في المغرب : مجرد أن تظهر على الشاشة عدة مرات تصبح نجما أن تكون نجما سينمائيا أو رياضيا أو فيزيائيا أو..أو.. فذاك أوسكار أو إكليل من ذهب لن تكون فيه سيد نفسك، النجومية قبل أن تعطيك تأخذ منك جهدا ووقتا، هي مسؤولية تتخلص فيها من خصوصياتك وذاتيتك فتصبح فيها رهين وسجين محبيك ومريديك، لن تكون فيها سيد نفسك بأية حال من الأحوال، هي تكليف قبل أن تكون تشريف، مسؤولية تجاه من يحبك ومن لا يحبك، النجومية إذن والجماهيرية والشعبية ... كلها مسميات لإسم واحد، قد يلمع فيها نجمك كما قد يأفل، هي إلتزام قبل أن تصير حقا، برنامج مسار الذي ينشطه الأستاذ الكريم عتيق بنشيكر لامس هذا الموضوع ليلة السبت 12 أبريل 2014 من خلال برنامج مسار الذي يحتفي بالنجوم، كان اللقاء مع ثلة من الفنانين والممثلين حضروا جميعا لتكريم المخرجة فريدة بليزيد وللحديث عن قضايا لها علاقة وطيدة بالفنان النجم، وحيث أننا كنا قد تطرقنا لهذا الموضوع لأكثر من سبع سنوات، فإنني أرتأيت أن نعيده للنقاش المعمق، خصوصا مع ظهور سينمات مغربية جديدة بتيمات غاية في الجدية ووجوه وأسماء جديدة عبرت بما يكفي عن قوتها الإبداعية، خصوصا من الجهات الشمالية والجنوبية للمغرب، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول الممثل النجم في المغرب، سؤال يجب على المغرر بهم أن يطرحوه على أنفسهم حتى يعرفوا أكثر قدرهم وقدرتهم على اجتذاب جمهور من طينة الجمهور المغربي الذي ينساق لأشباه النجوم مكرهين لا أبطالا. من هذا المنطلق تطرح النجومية في الحقل السينمائي كطموح يتغيا منه كل فنان أن يكون نجما لامعا في سماء الفنون، وأن يكتب في سجل التحديات ومدونات تحطيم الأرقام القياسية، عدة مطارحات وتساؤلات حول هذا الموضوع الشائك طبعا، نحاول ملامسته انطلاقا من طرحنا لبعض الاستفسارات التي تتداولها بعض الكتابات في الصحف والمجلات المتخصصة وكذلك بعض المواقع الإلكترونية والبرامج التلفزية التي تسعى فقط للتسويق لقناتها عوض الالتفات للجودة : ففي ' السينما المغربية " مثلا حيث الممثل هو قطب العمل ومحوره مع تهميش وتقزيم الممثلين الآخرين، في الوقت الذي نرى في السينما والدراما العربية تعدد الوجوه، من هنا يكون مسوحا لنا طرح السؤال التالي : هل تعاني السينما المغربية حقا أزمة نجوم وغياب المواهب ؟ أو أنها مجرد عقليات تعتمد الفنان الأكثر شهرة وظهورا و طلبا عند الجمهور، والأغلى في شباك التذاكر. لاستيعاب هذه التساؤلات وغيرها، لابد وأن نفهمها من منطلق منهج مقارنتي، فمجرد عقد مقارنة بين تاريخ السينما المغربية والسينما العربية من جهة (= وبالضبط المصرية ) والسينما الغربية من جهة أخرى (= الأمريكية والأوربية ) كنماذج، قد يكون في شبه المحال، ذلك أن السينما الغربية قد فرضت علينا نفسها بحكم الأسبقية والمردودية ومن بعدها السينما المصرية، هاته الأخيرة التي راكمت أعمالا فنية كانت جلها ناجحة وعلى مدى قرن من الزمن أي بعيد ظهور السينما بسنوات، ساعدها في ذلك الاحتكاك تقنيا