لم تعد شواطئ محافظة وهران غربي الجزائر، قِبلة فقط للسياح الذين يقصدونها بغرض الاستجمام، ولكنها أيضا تعد مقصدا للمهاجرين غير الشرعيين، الذين اتخذوها محطّة إقلاع نحو السّواحل الإسبانية، على متن قوارب حطّمت أمواج البحر العاتية كثيرا منها، مبدّدة بذلك آمال كثير من الباحثين عن حياة أفضل في الضفة الأخرى. فاطمة الزهرة سعيد بورعدة، نائبة رئيس جمعية مفقودي البحر (غير حكومية) الناشطة بمحافظة وهران (450 كلم غرب الجزائر)، قالت في تصريحات للأناضول، إن "شواطئ وهران عرفت في العشر سنوات الأخيرة، العديد من عمليات الهجرة غير الشرعية، نفذها شبان امتطوا قوارب لبلوغ السواحل الإسبانية". وتابعت فاطمة الزهرة: "للأسف هناك من المهاجرين السريين من وصلوا إلى إسبانيا، وهناك من هلكوا في عرض البحر، لكن ما يحزّ في نفسي أولئك المفقودين، الذين لم يظهر لهم أثر منذ سنوات". ومضت قائلة: "بلغ عدد المفقودين في البحر المتوسط 520 مفقودا ونحن لا نعرف إن كانوا أحياء أو في تعداد الموتى". وتشكل شواطئ كريشتل، عين فرانين، وعين الترك، الواقعة في تراب محافظة وهران، مقصدا للراغبين في خوض مغامرة بحرية لبلوغ إسبانيا، حيث شهدت هذه الشواطئ في السنوات الأخيرة عمليات هجرة غير شرعية، لشبان قدموا من المحافظات الغربية المجاورة، على غرار معسكر وسعيدة وغليزان وتيارت بحسب ما ذكره ضابط بفرقة للدرك الوطني بوهران (تابعة لوزارة الدفاع). وروى الشاب خالد فلاق البالغ من العمر 21 سنة، والمنحدر من محافظة غليزان (300 كلم غرب الجزائر العاصمة)، للأناضول، تفاصيل إبحاره رفقة 11 آخرين على متن قارب، قائلا: "قصدت شاطئ كريشتل، شرق وهران قبل 4 سنوات، وكان عمري آنذاك 17 سنة، لقد وصلنا المكان في الصباح الباكر رفقة 11 شابا، وامتطينا قاربا". وتابع خالد: "البحر كان هادئا، لكن تملكنا الخوف ونحن نشق عبابه على متن ذلك القارب، ومع ذلك تسلحنا بالصّبر لأننا كنا نريد وصول إسبانيا بأي طريقة". ومضى قائلا: "بعد ساعات قضيناها في البحر وصلنا السواحل الإسبانية، وما إن دخلنا المياه الإقليمية لهذا البلد حتى رصد قاربنا خفر السواحل، الذين أوقفونا جميعا وأحالونا على مركز للهجرة غير الشرعية بمدينة ألميريا (جنوب شرق إسبانيا)". وواصل خالد حديثه: "أنا محظوظ كوني الوحيد الذي لم يرحل فيما بعد إلى الجزائر، لأني كنت قاصرا، أبلغ من العمر 17 سنة عند توقيفي من طرف خفر السواحل". وأضاف: "نحن القصّر تكفلت بنا جمعية خيرية (لم يحددها)، وبالرغم من المساعدات التي قدّمتها لنا، إلا أنّنا أُصبنا بحالة من الإحباط، كوننا كنا نرى في إسبانيا الجنة الموعودة، وما هي في الحقيقة إلا سراب، بالنظر إلى الظروف المزرية التي نتخبط فيها بسبب قلة فرص العمل". واوضح: "بعد وصولي بأشهر قليلة قررت العودة إلى الجزائر والإستقرار هنا رغم الظروف الإجتماعية الصعبة". أمثال خالد كثيرون في الجزائر، ممّن منّوا النفس بحياة أفضل في الضفة الأخرى، لكن سرعان ما تبخرت أحلامهم، وعادوا إلى بلدهم، في حين قضى آخرون في عرض البحر، والبقية ما يزالون في تعداد المفقودين. ويزور الجزائر سنويا ما يفوق ال2.3 مليون سائح، يقصدون أماكن عدة في البلاد، أبرزها شواطئ وهران والعاصمة الجزائر. *وكالة أنباء الأناضول