يبدو أن تداعيات نازلة أمينتو حيدر، الصحراوية التي هزمت دولة بكل ترسانة قوانينها ومؤسساتها وأحزابها وجهابذتها في التحليل والتوقعات، بدأت تتجسد على أرض الواقع انطلاقا من الأقاليم الصحراوية. فها نحن اليوم أمام حالة من شأنها إظهار بشائر الحال الذي قد يخلقه ما دعا إليه صديق الملك، فؤاد عالي الهمة قائد "الأصالة والمعاصرة"، والرامي إلى "شرعنة المطالبة بالانفصال، ولماذا لا الدفاع على فكرة اعتماد "الجمهورية بالصحراء الغربية في ظل النظام الملكي"، وإن حدث هذا ستكون "الديمقراطية المغربية"، لا مثيل لها، مما سيجعل "طوكفيل" والمنظرين الأوائل للديمقراطية في صيغتها الحديثة يتململون في قبورهم. فكما حدث بالأمس القريب، إذ تمكن الانفصاليون الراغبون في "استقلال الصحراء" من استغلال مظلة حقوق الإنسان لتقوية قاعدة ما يسمى ب "بوليساريو الداخل" بين ظهرانينا، مما مكنهم من الدفاع عن الأطروحات الانفصالية من عقر الصحراء، بل من عاصمة المملكة، و إن كان الواقع الحال هذا يحسب للمغرب في مضمار مسار ما حققه في مجال الحريات الفردية والجماعية. وكما حدث بالأمس القريب بالأقاليم الصحراوية، إذ كانت انطلاقة الحركة الحقوقية على أيد مغاربة قليل منهم من أصول صحراوية (مرتبطين بالمنطقة المتنازع عليها)، لكن سرعان ما تغيّرالأمر كما هو الحال بالنسبة للمنظمة (كوديسا) التي تقوم على شؤونها أمينتو حيدر والمتابعين حاليا أمام القضاء العسكري والذين يعتبرون أبرز الناشطين بها. ها نحن اليوم نعاين انطلاقة جمعيات من نوع جديد، منطلقها سليم ومحمود، لكن من شأنها أن تتحول إلى فضاءات وآليات، مرئية ومستترة، لخدمة الانفصاليين دون أن يطالهم القانون، والحديث هنا هن منتدى الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في الصحراء المغربية، والذي قيل بشأنه إن مكتبه الإداري يضم عشر أعضاء ينتمون إلى خط الشهيد، أي يمثلون 20 بالمائة من الأعضاء، وبالرغم من أن المبادرة آتية من مجموعة من الأطر بالمغربية الصحراوية ترغب في دعم مشروع الجهوية الموسعة بأقاليم الصحراء المغربية، المفضي إلى تطبيق الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية كحل واقعي قابل للتطبيق فورا، والضامن لدم وجه جميع الأطراف، فإنه قد يشكل أنسب إطار لتجسيد ما يدعو إليه صديق الملك، فؤاد عالي الهمة، كما من شأن هذا المنحى أن تكون نتائجه وتداعياته أخطر بكثير من اعتماد الاستفتاء حول تقرير المصير. كما أنه من تبعات نهج التعاطي مع نازلة أمينتو حيدر أن تفضي إلى تصدعات بخصوص موقف الإجماع، ما دام فؤاد عالي الهمة يدعو إلى قبول قيام أحزاب أو جمعيات أو تنظيمات قد تدعو إلى الانفصال والدفاع عليه، وقد يكون هذا الموقف مقبولا ومهضوما إن كان قد صدر عن شخص غير فؤاد عالي الهمة، لكن وأن يصدر عن صديق الملك، فإنه مؤشر يدعو إلى ضرورة المطالبة بفتح حوار وطني حول قضية الصحراء، لإعطاء انطلاقة جديدة لنهج آخر، غير المعتمد إلى حد الآن، لتدبير ملفها داخليا وخارجيا، وذلك لضمان إشراك مختلف المكوّنات والفعاليات وتكريس تمكين المجتمع المدني من تحمل مسؤوليته، كاملة غير منقوصة، في هذا المضمار دون عراقيل ولا ضغوطات أو "وضع العصا في العجلة" كما يحدث الآن.