادي انجح من سكان المدن والأميين أكثر من المتعلمين. ثانيا : يجب أن يؤسس المشروع على أسس فنية متينة ويبين مدى كونه الاختيار الأفضل لحل المشكلة المحددة . في هذا الإطار لا تكفي دراسة الجدوى لإعطاء القرض ،فيجب أن ترافقها دراسة حول المستفيد والمجال والموقع ،بالإضافة إلى توفر المؤسسة على بنك دراسات حول القطاعات والأنشطة التي تمولها يتم الرجوع إليها لاعتماد المشاريع المقترحة، خاصة أن الكثير منها يمكن اعتباره استنساخا لدراسات سابقة أكثر منها دراسات حقيقية. ثالثا :يجب أن يتوفر الشريك المستفيد على القدرة وعلى الإطار الإداري الملائم والمقبول لاستكمال الشروط المخولة للقرض ويشكل الإطار الإداري أو التنظيمي شرطا أساسيا في إنجاح المشاريع ،فكلما كان صاحب المشروع منتظما في إطار كانت نسبة استرجاع القرض اكبر من كونه فرديا ،كما انه كلما كان له تكوين مهني أو حرفي مع خبرة عملية كان أكثر قدرة على الاستفادة من القرض وهذا يقتضي البحث عن الأشخاص الذين يحتاجون إلى دفعة بسيطة فقط من اجل الإقلاع. كما أن تنظيم المستفيدين في تجمعات وتعاونيات ،خاصة للأشخاص الذين ليست لهم ضمانات مادية لضمان القروض ،يمكن من تحقيق الهدف أكثر من التعاطي معهم بشكل فردي . ودعم مجموعة من المستفيدين تجمعهم مهنة معينة أو نشاط مهني مشترك كالنجارين أو مربي الماشية أو غير ذلك يرفع من نسبة نحاج القرض ويسهل عمل المؤسسة ، من خلال الاقتصاد في مصاريف المتابعة والتكوين ويكون التجمع متضامنا في حالة خسارة احد أعضائه. وتشكل نسبة الفائدة أيضا عائقا كبيرا أمام استرجاع القرض ،لذلك فقطاع القروض الصغرى يجب أن تكون نسبة الفائدة فيه اقل من نسبة الفائدة في المؤسسات البنكية ،كما أن البحث عن صيغ تشاركيه تكون فيها مؤسسة القرض شريكا في المشروع ،خاصة أنها هي من يرعى المستفيد ويشرف عليه وتراقب المشروع ،وهكذا يمكن أن تزيد من قيمة ربحها في المشاريع الناجحة وتطورها، وتنسحب من المشاريع الفاشلة وتقلل من خسارتها .وهذا الأمر ليس سوى تغيير للدور من المشرف إلى الشريك أما المتابعة والإشراف فلا تتغير. كما أن عامل المتابعة يشكل أمرا ضروريا ، يجب أن يتم وفق مهنية وبطريقة علمية مضبوطة وليست مجرد بيانات تعبأ في الاستمارات ،لذلك فطبيعة الأشخاص العاملين في الميدان تحكم على نحاج المشروع من عدمه خاصة في طرق اشتغالهم وظروفهم المادية والمعنوية والتي غالبا لا تتعدى الحد الأدنى من الأجر . ولا يجب اعتبار تسديد القرض واسترجاعه بالضرورة نحاجا للمؤسسة في تحقيق الهدف، بحيث يجب إعدادا دراسات حول الآثار الفعلية للقرض على المستفيد وهل غير من حياته شيء من عدمه ، فالكثير من المستفيدين سددوا القرض لكن من خلال بيع أصول أكثر أهمية أو من ادخار أومن خلال قرض آخر، فيعيشون في دوامة الفقر داخليا رغم ما توحي به الواجهة الظاهرة. وبذلك يكون القرض قد عمق الأزمة أكثر من أن يحلها وعلى هذا الأساس يجب أن تكون مؤسسات القروض الصغرى أكثر تنظيما وتخصصا لتشمل فكرة البنك التجاري وبعقلية المنظمة التنموية الإنسانية ،فيكون بذلك الهدف من القروض هو التنمية والربح في نفس الوقت.