بالتجارب الأجنبية المتمثلة في الاستعمار الإنجليزي، وأيضا في حضارتها الضاربة في أعماق التاريخ، كل هذا وغيره كان له عظيم الأثر في صناعة سينمائية فريدة في الوطن العربي، وإن كانت معظم الأعمال مقتبسة من الأعمال الفنية الغربية، فعلى الأقل استطاعت السينما المصرية أن تخلق لها مكانا ضمن أمكنة الفن السابع على المستوى العالمي، حيث طغى التقليد والاقتباس جميع طقوس الحياة الغربية وتم تجنيسها بالجنسية المصرية، بالرغم من عدم صلتها بالواقع العربي المصري الصعيدي، ولم يقف الحد عند ذلك بل تحداه إلى تقليد كل الجوانب التقنية المتعلقة بالسينما، وبالضبط مواصفات الممثلين والممثلات وأشكالهم وطرق آدائهم بل وحتى تصاميم مناظر كثيرة للمشاهد السينمائية وبالضبط في الأفلام الكلاسيكية ( فيلم انتصار الشباب، وأبي فوق الشجرة، سلو قلبي، ....... وجل الأفلام الاستعراضية ...). تراكم التجارب وتراكم التيمات التي اشتغل عليها المخرجون المصريون خلقت لنا عددا من النجوم الموهوبين يصعب عدهم، طبعا لأن النجومية لها علاقة وطيدة مع الموهبة ولأن الموهبة هي الفيصل الحاسم في الاختيار، بالإضافة إلى معايير أخرى، مرة سئل أحد الفنانين المرموقين عن وجهة نظره في عادل إمام فرد قائلا : " من يدخل لرؤية عادل فإنه يدخل لرؤية عادل إمام ومن يدخل لرؤيتي أنا فإنه يدخل لرؤية المسرح "، والمتمعن لهذا الرد يرى أن صاحبه بالرغم من تمجيده لعادل إمام كنجم، فإنه لم يقم بتصنيف الفنانين بقدرما ما صنف المتفرجين والوافدين على المسرح، وهي إشارة خفية إلى أن النجومية مرتبطة بالعمل المراد عرضه ولا علاقة له بالشخص، لأنه كلما ارتبطنا بالشخص/الممثل، كلما ادخلنا ذواتنا وبالتالي يصبح حكمنا على الموضوع دون غاية، وأيضا إشارة إلى أن الفن صنعة تقتضي مهارة الصانع، نشير هنا إلى أن فيلم " حليم " الذي يعتبر من الأفلام العربية الجديدة التي تحكي كل تفاصيل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، والتي شخصها بامتياز الفنان المقتدر أحمد زكي، وبسبب وفاته المفاجيء لم يكتمل هذا العمل، فكان أن تم التفكير في اختيار ابنه كي يكمل مشوار والده أولا للشبه وثانيا لموهبته الإبداعية، قلت بالرغم من ذلك فلم تكتب له النجومية التي كتبت لوالده بالرغم من الوفاة التي حالت دون تكملة الفيلم، وننقل هنا ما تنقالته إحدى المنابر الإعلامية على لسان ابن أحمد زكي في إحدى حواراته، يقول : "كنت أتمنى أن يستقبلني الجمهور بشكل أفضل لأنهم أصحاب النفوذ في تقديم أي موهبة و لكني أشعر بأن الجمهور خذلني و خذل أحمد زكي ولم يقبل علي الفيلم رغم المجهود الضخم الذي بذل فيه من جميع المشاركين فيه". وبناء عليه فإن المرحلة الكلاسيكية كما يسميها البعض في السينما المصرية والتي شكلت الدروة في مجال الإبداع والإنتاج، تعتبر جل الأفلام السينمائية التي صنعت فيها مرحلة اتسمت بظهور موجات من الممثلين الذين مزجوا بين كل مناحي الفنون فمن التشخيص إلى الفكاهة إلى الغناء والطرب وإلى سينما العرائس والسينما الإستعراضية...... والأمثلة كثيرة في هذا المقام . كل ذلك ساعد على ظهور معبودين للجماهير ( = فنانون وفنانات كأم كلثوم ، فريد الأطرش، عبدالحليم حافظ، اسمهان ، محمد فوزي، شادية، هدى سلطان فيروز، .......