يحتفل المغرب في خامس وعشرين نونبر من كل سنة، على غرار باقي بلدان العالم، باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، مؤكدا بذلك انخراطه التام في هذه المعركة الطويلة، لحماية المرأة من أي ممارسات مهينة تؤثر سلبا على وضعها كمواطنة تتمتع بكامل الحقوق. "" فالإحتفال بهذا اليوم الذي اعتمدته هيئة الأممالمتحدة، يشكل بلا شك، مناسبة لتحسيس الرأي العام وتعبئته حول هذه القضية الشائكة، وإماطة اللثام عن العديد من السلوكات المشينة التي تعاني منها النساء. ويأخذ العنف ضد النساء، والذي تعاني منه شريحة واسعة من نساء العالم، يأخذ أشكالات متعددة، تتراوح ما بين عنف جسدي (الضرب والصفع والحرق)، وعنف جنسي (الاغتصاب والتحرش والإهانات المتكررة، والحرمان من الحرية)، واقتصادي (سلب للرواتب) وقانوني (حرمان من المعاش)، مما يؤثر بشكل خطير على مساهمة المرأة في تنمية المجتمع، ويعزز بالتالي أشكال التمييز بين الرجال والنساء. أما العنف المنزلي، فما زال للاسف، أكثر الأشكال شيوعا في المغرب، كما يتضح ذلك من الإحصاءات السنوية التي تقدمها العديد من جمعيات المجتمع المدني، التي تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة، والتي تعبر عن خيبة أملها لاستمرار هذا الواقع المرير. لكن المغرب، وعيا منه بضرورة القضاء على هذه الممارسات، وتعزيز الترسانة القانونية لمكافحة كل أشكال العنف بإشراك المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، اعتمد جملة من التدابير تشمل على الخصوص الميدان القانوني، وذلك بهدف ضمان حماية ناجعة لحقوق المرأة. وينبغي التذكير في هذا الصدد بأحكام مدونة الأسرة التي تشكل بجلاء، خطوة متجددة في مجال توفير الحماية القانونية للمرأة. وقد حظيت هذه المدونة بترحيب عدة هيئات ومنظمات حقوقية دولية، على اعتبار أن مقتضياتها تتماشى والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وتضمن للمرأة المغربية حماية صلبة من خلال آليات عملية وموثوق بها. وتم تعزيز هذه الخطوة الهامة بتعديل قانون الجنسية الذي يكفل حقوقا جديدة للمرأة، لاسيما ما يتعلق منها بالنسب، إلى جانب إحداث نظام للحصص "الكوطا"، لإعطاء دفعة قوية لتمثيلية المرأة في البرلمان وفي الجماعات المحلية. وفي خضم هذه الإنجازات، يتم حاليا بلورة مشروع قانون لتجريم العنف ضد المرأة، يستلهم مبادئه من تعاليم الإسلام السمحة، ومن قيم المجتمع المغربي والإنجازات التي حققها المغرب في مجال صون حقوق المرأة. ويهدف المشروع إلى إعطاء تعريف دقيق للعنف ضد المرأة، وإدراج مواد جزرية في قانون العقوبات لمكافحة هذه الآفة، وإلغاء مواد أخرى، من قبيل تقديم المرأة لحجج لإثبات حالة العنف ضدها، خاصة غياب شهود. وتوجد أيضا مبادرات أخرى تتمثل في وضع استراتيجية وطنية لتحقيق المساواة والإنصاف، وكذا البرنامج الوطني للتربية على المساواة بين الجنسين في المدارس الإبتدائية، وأيضا إدراج بعد النوع في إعداد وتحليل الميزانية العامة للدولة. أما على الصعيد الدولي فإن مناهضة العنف ضد النساء يحظى بالأولوية لدى المنظمات الدولية، ولا سيما الأممالمتحدة التي تسعى جاهدة إلى توعية المجتمع الدولي بضرورة القضاء على العنف ضد النساء والفتيات، في جميع أنحاء العالم. ويمكن في هذا السياق التذكير بمصادقة الجمعية العمومية عام 1993، على الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد النساء، الذي اعتبر هذه الممارسة انتهاكا لحقوق الإنسان، وشكلا من أشكال التمييز ضد المرأة. كما ينبغي التذكير ببرنامج العمل الذي اعتمد في بكين عام 1995 خلال المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، والذي صنف العنف ضد المرأة في خانة المجالات ال12، التي ينبغي على الحكومات والمجتمع الدولي إيلاءها اهتماما خاصا. وكان الامين العام الأممي بان كي مون قد أطلق في فبراير 2008 حملة دولية بعنوان "لنتحد جميعا لمناهضة العنف ضد المرأة"، تمتد إلى سنة 2015. ودعت هذه الحملة الحكومات، والمجتمع المدني والمنظمات الأهلية والقطاع الخاص ووسائل الاعلام ومنظومة الأممالمتحدة بأسرها، إلى توحيد جهودها للتصدي للعنف ضد النساء والفتيات، واصفا هذه الظاهرة ب"الوباء العالمي". وترتكز هذه الحملة على الإطار القانوني والسياسي الدولي القائم، وتستمد قوتها من هذا الزخم الهائل من المبادرات التي أطلقها العديد من شركاء هيئة الأممالمتحدة والحكومات والمنظمات غير الحكومية.