أولا أُعلن تضماني مع الزميلة خديجة الرحالي التي تعرضت يوم الجمعة بمقر مجلس النواب لاستفزاز إن لم أقل ل"تحرش" مِن وزير في الحكومة، وهو التضامن النابع من إيماني بالحقوق الإنسانية كما هي لا كما تُلبسُ عباءة الدين المفترى عليه، كما أنه تضامن ليس من باب "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"، فالمنتصَر له هنا مواطنة وإنسانة قَبلا وبعداً. في الواقع إن كان للسيد وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني المنتمي العدالة والتنمية (الإسلامي)، حبيب الشوباني، من رأي فيما يخص الحديث عن "الحشمة" التي اتهم الصحافية الرحالي بعدم الامتثال لها كمعيار أخلاقي يحترمه الناس، فهو أن يفيدنا من "فتاويه" في هذا الشأن بمحله هو من إعراب كوزير على قطاع يهم بالخصوص "المجتمع المدني"، وقبله "العلاقات" مع البرلمان حيث مجمع الأفكار المتناقضة التي ينبغي أن تحترم، وحيث الدستور والقوانين وحدههما المكلفة بالتنصيص على ضرورة ارتداء اللباس الرسمي عند افتتاح الدورات التشريعية وأثناء حضور ملك البلاد إلى البرلمان، لا أن يفرض على الناس أحدُ الوزراء نوع اللباس الذي ينبغي ارتداؤه. وأمّا أن يقف الوزير "الإسلامي" المكلف بالعلاقات مع البرلمان عند ناصية أدراج مجلس النواب ويتفحص النساء والفتيات ماذا يرتدين، ثم إذا ما أشبع تفحصه ونظره إلى تضاريس أجساد المرتادات لهذه المؤسسة التشريعية، أطلق أحكاما وأعطى صكوك مرورٍ لهذا الشخص أو ذاك، فهذا هو الذي يضرب ب"الحشمة" عرض حيطان البرلمان التي لها "آذان" قبل أن تكون لها "أعين" شاخصة ! لقد ترددت قبل أن أبدأ في خط هذه الكلمات، وأعطيت لنفسي مجالا من الوقت حتى أرى ما إذا كان السيد الوزير الشوباني الذي "أهان" الصحافية بكلماته المستفزة وهو يحكم عليا آنيا وقطعيا بأنها تهدد الأخلاق العامة ما يعني، بحسب معرفتنا، إخلالا بالحياء العام الذي يعاقب عليه القانون، (أرى) ما إذا كان سيتدارك الأمر وسيلعن الشيطان الذي وسوس له ما وسوس له في خاطره فيصدر اعتذارا إلى الزميلة، لعله يشفي بعض ما سببه لها كلامه الجارح من ألم، لكن لاشيء صدر.. هذا يعني شيئا واحدا وهو ما نتردد لحد الآن عن إطلاقه على هؤلاء المنتمين إلى حزب لطالما تشدق بتبنيه مرجعية أخلاقية تستمد قوتها من الدين، وهو "الطهرانية" التي ربما لازال المنتمون إلى هذا الحزب يتوهمون أنهم وحدهم المالكون لحُسن الأخلاق والمكارم، وغيرهم "أراذل" القوم ! عفوا سيدي الوزير ليست الأخلاق أن تجرح فتاة ذات لباس تلبس مثله وربما أجرأ منه موظفات ونائبات في المؤسسة التي تعتبر مجال عملك، وتستفزها بكلامك وتهددها بالطرد من المؤسسة التي هي ملك لها ولكل المغاربة، وليست فرعا تابعا لحزبك..ولكن الأخلاق أيها الوزير أن تلتزم بالقانون وتحترم القطاع الذي تشرف عليه والذي يضع "المجتمع المدني" ضمن أولوياته؛ وإلا فإننا سنصبح أمام عبث بحيث في الوقت الذي تشرفون على حوار وطني حول المجتمع المدني، وهو الحوار الذي استنزف من خزينة الدولة أزيد من نصف مليار خلال أقل من سنة فقط، فإنكم لا تستطيعون حتى إدارة وتدبير حوار "ودي" وأخوي –إن كان ولابد- مع مواطنة رأيتم أنها "لا تحشم"، وتفضلون أسلوب رمي الناس بالباطل والاستعمال السيئ للسلطة بل والشطط في استعمالها.. ويبدو أنك، السيدَ الوزير، في يوم الجمعة الفائت كان لك كل الوقت لكي تنظر إلى جسد زميلتنا وتُقيم لباسها وكأنك كنت عضو لجنة تحكيم في عرض أزياء، لتقتنع بأن لباسها كان مخلا بقواعد الحشمة، في حين كانت الجلسة مشتعلة بسبب الصراع على مقعد رئيس مجلس النواب، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى تركيز مسؤول ونائب برلماني أثناء مزاولته لعمله، إذا ما كان استرعى انتباهه جسدُ أنثى ولباسُها.. ونعرف نحن الرجالَ، ولا أقول الملائكة –حاشى وكلا- مدى التأثير السحري لذاك الجسد الآدمي إذا استسلم الرجل لغريزته ولم يُفعل قوة العقل، وليس اتهام الفتاة بلبس لبوس غير محتشم إلا مؤشرا على التفاعل (كيميائيا كما درستَ ذات أيام) وسلبيا حتّى، وهو ما فسره الاتهام المباشر لها، ما يستوجب المساءلة القانونية، إذا كنا في بلد يحترم القانون. وأجدني مستغربا كيف لوزير وقيادي في حزب و"إسلامي" كما يدعي، أن لا يحسبها جيدا قبل أن يتهجم على فتاة بداخل مؤسسة عامة، وهو الأدرى من غيره بحيثيات وفصول قانون أنجزته زميلته في الحكومة وفي الحزب، بسيمة الحقاوي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن يجرم "فعل التحرش"، والذي جاء في إطار روزنامة من القوانين التي تتعلق بمحاربة "العنف ضد النساء"، وهو القانون الذي يحدد مفهوم "التحرش الجنسي" بأنه "كل إمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية" ! أنا هنا لست بصدد تحريض زميلتي على رفع دعوى قضائية ضدك، في الموضوع، ولكني فقط لإبداء رأيي في بعض تناقضات المنتمين لحزب تنص أدبياته على معيار "الأخلاق"، بينما ممارسة الحكم أثبتت، في تصوري، أن الازدواجية هي السمة الأساسية لهذا الحكم الحالي، وإلا فبماذا نفسر إعلان تعايشكم مع تماسيح وعفاريت الفساد، وهو كبير الكبائر ! هذا عدا عن الأخبار التي تنشر بشكل يكاد يكون يوميا عن "علاقات" الزبونية التي تؤطر تعيينات شتى في وزارات وإدارات تابعة لكم. بقيتْ الإشارة إلى أن حادث إهانة الصحافية من قِبل الوزير ذكرني بالأغنية الشعبية "دور بيها يا الشيباني".. وهي أغنية تحريضية للكهول على "معاكسة" الفتيات الصغيرات لإسقاطهن في "الشراك"، مع الفارق أنك، سيدي الوزير، أصغر من حيث السن ولم "تعاكس" ولكن يبدو أنك فعلت من حيث لا تدري.. [email protected]