اعتبرت الحقوقية التونسية البارزة راضية الجربي أنه "لولا المرأة ما كان الربيع العربي"، الذي انطلق من تونس بانتفاضة أطاحت بنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011، وانتقلت شرارتها إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا. جاء ذلك في حوار أجرته الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونيسية، أوّل منظّمة وطنيّة نسائيّة تأسس عام 1965، مع الأناضول على هامش زيارتها لفيينا، والتي شملت مشاركتها في "مؤتمر تونس أمل الربيع العربي" والذي عقد بفيينا، الأسبوع الماضي. وقالت الجربي "لولا نزول المرأة إلى الشارع ونضالاتها، ورفضها السكوت عما كان يحاك لها وللمجتمع التونسي بشكل عام لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه الآن". وفيما يلي نص الحوار: كيف تقيمين دور المرأة في دول الربيع العربي مقارنة بدور المرأة التونيسية؟ - لولا نزول المرأة إلى الشارع ونضالاتها، ولولا رفضها السكوت عما كان يحاك لها وللمجتمع التونسي بشكل عام، لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه الآن. ولعبت التجربة التونسية، وخروج المرأة في تونس قبل غيرها مبكراً إلى المدرسة والعمل، وكذلك التقدم الذي حدث في مجال الأحوال الشخصية، دوراً كبيراً بالنسبة للتونسيات، مما انعكس على تلك العقلية المنفتحة، وهذا الشعور بأنها مواطنة وليست امرأة مكملة، مما ساعد التونسية أكثر مقارنة بنساء الربيع العربي في بعض الدول الصديقة الشقيقة. هل هناك تواصل بين المرأة التونسية وشقيقتها في دول الربيع العربي؟ بوصفي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، وهو أكبر اتحاد والمنظمة النسائية الوحيدة في تونس، هناك اتصال بيننا وبين المرأة الليبية والمصرية وهناك العديد من اللقاءات، وكثير من الهموم والمتاعب المشتركة، كما أن هناك رغبة في الخروج من الوضع الذي آلت إليه الأمور بعد ثورات الربيع العربي. هناك تعاون بيننا، لكن يبدو أن دولة مثل تونس بصدد حل مشكلاتها بشكل أكثر من دول أخرى مازالت تشهد صعوبات أكبر مثلما هو الحال في اليمن وليبيا فالوضع في تلك الدول أسوأ منه في تونس. كيف تقيمين دور المرأة في الثورة التونسية؟ - لولا المرأة ما كان الربيع العربي، وما كان هناك دستور تونسي بالشكل الذي هو عليه الآن، وما كان هناك أيضاً دفعة نحو استقرار التشريعات التونسية والتقدم الذي شهدته. فبعد الثورة (يناير/ كانون ثان عام 2011) مباشرة بشهرين تقريباً،عادت إلى البلاد العديد من الجهات الإسلامية المتشددة، أو ما يعرف بالحركات "السلفية الجهادية" والحركات الإسلامية السياسية، ومعها مشروع مجتمع تونسي. وبمجرد أن وصلت إلى الحكم الحركة الإسلامية (النهضة)، إلا وتعالت الأصوات التى تطالب بمراجعة مجالات الأحوال الشخصية ومنع تعدد الزوجات وإباحة الزواج العرفي وزواج القاصرات في تونس، وكانت هناك دعاوى أيضاً تطالب بختان الإناث، وفتاوى لم نكن نسمع عنها منذ عهود تطالب بأسلمة تونس، بمعنى الرجوع إلى حظيرة الدول التي ليست لها أحوال شخصية، وردة بنا نحن كتونسيين عن القوانين المكتسبة. وبطبيعة الحال، تعالت الأصوات النسائية الاحتجاجية، وأيضاً العديد من الحقوقيين من الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والمحامين، وكذلك الحركات النقابية. وماذا كانت نتيجة هذا الصراع مع بعض التيارات الإسلامية؟ أجبرنا هؤلاء على التراجع عن مخططاتهم وأكبر مكسب أيضاً في تلك الفترة، كانت دعوى في مراجعة الفصل الأول من الدستور واعتبار أن التشريع الإسلامي جزء من مقومات التشريع التونسي، وبالتالي سيفتح المجال نحو مراجعة مجالات الأحوال الشخصية والطلاق والزواج، إلى غير ذلك. أيضاً كان هناك تمسك كبير من التونسيات بأن تتم دسترة مجالات الأحوال الشخصية واعتبارها جزء لايتجزأ من دستور تونس، باعتبارها مكسب وطني لابد من النص عليه في الدستور التونسي. كل هذه الحركات أفضت إلى الإبقاء على مكتسبات المرأة التونسية خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية. هذا بالنسبة للوضع الاجتماعي للمرأة ..فماذا عن وضعها السياسي والثقافي؟ طلبنا بأن يتم وضع تمثيل المرأة في الأحزاب السياسية ، وهذا لا يعني أننا نطالب بكوتة للمرأة، ولكننا نطالب بتمثيل متناسق للمرأة في الأحزاب السياسية وكذلك في المجالس النيابية والمحلية. كذلك تحققت المساواة بين المرأة والرجل في القانون والتشريعات وأمام المحاكم، وكلها مكتسبات حققتها المرأة التونسية. وأيضاً كانت هناك دعوة في فترة ما إلى اعتبار اللغة العربية المعتمدة في التدريس، لكننا ناضلنا من أجل الانفتاح على اللغات الأخرى، ورأينا أن انفتاح تونس حول محيطها والدول الأخرى، واكتسابها لغات أخرى جعل للتونسيين هذه الدرجة من الانفتاح على الحضارات الأخرى والقوانين والتشريعات والتجارب المقارنة. وأعتقد أن ما قدمته المرأة التونسية من صمود يعود إلى يقينها من البداية أن الرغبة في تغيير المجتمع التونسي تكون عبر تغيير المرأة التونسية، سواء في مظهرها أو في التشريعات ونمط الأسرة التي تعودنا عليها وفي الاستقرار العائلي والنفسي لأبنائنا وللأسرة. وهذا الوعي الكبير من المرأة التونسية جعل الدستور على شكله الذي عليه الآن، والمجتمع المدني هو الذي أجبر المشرع على إحداث العديد من التغيرات.