وغيرهم كثير )، نجاحهم على مستوى الأغنية وشهرتهم على مستوى شباك التذاكر ساهم في نجاحهم بل وساعدتهم الموهبة الفنية التي ظهرت مع أفلامهم على مقدرتهم الإبداعية الكبيرة، وكنا نرى في كل فيلم باقة من الفنانين يصعب علينا أن نفرز فيها بطل الفيلم وسطهم، بل حتى الكومبارس يتحول إلى بطل حيث الفكاهة تمزج مع الأداء، والدراما مع الكوميديا ( = اسماعيل ياسين، أنور وجدي، عبدالسلام النابلسي، زوزو نبيل، شادية، شكوكو، فؤاد المهندس شويكار.... في أفلامهم الاستعراضية)، وغيرهم كثير ممن صنعوا الدراما العربية بكل امتياز . في المغرب وأمام غياب تاريخ حقيقي موثق للسينما كمعطى ثقافي/فني، ومع غياب تراكم على مستوى الكم والنوع، بل وغياب سياسة واضحة في وقت كانت فيه مصر رائدة وكان المغرب في عداد المستهلكين ينتظر ما تنتجه الصناعة السينمائية المصرية ومن بعدها الصناعة السينمائية الهندية (= بوليود ) أو الأفلام الأمريكية من خلال أفلام رعاة البقر (= هوليود )، حينها كان المستعمر الفرنسي في المغرب يعتو فسادا، منهمكا فقط في تصوير أفلامه الوثائقية والتحسيسية التوعوية عن المغرب وللمغرب والتي كانت تخدم فكره الكولونيالي المبني على كل ما هو برغماتي، هذا المستعمر الذي لم يجعل من المغرب إلا استديوهات وبلاطوهات طبيعية لتصوير وتمرير منتجاته وأفكاره وإديولوجياته السينمائية، ولم تكن الانطلاقة الحقيقية تقريبا إلا في سنة 1969م تاريخ ظهور أول فيلم روائي مغربي بالمعنى الدقيق للفيلم، دون أن ننسى أن الإرهاصات الأولى للتجربة السينمائية المغربية كانت مع عميد السينما المغربية : المخرج محمد عصفور والذي حاول بعصاميته أن يؤرخ لمرحلة حرجة من تاريخ المغرب بأفلامه بالرغم من بساطتها " الابن العاق" و" طرزان " و" الكنز المرصود" مع نجوم أيضا عصاميين مثل : محمد الكنوس و زاكي بوخريس وجميلة فنان و الحاج فنان و الطاهر جيمي وأمير العياشي ..... ، فقط وحدها " الحلقة " التي كانت سائدة في ربوع الوطن وتنقل " الحلاقية " بين الأسواق والمدن، خلق لنا نجوما شعبيين مازالت أسماؤهم عالقة في أذهان جيل الخمسينات والستينات والسبعينيات إلى الآن ( نجد مثلا من النجوم : خليفة، نعينعة، فرقة بوشعيب البيضاوي، ولد قربال، خلوق، لمسيح، ولد قرد، بوغطاط، ولد خرشاش .... ) وغيرهم كثير ممن أضحكوا وأبكوا أجيالا بكاملها في وقت كانت فيه السينما المغربية تمشي مشية السلحفاة... والملاحظ أن الثنائيات كانت سائدة في نظام " الحلقة "، وما نراه حاليا في ساحة " جامع الفناء " بمراكش لخير دليل على ذلك، وإن كانت الحلقة في بدايتها الأولى كان لها روادها وشيوخها، فمانراه اليوم مثلا في مراكش ما هو إلا نسخة معطلة ومشوهة ومشلولة غير متلمذة على أحد، ولذلك فلم تكتب لها