لله ثم لخدمة هذا الدين يرجح أغلب الباحثين في موضوع العولمة أنه رغم أنه كان مستخدما سوسيولوجيا في ستينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يدخل حيز الوجود بشكل واضح ومباشر إلا بعد الثمانينيات، أي أنه مر على ظاهرة أو وضعية العولمة أزيد من ربع قرن الآن، وأعتقد أنه بذلك آن الأوان أن نقف وقفة محاسبة، كأمة إسلامية تتحمل مسؤولية الإلتزام بالإسلام ونشره، ونقف على المنجزات والفتوحات الإسلامية في عصر العولمة .. الآذان صار الآن يسمع في أغلب مناطق العالم، والصلاة تقام تقريبا في كل مدينة من مدن العالم بل أن البعض ذكر أنها تقام حتى في البيت الأبيض! بطلب من بعض المسلمين العاملين فيه، والقرآن صار متوفرا لأي كان ليقرأه سواء على الأنترنيت أو في المكتبات، كما أنه الآن أغلب الناس في الغرب والشرق يملكون فكرة عن الإسلام .. ما شاء الله! الظاهر أننا حققنا بالفعل فتوحات في عصر العولمة، نعم هي فتوحات عظيمة، لو كنت تنظر إلى سلم المنجزات من الأسفل، أما إن رفعنا زاوية النظر لنرى كيف أثرت علينا العولمة، وكيف أنها كشفت القناع عن البنيات الهشة لأغلب مجتمعاتنا الإسلامية، يكفي أن نقول أنه صحيح أن الصلاة تقام في كل مكان في العالم تقريبا حتى البيت الأبيض! كما أنه كذلك الموسيقى الأمريكية والأفلام المتضمنة لما هو محرم بالقطع شرعا قد صارت تبث وتسمع في كل مكان حتى في بيت الله الحرام! حتى أن هذا التقدم في استيراد ثقافة العبث واللامعنى صار موضوع تنافس لوسائل الإعلام المحسوبة على المرجعية الإسلامية، وصحيح كذلك أنه كما أن القرآن صار متوفرا في كل مكان فإن كتب الشرك والإلحاد والمجون صارت كذلك متوفرة ومطلوبة في المجتمعات الإسلامية، ولست أقارن بين الأمرين فلا مجال لذلك، وصحيح كذلك أن أغلب الناس يملكون فكرة عامة عن الإسلام بفضل العولمة، لكن صحيح كذلك أنه لو سألت أيا كان في الشارع عن أبسط مكونات الثقافة الغربية يجيبك باستفاضة، وكما أنه صحيح بأن المسلمين استطاعوا نشر القضية الفلسطينية في الأنترنيت ووسائل الإعلام العالمية على نطاق واسع، فإنه صحيح أيضا أن الغرب استطاع أن يدعم الصهاينة عمليا وماديا على نطاق أوسع، بل إن الدعم يأتي من المجتمعات الإسلامية والأدهى والأمر من موسم الحج كذلك! كيف ذلك؟ أليست بيبسي الشركة الصهيونية وكوكاكولا العملاق الداعم للكيان الصهيوني بمثابة الراعي الرسمي لموسم الحج؟ ألم تدخل كل بيت؟ ألم تصر جزء من ثقافات المجتمعات الإسلامية؟ ألم يصبح ماكدونالدز والبيزا هوت والبيرجر كينج مرفقا أساسيا في المدن العصرية في المجتمعات الإسلامية؟ فكيف إذن بعد كل هذا نتجرأ ونتحدث عن فتوحات إسلامية؟؟ أليس الأولى أن نقف ونحاسب أنفسنا على هذا الفشل الذريع في تدبير العولمة؟ والواضح أنه حتى ما نشر عن الإسلام بفضل العولمة لحد الآن أكثره مغالطات وقراءات خاطئة مبنية وللأسف على الواقع المزري .. فعدالة الغرب وموضوعيته حكمت على الإسلام بغياب المحامي وبشهادة رعاع وشرذمة ممن يدعون تمثيله. كما أن ما سبق أن ذكرت هو واقع لا نقاش فيه، إلا أن له أسباب أخرى أكبر من العولمة، وهي ما يمكن أن نصطلح عليه بالقابلية للاستلاب والتعولم بقوالب ثقافية مستوردة، فنحن كما يقول المثل المغربي "من الخيمة خرجنا نتمايل.." *كاتب مغربي مقيم في ماليزيا