من منا وهو يتابع مجريات مقابلة ربع النهاية الثانية لكأس أمم أفريقيا بأنغولا بين منتخب الجزائر ومنتخب ساحل العاج لم يتمن أن يكون لدينا منتخب كبير كمنتخب الجزائر الملقب رجاله بمحاربي الصحراء ؟ منتخب متكامل ، بدفاع قوي ووسط ميدان نشيط وهجوم مشاكس ، بطاقم تقني وطني جزائري محض مائة بالمائة عرف كيف يسيطر على مجريات المباراة بذكاء كبير وباستماتة وروح قتالية عالية . منتخب متماسك الخطوط ، بمنسوب هائل على مستوى اللياقة البدنية وبمعنويات مرتفعة جدا ، وببنك احتياط قوي وجاهز لتعويض المصابين والمنهكين وتسجيل الأهداف في الأوقات القاتلة . منتخب عرف كيف يتفوق وكيف ينتصر بالنتيجة والأداء ، كيف يقاتل ويصمد حتى آخر لحظة من عمر النزال ، وكيف يفرض عناصره أنفسهم وإرادتهم وسيطرتهم على خصومهم وعلى دورة أنغولا كمنتخب يستحق الصعود إلى منصة التتويج وانتزاع كأس الأمم الإفريقية . منتخب يحب بلده ، يعشق ويموت في ألوان راية وطنه ، ترك لاعبوه لحمهم ودماءهم على أرضية الملعب ، ومرغوا جثث الفيلة الإيفوارية الضخمة في الأوحال ، فأدخلوا بذلك الانتصار التاريخي على الكوت ديفوار الفرحة والبهجة على الشعب الجزائري بالداخل والخارج . منتخب يمتلك الشجاعة والرجولة والروح القتالية عرف كيف يتعامل مع اللحظات الحرجة من المباراة باستنزاف وقتها وامتصاص ضغط الخصم واندفاعه ، بالاحتفاظ بالكرة وبشيء من التبوحيط والقوالب التي تدخل على أية حال في إطار حيل اللعبة كما فعل الحارس الداهية والعملاق فوزي شاوشي في عدة مناسبات خلال هذه المباراة. بمثل هذا المنتخب نصنع أمجاد البلد الرياضية والأفراح لشعبنا وننمي لديه الروح الوطنية وحب الوطن ورايته يا أيها القائمون على شؤون جامعة كرة القدم المغربية . بمثل هذا المنتخب الذي يؤطره ويدربه طاقم تقني جزائري خالص ، بقيادة إطار وطني كبير اسمه رابح سعدان يجر وراءه تاريخا طويلا ومثقلا بالألقاب والإنجازات وتجربة محترمة في مجال التدريب والتأطير الفني للعديد من الأندية العربية ومنتخب بلاده عبر مراحل ومحطات تاريخية متفرقة . مدرب عرف كيف يقود منتخب الخضر إلى المربع الذهبي ، وعرف كيف يبحر بفريقه وسط الأمواج العاتية التي كادت تعصف به بسبب الانتقادات الحادة التي تعرض لها من طرف الصحافة ووسائل الإعلام الجزائرية على خلفية اتهامه بضعف التحضير لدورة أنغولا وسوء اختيار المعسكر التدريبي المغلق الذي كان بمنطقة كاستيان بمدينة مارسيليا الفرنسية ، حيث الطقس البارد والقرب من ضغط الجماهير من أبناء الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا . مدرب أثبت بحنكته وتجربته أنه كان محقا وصائبا في قرار اختيار مكان وظروف المعسكر التدريبي، وظل صامدا ومصرا على المضي في مخططه وبرنامجه الإعدادي وعلى تحضير فريقه الوطني على كل المستويات. بمثل هذا المنتخب الذي يشرف على جامعته أو اتحاديته كما يسمونها في الجزائر رجل وطني عنيد يتمتع بقوة الشخصية وبالصرامة والحزم اسمه محمد روراوة ، لم يترك فرصة هزيمة المنتخب الجزائري الثقيلة أمام منتخب الملاوي في مستهل مشواره بهذه البطولة الإفريقية تمر من دون تأنيب اللاعبين على تهاونهم وتقاعسهم في الدفاع عن راية الوطن بما يلزم من التركيز والرجولة والروح القتالية في اجتماع طارئ دعاهم إليه ليلة تلك الهزيمة المذلة . لم يترك الفرصة تمر من دون " تجبيد " آذان اللاعبين على المستوى الهزيل الذي ظهروا به أمام منتخب الملاوي ، ولم يتركها تمر من دون تأديب البعض منهم على الضجة التي أحدثوها بخصوص مستحقاتهم المالية ومنحة التأهل إلى نهائيات كأس العالم وحصتهم من العقود الإشهارية ، وهم على بعد ساعات وأيام قليلة من انطلاق دورة أنغولا . حيث عاتبهم بشدة على إثارة هذه الضجة ونشر غسيلهم الداخلي خارج أسوار المنتخب ، ووبخهم على انشغالهم بالأموال بدل التركيز على التداريب والتحضيرات الجادة وهو ما جعل الجميع - كما قال المسؤول الجزائري - محل سخرية و انتقاد الجميع . وطبعا كان لهذه الوجبة التأديبية وهذه " الفلقة " التي حملت بصمة الرئيس بوتفليقة بكل تأكيد أثرها البالغ على نفوس اللاعبين الذين قابلوا اللهجة القوية التي خاطبهم بها روراوة بالصمت وإحناء الرأس ، ووقعها على عزائمهم وسلوكياتهم وانضباطهم فيما بعد . وهو ما ظهر في المباريات الموالية حيث انتصروا على مالي وحققوا تعادلا ثمينا ضد منتخب البلد المضيف أنغولا أهلهم للمرور إلى دور ربع النهاية . هذا هو منتخب الجزائر في حلته الجديدة والذي سيقول كلمته أيضا في مونديال جنوب أفريقيا الصيف القادم إن شاء الله. فما أعظم أن يحقق منتخب وطني الانتصارات تلو الانتصارات والتأهل لكأس العالم ولنصف نهاية دورة أممية بالاعتماد على جهود أبناء البلد وعلى كفاءة وخبرة الإطار الوطني ، وما أقسى أن يتحول أبناء شعب - راكمت منتخباته الوطنية الفشل والإخفاقات - إلى يتامى في ليلة عرس وفرح يذرفون الدموع ويتجرعون المرارة موزعين على ثلاث جنسيات عربية مشاركة في بطولة رياضية ، وعلى حب وتشجيع ونصرة رايات ثلاث دول عرف القائمون على شأن كرة القدم بها قيمة الإطار الوطني ( سعدان - شحاتة - البنزرتي ) واعترفوا به ووضعوا ثقتهم فيه وحملوه مسؤولية وعواقب إما إعلاء راية البلد أو تمريغها في التراب . هذا في الوقت الذي لم ينته فيه بعد السيد علي الفاسي الفهري وباقي أعضاء المكتب الجامعي الغارقين في سباتهم وصمتهم من ترقيع بكارة منتخبنا الوطني ، ومن البحث المضني عمن يفتض هذه البكارة من جديد بأي ثمن من المدربين الأجانب منذ خروجنا الكارثي من التصفيات المزدوجة لكأسي العالم وأمم أفريقيا . [email protected] mailto:[email protected]