النجومية بالشكل المطلوب الذي كنا نراه في السابق. بناء عليه فإنه لا يمكن فهم النجومية كنتيجة يتمناها كل من وطأت رجلاه هذا العالم إلا من منطلق مقارنتي من خلال النموذج المغربي والمشرقي (مصر) من جهة، والنموذج الغربي ( أمريكا وأوربا ) من جهة أخرى ونقول بأنه : أولا : إذا أمكننا القول بأن التجربة المغربية اتسمت بضعف التراكم، فإن التجربة المصرية مثلا اتسمت بقوة التراكم وفي التجربة الغربية تجاوزت الكم للبحث عن النوعية متجاوزة بذلك ضعف وقوة التراكم . ثانيا : إذا أمكننا القول بأن التجربة المغربية حديثة العهد فإن التجربة المصرية مثلا اتسمت بتوال زمني على مستوى صناعة الفيلم الشيء الذي كان له بالغ الأثر في ظهور نجوم قل نظيرهم في وقتنا الحالي، في حين اتسمت التجارب الغربية بالاكتمال والتكامل القوي.. ثالثا : إذا أمكننا القول بأن النجومية في المغرب تم التأريخ لها انطلاقا من إنشاء بعض المعاهد التكوينية الخاصة بالمسرح والتنشيط وعبر تجارب الجمعيات الثقافية والفنية، وظل الممثل فقط يبحث عن الظهور في الشاشة كأول نجاح له في اتجاه النجومية، فإن اختيار الممثل بناء على معايير حقوقية والتزامية ظل هو المحدد الرئيسي للنجومية في الدراما العربية وبالضبط المصرية والسورية واللبنانية ومن بعدها التركية والإيرانية، مثلا مع مسلسلات أوائل السبعينات وبداية الثمانينات مثل مسلسل : " عازف الليل ومسلسل ربيع ومسلسل ندير ومسلسل الصمت والمتنبي وغير ذلك......، في حين نرى في التجارب الغربية اكتمال النموذج بحيث أصبح متجاوزا بذلك أسئلة الغلاف المالي أو الحقوق الثابتة للممثل بل إن ذلك أصبح من المسلمات التي لا نقاش فيها، وتجوزت بحكم تطور العقليات والتشريعات القانونية، وظهر ما يصطلح عليه بالديمقراطية الفنية. رابعا: إحدى التحقيقات التي قامت بها إحدى المجلات المغربية منذ مدة كشفت بالملموس من خلال عنوان عريض : " شحال كيشدو النجوم "، وأشارت بالضبط : للفكاهيين والفنانين والموسيقيين والعاملين بقطاع التلفزيون وتساءلت من أين يكسبون وكم يحصلون في الشهر، وهل بالفعل نتوفر على نجوم على شاكلة نجوم هوليود و بوليود أو حتى القاهرة، واستنتجت بأن " نجومنا " بين قوسين، لا يربحون كثيرا مقابل خدماتهم الفنية لذلك لا يقتصرون على مجال واحد بل عدة مجالات وأشارت هنا للإشهار والاشتغال خارج حقل الفن، ونخلص نحن هنا إلى أنه في غياب قانون صارم للفنان سيبقى عرضة للمساومات الفارغة، وبالتالي سيبقى كل من هب ودب يعتبر نفسه فنانا، بل وسيترنح الفنان المحترف - أمام هذا المصاب الجلل - بين الاحترافية والازدحام مع المبتدئين الذين يدعون النجومية بدعوى ظهورهم ومشاركتهم عدة مرات على الشاشة العمومية، ونشير هنا أننا لا نطعن في ذوي الكفاءات التي تتوفر على مواهب إبداعية بغض النظر عن أنهم تكونوا أكاديميا أم لا، بل بالعكس فالتجربة المعتمدة على الموهبة غالبا ما تسخر من النظرية . خامسا: إذا جاز لنا كل ذلك وغيره، يمكن القول بأن النجومية في المغرب مازالت