في سابقة أولى من نوعها جاء الخطاب الملكي واضحا وصريحا وقويا لا يعكس الطبيعة الهادئة لملك البلاد ويذكرنا بخطابات المغفور له الملك الحسن الثاني في لحظات انفعاله القوية. "" خطاب الملك لعيد المسيرة تضمن إشارات تنبئ بأن مغرب اليوم عازم على تجاوز سياسات المهادنة والتردد في معالجته لقضية الصحراء ونهج سياسة جديدة تحمل في طياتها نفسا يكتنفه نوع من الصرامة والحزم في التعامل مع كل طارئ يحاول أن يعصف بكل ما أنجزه العهد الجديد في مجال الديمقراطية و حقوق الإنسان. المغرب ورغم انه محاصر بالتزاماته تجاه المواثيق والعهود الدولية وحريص على التمسك بالمسار الديمقراطي الحداثي الذي أسس له الملك الشاب منذ توليه مقاليد الحكم إلا انه أيضا بدا حريصا من خلال الخطاب الملكي أن يتعامل بصرامة مع كل أولئك الذين يعانون من الشيزوفرينيا السياسية وذلك بتبنيهم مواقف مزدوجة براغماتية ترقص على كل طارئ ومستجد لخدمة مصالحها الشخصية وأهوائها اللا وطنية. و في هذا إشارة قوية لأولئك الذين يعيشون داخل الوطن و يستغلون هامش الحرية والديمقراطية الذي حاول العهد الجديد أن يرسخه ويحاولون أن يروجوا لأفكار تتنافى مع كل القيم الوطنية وتتطاول على مقدسات البلد.سواء بالتحريض على أعمال الشغب داخل الوطن أو التعامل مع الخصوم خارجه. كما لا تستثني هذه الإشارة أولئك الذين حملوا أمانة مسؤولية بناء الوطن في كل جزء منه وخصوصا بالمناطق الجنوبية التي صب فيها من الأموال ما يجعلها تكون نبراسا يقتدي به في مجال التنمية لو وجدت رجالا شرفاء يقدسون الأمانة ويحافظون على أموال المواطنين في السراء والضراء. ولعل الدعوة إلى إعادة هيكلة المجلس الملكي لشؤون الصحراء لدليل على فشل من وولوا قيادة زمام الأمور في الصحراء في تسيير شؤونها. وما سياسة جلب مواطنين من منطقة كجيجيمات بموريتانيا و محاولة إرضاءهم وإغراءهم للاستقرار بالوطن إلا جانب من هذا الفشل الذر يع الذي كاد أن يعصف بالسياسات الكبرى للبلد ويزعزع إستراتيجيتها في بناء الثقة بينها وبين مواطني الصحراء الأصليين الذين حرموا من امتياز السكن حبا في سواد عيون الوافدين الجدد و ما يحز في النفس هو حينما باع هؤلاء الوافدين منازلهم وعادوا من حيث جاؤوا .و أسفاه توجه آخر دعا إليه الخطاب الملكي يتمثل في إعادة النظر في أسلوب عمل وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية وهو أسلوب لا يمكن له أن يستقيم إلا إذا توفرت إرادة حقيقية تتجاوز الميول والنزعات الشخصية وتتوخى خدمة الصالح العام والمصلحة العليا للبلاد وترسيخ العدالة الاجتماعية حتى تتجاوز بذلك بعض الأخطاء التي من شانها زعزعة البلد وثقة المواطنين ولنا خير شاهد على ذلك ما سببه احد رؤساء المجالس بالصحراء من بلبلة حينما قام بتوزيع أراضي ومنازل في ملك الدولة مجانا لفائدة عائلته وحاشيته وكل من له مصلحة به الشيء الذي ولد تذمرا لدى ساكنة المدينة خصوصا في ظل ظروف تعرف ارتفاعا ناريا في أسعار العقار بها وأدى بمجموعة كبيرة من السكان إلى اقتحام ما بقي شاغرا من المنازل ولولا الألطاف والتدخل الحازم للسلطة لوقع ما لا يحمد عقباه. توجه آخر أبى ملك البلاد إلا أن يؤكد عليه ويتعلق بدور الهيآت السياسية والنقابية والجمعوية والإعلامية والقوى المنتجة والمبدعة في تعزيز قيم الديمقراطية والمواطنة الحقة و أن لا يقتصر هذا الدور على مؤسسات الدولة بل واجب كل الفعاليات الوطنية والمحلية ومن هنا أوكد على انه يجب أن يفسح المجال لكل الطاقات الشابة المحلية منها بالخصوص لأن أهل مكة أدرى بشعابها و بخصومهم وذلك لإبراز مؤهلاتها في خدمة البلد وما كثرهم في هذا الوطن.