ألقى الأستاذ طارق رمضان ، المتخصص في العلوم الإسلامية ، يوم السبت الماضي بالرباط ، محاضرة حول مفهوم الحرية الفردية في البلدان الإسلامية، من خلال مقاربة بيداغوجية تسائل الكائن البشري حول المعنى الذي يريد إعطاءه لوجوده. ويرى الأستاذ رمضان، الذي استضافته جمعية "إيدين المغرب " للأعمال السوسيوثقافية، والذي صنفته مجلة (تايم) الأمريكية سنة 2004 من بين مائة مفكر الأكثر تأثيرا في العالم (المرتبة الثامنة) ، أن الإنسان، في بحثه عن الحرية، تتجاذبه الأهواء والغرائز التي يعتبر البعض إشباعها تحقيقا للحرية. وأشار المحاضر ، وهو سويسري من أصل مصري ، إلى أن إخضاع إرادة الإنسان لشهواته يتحول إلى تقييد ورهن للحرية، مما يفسر الطابع المركزي لمقاربة ترتكز على الارتقاء بالإنسان فوق غرائزه، بداية عبر المعرفة التي تغذي العقل والفكر، ثم عبر تزكية القلب، الأمر الذي يتماشى في نهاية المطاف مع الأوامر الإلهية في الديانات السماوية، إلى جانب تعاليم الحكمة للتيارات الروحية الكبرى. وأوضح أن الإنسان، في ممارسته لحريته الفردية، بحسب هذا الفهم ، فرض على نفسه التساؤل حول أسباب اختياراته، التي يتعين أن يحكمها المنطق وليس الغرائز، مضيفا أنه بالتالي يحقق حريته بشكل كامل على هدي الإسلام والسنة النبوية الشريفة. واعتبر أن النقد الذاتي وتقبل إعادة النظر في الأفكار والآراء الملقنة يجب أن تكون خاصية مميزة للانسان، في سعيه للرفاه ، مبرزا أن هذه المقاربة مرتبطة أيضا بشكل وثيق بالصورة التي يحملها كل واحد عن ذاته ومع تلك التي يرغب أن يحملها الآخرون عنه. واعتبر الأستاذ رمضان أيضا أن انشغال الفرد بتحقيق ذاته في كماله الروحي في انسجام مع قناعاته النابعة من الإسلام لا يجب أن يرافقه هاجس الرغبة بأي ثمن في إعطاء صورة تعجب الآخر، خاصة إذا كان هذا الآخر ينتمي لفلك الحضارة الغربية المهيمنة. وفي ما يخص الحريات الجماعية في البلدان الإسلامية، أوضح المحاضر أن للإسلام خاصية تتمثل في احتضان تنوع المدارس والتأويلات والمقاربات داخله دون أن يؤدي ذلك بالمقابل إلى الانزياح عن المبادئ الأساسية للديانة الإسلامية التي تعتبر موضوع إجماع مختلف المذاهب الفقهية. وشبه في هذا الاتجاه تنوع ممارسة الإسلام بشارع واسع يتجول فيه كل واحد بحرية وحسب الوتيرة التي تريحه، دون أن يتجاوز جوانب هذا الشارع ، وقال إن الإسلام اغتنى على امتداد الزمن بتنوع تقاليده ومذاهبه وزواياه ومدارسه الفكرية دون أن يؤدي ذلك، في الفترة الزاهرة للحضارة الإسلامية، إلى انقسامات ونزاعات وشروخ تستعصي معالجتها. وخلص الأستاذ رمضان إلى أن الحرية بهذا المفهوم تحيل على المسألة الأساسية المتعلقة بالغاية وبسبب وجود وسلوك الإنسان، وهي المسألة التي لا يمكنه التغاضي عنها لإعطاء معنى لحياته كفاعل وليس كموضوع للاستهلاك، مسؤول عن نقل هذا السلوك لأبنائه وأسرته. وقام عمل رمضان، الحاصل على الدكتوراه في علوم الإسلام (جامعة جنيف) أستاذا للفكر الاسلامي بجامعة فريبورغ (1993-2004) . وتم تعيينه سنة 2008 في كرسي الدراسات الإسلامية المعاصرة في "أوريانتل إنستيتيوت" التابع لجامعة أوكسفورد (بريطانيا).