في بداياتها الجنينية، فإلى حد الآن لا يمكن فرض الممثل الواحد على المخرج إلى درجة أن هاته الظاهرة أصبحت تمر وفق العلاقات الشخصية، وما المهرجانات وكثرتها إلا سوقا لعرض الممثلين على المخرجين، وأيضا تجدر الإشارة إلى أن هناك مقاهي في مدينة الدارالبيضاء معروفة أصبحت أيضا " موقفا " أي سوقا خاصا بالتقاء الممثلين والمخرجين، فقليلا ما تسمع – في المغرب - بأن الممثل لا يقبل إلا الدور الذي يرضاه، وحتى إن قرأت ذلك في بعض الحوارات الخاصة ببعض الممثلين في بعض الجرائد والمجلات المتخصصة، فقط لأن هذا الممثل أو ذاك يجد الفرصة من خلال الصحافة لإعادة الاعتبار لنفسه، والواقع عكس ذلك فالممثل عندنا في المغرب كما كان يردد أحد الفنانين الشباب يجب أن يكون كالحرباء وأن يتلون بتلاوين الدور الذي سيفرض عليه لا الذي سيفرضه هو وتلك حقيقة لا يعترف بها إلا من وطأت رجلاه عالم الفن وفي قرارة نفسه العمل بعيدا عن الأضواء، طبعا هنا يحضر هاجس الاشتغال والعمل من أجل كسب المعيش اليومي، وإلا سيبقى عرضة للبطالة الفنية، ومن تم لا نتعجب إذا قلنا بأن الفنان في المغرب يقبل أي دور وإلا ستكثر عليه الاستفسارات والأقاويل عن سبب غيابه، ومن تم سيأفل وسيذوب نجمه الذي يعتقد بأنه كان لامعا، في حين نرى في التجربة المصرية مثلا أن المخرج يعرض الدور على الممثل النجم بناء على مواهبه الإبداعية ووسامته وبنيته وأيضا مردوديته الفنية في الشباك علما أن جل الفنانين المصريين برعوا في المسرح ، أما النجم في التجربة الغربية فيبحث عن النوع/ الدور المتناسب مع اختياراته طبعا مع تقنين الجانب الذي يضمن حقوق جميع المهن الفنية عموما السينمائية على الخصوص. إن النجومية في السينما العالمية كما تم أجرأتها من لدن المنظرين للشأن السينمائي كل من منطلق توجهاته، لها دعامات متعددة وليست سهلة، ولها علاقة وطيدة بمؤهلات الممثل ومدى قابيلته على إدارة نفسه بشكل يقنع به مخرجه ومدى تجاوبه مع محيطه المهني، الدراما المصرية حاولت ملامسة ذلك مع روادها من خلال اقتباساتها الناجحة من التجارب الغربية ، فيما تبدو صفة النجومية في التجربة المغربية دون مرتكزات و يتم تمريرها لفائدة بعض فنانينا لأسباب متعددة، الشيء الذي يكون له بالغ الأثر بالسلب على مردوديتنا الإبداعية، وبالتالي تكثر الاحتجاجات العمومية بدعوى أن تلك الانتاجات على ضعفها هي هدر للمال العام . لكن لنتساءل عن بعض الأسباب المشوشة التي تجعل من تصنيفنا هذا الفنان أو ذاك بأنها مجرد عقلية تعتمد الفنان الأكثر شهرة، أوالأكثر طلبا عند الجمهور أو .....؟ . أولا : التكريمات الوطنية والدولية : أيضا هي نوع من المجاملات التي قد تخلق لنا من اللانجم نجما، الاعترافات والتكريمات للمهرجانات الإقليمية والدولية لبعض فنانينا أيضا تجعلنا أمام مأزق الآليات المعتمدة في المغرب لتصنيف هذا الفنان أو ذاك نجما أو غير نجم، فقد تكون صائبة كما قد تكون غير ذلك، قد تكون صائبة بحكم أن يكون بالفعل ذلك الفنان يستحق التكريم، و تم تهميشه لسبب من الأسباب لا نعرفها كاتخاذه مثلا موقفا من المواقف المناوئة للسياسة السينمائية والثقافية المتبعة مثلا،... التكريمات في المغرب لها طقوسها كما لها آلياتها، فلا يعترف لك بالنجومية ولكن يعترف لك بتشبتك بالفعل الفني ليس إلا، التكريمات في المغرب غالبا ما تبرمج فقط ضدا على الاحتجاجات التي قد تصدر من جهة أو من أفراد لهم معايير تعتمد الممثل الأكثر شهرة، ولكن لنتفق مبدئيا أن التكريم غالبا ما يقام ليس اعترافا بالنجومية، بل اعترافا بالحضور المتميز والمشرف لهذا الفنان أوذالك وخصوصا في الأعمال الأجنبية ( = ومن الأمثلة الموسمية للتكريمات في المغرب: نجد نجوم بلادي التي تركز على الحضور والتشبت اكثر من النجومية وخصوصا في الوسط الإعلامي إضافة إلى التكريمات المبرمجة في المهرجانات الفنية ...) . ثانيا : الاشتغال مع الأجانب سواء العرب الأشقاء أو الغرب : فكلما نودي على فنان مغربي لتشخيص دور من الأدوار في إحدى الملاحم أو الأعمال الكبرى، إلا ويتم الاعتراف له أوتوماتيكيا بالنجومية، فقط ننتظر اعتراف الآخر بنا، كي نعطي المصداقية لنجومنا، وخير مثال على ذلك : محمد مجد، محمد حسن جندي، حميدو بن مسعود، البشير اسكيرج، المرحوم العربي الدغمي، الطيب الصديقي، محمد مفتاح...... وخصوصا في الأفلام التاريخية : كفليم عمر المختار وفيلم الرسالة وغيرهم.........، أما على الصعيد العربي فخير دليل على ذلك : عمر الشريف الذي مثل العرب في عدة أعمال عالمية. ثالثا : التغطيات الانطباعية ودور الإعلام في تثبيت النجومية أو الرفع أو الحط منها : تنتابنا في كل لحظة وحين أسئلة مفادها أننا نهيء أسئلة حوارية لنواجه بها فنانا معينا، هذا إذا اتبعنا المنهج الحواري الجاهز ، وبمجرد ما نجالسه وبحكم أخلاقيات المجالسة والحوار نجد أنفسنا أمام مأزق إحراج محاورنا، بالطبع بعدما تسبق تلك المحاورة دردشة حميمية تنتج عنها مجاملة في الحوار، الشيء الذي ينتج عنه حوار مشوه، ومن تم تجد نفسك أمام حوار كرهت أم أحببت غير صادق، إذ لا محالة ستقوم بتقويمه لصالح هذا الفنان أو ذاك وتكون قد نقلت للقاريء نجومية مفبركة وكاذبة، قد تؤثر على المنظومة الفنية لهذا البلد أوذاك إذا ما تعلق بمحاورة الفنانين الأجانب، كما قد تؤثر عليه هو شخصيا، إذ سيتعقد أنه بالفعل أصبح فنانا نجما من العيار الثقيل . رابعا : غياب نجوم الشباك : يعتقد البعض أننا نتوفر على أفلام أو فرق مسرحية تحقق أرباحا طائلة من وراء أعمالها، والمتعمق في ما يصطلح على تسميته " بنجم الشباك " سيتأكد بأنه بالرغم من بعض المحاولات العابرة التي لم يكتب لأصحابها النجاح وخصوصا في المسرح أواخر الثمانينات وأواسط التسعينات، فإنه سيكون من العبث وخصوصا في المغرب الحديث عن هاته التقنية، لأن كل شيء مازال جنينيا بالنسبة لنا، وهنا نتحدث عن الأعمال المغربية الصرفة، والتي يرى فيها المتلقي/المتفرج صورته ومعاناته وإحباطاته، لا المعاناة المستوردة والتي تعكس واقعه وكيانه وهويته. خامسا : تقنين مهنة