وسطَ حضور من المهتمِّين بالسينمَا، فِي صباحٍ ماطر، عادَ المخرجُ الجزائرِيُّ، مرزاق علواش، إلى الأيَّام الأولَى لاقتحامهِ مضمار الفن السابع، بالجزائر التِي كانت خارجَة لتوهَا من حقبة الاستعمار الداميَة، وكيفَ تأتَّى لهُ العملُ فِي سياقٍ سياسي بعيدٍ عن التعدديَّة الحزبيَّة في قبضة "جبهة التحرير الوطني". علوش حضرَ إلى قاعةِ الفنِّ السابع بالرباط، بعد تتويج فيلمه "التائب" بجائزة "أوروبا سينما"، على هامش تظاهرة المخرجين في مهرجان كان السينمائي الدولي، وهُو فيلم يحكِي قصَّة شابٍّ يدعى رشِيد، يتخذُ قرارًا بالعودَة إلى قريته في الوقت الذي كانت الجماعات الإسلاميَّة مواصلة زرع رعبها، حيث يقرر الشاب مغادرَة القتال في نطاق قانون "العفو والوئام الوطنِي"، لكن رغم ذلك، لا يتمكن القانون من محو جرائم رشيد، الأمر الذِي سيقودهُ إلى رحلة متواصلة في أتون العنف والسريَّة والتلاعب. تطرقُ علواش إلى حقبةٍ الاضطرابات التي عرفتها الجزائر في أعقاب انقلاب الجيش الجزائرِي، سنة 1992، على الانتخابات التِي فاز بها إسلاميُّو "جبهة الإنقاذ"، كانَ حلقةً من سلسلة انكبَّ بها على مواضيع اجتماعيَّة في الجزائر، كالهجرة السريَّة التِي أفردَ لها فيلم "الحراكة" في 2009، وهُو عملٌ يحكِي محاولة مجموعة من الشباب الجزائرِيين، عبور البحر الأبيض المتوسط بطريقة غير شرعيَّة، بغرض الوصول إلى جنوب إسبانيا، في رحلةٍ مثيرة تربكها الطوارئ. وإنْ كانَ المخرجُ الجزائرِي قدْ راكمَ عقودًا من العمل السينمائِي، شهدَ فيها على الكثير من الأعمال والنقاشات فإنَّ حال السينما المغاربيَّة يشعرهُ اليوم، بكثيرٍ من الأسَى، كما صرحَ بذلك، لهسبريس على هامش اللقاء، فبالرغم من وجود أفلام تصور في المغرب والجزائر كما في تونس، إلَّا أنَّ ثمَة مشكلًا في الجمهور الذِي لمْ يعد يذهب إلى القاعات السينمائيَّة، وهو إشكالٌ ينسحبُ على القاعات السينمائيَّة في المغرب كما في الجزائر، وقدء أضحَى عددها يتناقصُ أكثر فأكثر. انصرافُ الناس عن السينما، وإحجامهم على دخولِ قاعاتها في الدول المغاربيَّة، كما يقول علواش، وازاهُ تحولٌ نحو التلفزيُون والمسلسلات التركيَّة كما السوريَّة، وبمَا أنَّ تقليد الذهاب إلى السينما قدْ ولَّى، فإنَّ المخرجَ باتَ يشعرُ بالإحباط، حين ينتهِي من فيلم، لأنهُ يدرِي حجمَ الإقبال ودرجة اكتراث الناس، "زد على ذلكَ مشكلًا في توزيع الأفلام بين البلدان، أيْ أنَّ الفيلم المغربِي مثلًا لا يجدُ طريقه إلى لبنان أوْ مصر أوْ دول أخرى، وإنْ كانت بعض الأفلام المصريَّة تجدُ لها مكانًا في دول عربيَّة أخرى، إلَّا أنَّ التبادل يبقَى في مستوى ضعيف"، يستطردُ صاحب "الحراكة". وعن السبب في تراجع السينما بالمنطقة المغاربيَّة رغمَ أنَّ دولًا متقدمةً تكنلوجيًّا، لا زالَ الناسُ يقصدُون فيها القاعات لمشاهدة الأفلام، رغم وجود إمكانية متابعتها عبر حواسيبهم وأجهزتهم، أوضحَ علواش أنَّ السينما عبارة عن سلسلة مترابطة، بين الإبداع والصناعة والتمويل والجمهور والتربية، وكيْ تزدهرَ الصناعة السينمائيَّة يحتاجُ الفيلم إلى أنْ يستأثر بمتابعة ويجلب مشاهدين إلى القاعات، وهي سلسلةٌ منفرطة عندنا، يقول علواش، الأمر الذِي يجعلنا في حاجة إلى تربية الناشئة على الثقافة السينمائيَّة وحفزها على ارتياد القاعات والخوض في النقاش، بكل حريَّة.