عرفت السينما المغربية منذ بداياتها تحولات متتالية، رافقت صعود أجيال مختلفة من المخرجين والمنتجين والكتاب. غير أن ما يميز المرحلة الراهنة هو بروز جيل Z (المولود ما بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الجديدة) كفاعل رئيسي في المشهد السينمائي. هذا الجيل لا يكتفي باستهلاك الفيلم، بل يشارك في إنتاجه، ويعيد تعريف علاقة الجمهور بالصورة. فهل نحن أمام لحظة تأسيسية لمرحلة جديدة في السينما المغربية؟ صناع السينما من جيل Z: حضور مختلف وأدوات جديدة لم يعد الحديث عن جيل Z مقتصرا على مواقع التواصل الاجتماعي أو النقاشات الثقافية، بل صار هؤلاء الشباب صناعاً حقيقيين للسينما. عشرات المخرجين والمخرجات، والمنتجين والمنتجات، اقتحموا عالم الصناعة عبر أفلام قصيرة وجريئة، وأحياناً عبر منصات رقمية قبل أن ينتقلوا إلى قاعات العرض. يستعمل هذا الجيل أدوات مختلفة عن الأجيال السابقة: كاميرات خفيفة، برامج مونتاج رقمية، ومؤثرات بصرية ميسرة. الأهم أنهم لا يشعرون بعقدة مقارنة مع السينما العالمية، بل يتعاملون معها كفضاء مفتوح، مما يجعل حضورهم في مهرجانات دولية أمراً طبيعيا. المواضيع المثارة من جيل Z: من الذات الفردية إلى القضايا الكونية تختلف اهتمامات جيل Z عن الأجيال السابقة التي انشغلت أكثر بمواضيع الهوية الوطنية أو التاريخ السياسي. هؤلاء الشباب يختارون مواضيع تنبع من تجاربهم الشخصية والواقعية اليومية: • قضايا الحرية الفردية: مثل حرية الجسد، حرية المعتقد، والاختيارات الحياتية. • التحولات الاجتماعية: بما فيها الهجرة، البطالة، صراعات الأجيال، والعلاقات العاطفية في عصر الرقمنة. • البيئة والتغير المناخي: إذ نلمس حضوراً متزايداً للبعد الإيكولوجي في مشاريع سينمائية شبابية. • العالم الافتراضي: انعكاسات مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية على الهوية والثقافة. هذه الموضوعات لم تكن لتجد مكانها بنفس القوة قبل سنوات قليلة، ما يكشف عن تحوّل في أولويات السينما المغربية مع دخول جيل Z. الرؤية الفنية لجيل Z: لغة بصرية جديدة يُعرف جيل Z بجرأته البصرية. فهم يعتمدون على إيقاع سريع ومونتاج مكثف، يستلهمون أساليبه من ثقافة "المنصات الرقمية" مثل نتفليكس ويوتيوب وتيك توك. لكنهم لا يذوبون كلياً في هذا النموذج، بل يحاولون خلق لغة بصرية محلية ذات بعد عالمي. كما أن علاقتهم الوثيقة بالتكنولوجيا جعلتهم أكثر قدرة على التجريب الفني. بعضهم يصور بفريق صغير أو حتى بموارد محدودة، لكن النتيجة غالباً ما تكون أعمالاً تحمل بصمة إبداعية واضحة. اهتمامات جيل Z السينمائية: بين الشاشة الكبيرة والشبكات الصغيرة جيل Z لا يعيش انفصالا بين القاعات السينمائية والمنصات الإلكترونية. بالنسبة لهم، الفيلم يمكن أن يُشاهد في قاعة كبرى أو عبر شاشة هاتف، لكن القيمة تظل في قوة الموضوع وطريقة السرد. هذا الجيل يهتم أيضاً بالورشات التكوينية والماستر كلاس، ويرى في النقد السينمائي شريكاً ضرورياً لتطوير أعماله. كما أن وجودهم المكثف على شبكات التواصل جعلهم يخلقون فضاء نقدياً موازياً، حيث يتفاعلون مع الأفلام لحظة بلحظة ويشاركون انطباعاتهم مع جمهور واسع. الشباب كجمهور أساسي: الأرقام تتكلم لا يمكن الحديث عن جيل Z دون التوقف عند موقعه كجمهور أساسي للسينما. فالإحصائيات تشير إلى أن الفئة العمرية ما بين 18 و30 سنة تمثل الجزء الأكبر من رواد القاعات السينمائية في المغرب، رغم التراجع العام في الإقبال. هذا المعطى يضع هذه الفئة في قلب أي إستراتيجية تهدف إلى إنعاش السوق الداخلية للفيلم المغربي. لقد آن الأوان لفتح ورش "الحصيلة السينمائية"، من خلال قراءة دقيقة في الأرقام: كم عدد القاعات التي تستقطب الشباب؟ ما طبيعة الأفلام التي يفضلونها؟ كيف يمكن دعم الإنتاجات التي تعكس اهتماماتهم؟ هذه الأسئلة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى. نحو سياسة جديدة: دمج جيل Z في مستقبل السينما السينما المغربية اليوم أمام تحدٍ مزدوج: استرجاع ثقة الجمهور، خصوصاً جيل Z، وتوفير فضاءات إنتاج وتوزيع تعكس تطلعاته. الأمر لا يتعلق فقط بدعم الأفلام، بل بخلق سياسة ثقافية متكاملة تجعل من الشباب جزءاً من صناعة القرار السينمائي، سواء عبر صناديق الدعم أو من خلال برمجة موجهة في المهرجانات والنوادي السينمائية. جيل Z ليس مجرد جمهور مستهدف، بل هو قوة إنتاجية وفكرية قادرة على دفع السينما المغربية نحو آفاق جديدة، إذا ما تم استثمار طاقاته بالشكل المناسب. يبدو واضحاً أن السينما المغربية تدخل مرحلة جديدة مع جيل Z، مرحلة تقوم على الجرأة في الموضوع، الابتكار في الرؤية، والانفتاح على العالم. غير أن النجاح الحقيقي لن يتحقق إلا إذا تمت مواكبة هذا الجيل بسياسات واضحة، تراهن على الاستثمار في الشباب باعتبارهم العمود الفقري للمستقبل السينمائي. وهكذا، فإن جيل Z لا يشاهد السينما فحسب، بل يكتبها، يصنعها، ويمنحها نفسا جديدا يضع المغرب في قلب الخريطة السينمائية العالمية.