الكاستينغ/ أو الذي يختار الأدوار : وهنا مربط الفرس إذ الملاحظ في الوسط الفني أن جل الأدوار تحتاج إلى مدبر محايد يهمه بالدرجة الأولى العمل، وبالدرجة الثانية إرضاء المتلقي/ المتفرج الذي ينتظر ما ينتج، فأغلب الأدوار التي تناط ببعض الممثلين في الغالب ما تتم وفق منطق العلاقات الشخصية التي تربط الفنانين فيما بينهم أو التقنيين أو المخرجين، ومن تم نجد أنفسنا أمام أدوار مشوهة، ويظهر فيها صاحب الدور الثاني أو الثالث متفوقا على صاحب الدور الأول، وهكذا. أسباب ومطارحات كثيرة ومعقدة مازالت تراوح مكانها بحثا عن السبيل الحقيقي لامتلاك كل المعايير والآليات التي بها ومن خلالها ندخل بوثقة المعايير العالمية، أعتقد أنه ومن منطلق قرينة بسيطة مفادها أنه في غياب أعمال سينمائية فنية جريئة وشجاعة، طبعا مع وجود مخرجين أكفاء وكتاب سيناريو ذوو سعة تخييلية وإبداعية، يمكننا من خلال هاته المعطيات وغيرها، بالإضافة إلى إدارة جيدة وموهبة وإحاطة علمية للممثل، وأيضا ضبط كل الآليات القانونية والوااقعية التي تضع الممثل فوق كل اعتبار وكل مساومة مجانية وتفكير واعتبار دقيق لمستهلك هذا العمل الفني أو ذاك، قد نصادف ونلامس يوما ما نجوميتنا من خلال نجوم نشعر أنهم منا وإلينا، ونكون بالتالي أبعد ما يكون على تلك العقلية التي تنظر فقط للقشور، والغوص فيما يمكن أن يلمع نجومنا ويصقل بالتالي موهبتهم. ملخص القول فإن النجومية في السينما المغربية تظل بدون دعامات، فيما يتبين لنا أنها تكاد تكون واضحة المعالم في السينما العربية : المصرية بالأساس ومن بعدها الدراما السورية والتركية والإيرانية والصينية مؤخرا، أما في السينما الغربية (= الأمريكية مثلا ) فقد تجاوزت كل الأبجديات وكل التوقعات، وركزت دعائمها منذ عقود خلت، وانتهت من كل ما استعصى علينا نحن بدءه. ولا يسعنا إلا أن نؤكد أنه في غياب من يفكر في ترسيخ ذلك ، سوف لا نجد مبتغانا إلا من بدائل نراها ضرورية في الوقت الذي تتبعثر فيه كل الأوراق ، بدائل يحضر فيها الشعور الوطني والإنساني : ويتمثل في العمل الجماعي داخل الفيلم، والنظر بعين ثاقبة لما يأتي ولما يواكبنا : خصوصا وأننا نعيش عولمة متوحشة إذا لم نحتاط من وحشيتها فعاجلا أم آجلا ستتركك في الصفوف الخلفية، ومن تم يصعب عليك أن تخطو خطوات أمامية، هاته البدائل وغيرها يمكن تصنيفها كنماذج بديلة لما نحن منهمكون فيه، طبعا طرحنا هاته الاقتراحات لتعلقها بكل ماهو ثقافي فني إنساني تربوي وإبداعي، تحضر فيه قيمة التعاون والتشارك وتذوب فيه " كذبة النجومية " الجوفاء والفارغة من كل إبداع شفاف وحقيقي يخدم الوطن والهوية . لنطرح النقاش من جديد ونرى هاته الوضعية التي مازالت تؤرقنا دونما حسيب او رقيب، لطرحها بطريقة هادفة وهادئة دونما تشنج، واضعين نصب أعيننا أمر ينظرنا اسمه السينما المغربية وما يجب ان تطلع به من أدوار لتجعلنا كمغاربة في الصفوف الأمامية للأمم بآليات وضوابط اسمها الهوية المغربية. - مهتم بالسينما [email protected]