رغم سحبه بعد ثلاثة أيام من وضعه بموقع الأمانة العامة للحكومة، لا زال مشروع المدونة الرقمية يثير العديد من السجالات، وبقدر ما يثير قلق بعض ناشطي الانترنت من نص قانوني يقيّد الحرية الكبيرة التي أتاحها الفضاء الافتراضي، بقدر ما أظهر رغبة آخرين في تقنين مجالات إلكترونية بُغية تطويرها والدفع بها إلى الإمام، لذلك أتت ندوة " المدونة الرقمية وتحديات احترام حرية الرأي والتعبير" المُنظّمة من طرف معهد بروميثوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، كاستمرار في هذا الجدل بين فاعلين في الشبكة العنكبوتية. الندوة التي احتضنها المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط مساء الخميس، ونشطها الصحافي إسماعيل عزام، استضافت كل منير بنصالح، مؤلف كتاب "التواصل الاجتماعي والثورات العربية"، ومروان هرماش، الخبير في المشاريع الرقمية، بينما غاب عنها كل من الأستاذ الجامعي يحيى اليحياوي، المدونة ياسمين ناصري، وممثل عن وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة. وقد أشار هرماش إلى أن مشروع المدونة يعود إعدادها إلى فترة الوزير الاتحادي أحمد رضا الشامي في عزّ الحراك العربي، حيث استعمر المغرب تخوّف أمني من قدرة الفضاء الافتراضي على إحداث نفس ما وقع في دول مجاورة، ليستكمله وزير العدالة والتنمية عبد القادر اعمارة، ويظهر في عهد الوزير التجمعي مولاي حفيظ العلمي، معتبراً أنه يجمع عدداً من القوانين التنظيمية التي تهم العالم الافتراضي، إلا أنه حمل في بذوره عدداً من السلبيات. مشروع المدونة، يراه هرماش بكونه غيّب المجتمع المدني والمهنيين ومستخدمي الانترنت بالمغرب في عملية الإعداد، المشروع كان فوقيا بامتياز واشتغلت من خلاله الوزارة داخل أبواب موصدة، لذلك أتى مغايراً تماماً عن الواقع الافتراضي الذي حفِلَ بحركات احتجاجية مثل ما وقع في قضية دانيال، زيادة على أنها ضمت تعريفات هلامية لم تحترم تعزيز الدستور لحرية التعبير، خاصة ما يتعلق بإصرار المشروع على إظهار هوية الآخرين رغم حق سرية المعلومات الشخصية، وفق تعبيره. ودائما فيما يتعلق بسلبيات المشروع، فالعقوبات السالبة للحرية كانت مهولة، وتطرح مشكل تعايش الجهاز الأمني والقضائي مع الفضاء الافتراضي، إلا أن هذا لم يمنع هرماش، من الاتفاق على ضرورة تقنين الفضاء الإلكتروني، بالشكل الذي يعطي ضمانات للتجارة الإلكترونية ويحمي المواطنين من التشهير والإساءة، وذلك بشرط وضع قوانين واضحة متفق عليها لا تخضع للكثير من التأويل. أما منير بنصالح، فقد أكد أن نقاش تقنين الانترنت أتى في سياق عالمي خاصة مع ما تردد عن مراقبة الدول "الديمقراطية" لفضاءاتها الرقمية وتحكّمها فيها تحت ذرائع الأمن القومي، وأن كل حديث عن تقنين الانترنت يبقى أمرا مقبولاً إن كان يتعلق بحماية الأفراد، إلا أن المشكل يكمن في إيجاد قوانين لا تؤثر على الحرية التي عُرف بها الفضاء الرقمي. "في المغرب، كان لدينا السبق عالمياً باعتقال أول فايسبوكي وأول مدون..لذلك لا عجب أن يأتي مشروع مدونة بقوانين قادرة على إرسالنا للسجن منذ الغد" يقول بنصالح، معتبراً أن مفاهيم المدونة فضفاضة للغاية، وقابلة للكثير من التأويل، وقد تنتج لنا حالات كثيرة مشابهة لما وقع للصحافي علي أنوزلا. وأكد بنصالح أن الحرية هي الأصل في الانترنت، ولا يمكن أبداً منع أفراد من التعبير في المنصات الرقمية بذريعة الأخلاق، مادامت هذه الأخيرة تختلف من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، طارحاً عدداً من الأسئلة حول المصير الذي تعرفه معطياتنا الشخصية المنتشرة بشكل كبير على الانترنت، فمن جهة هناك تنظيمات محلية تلهث وراءها، ومن جهة أخرى لا يمكن الثقة بالمواقع الكبرى ومن تمّ تحويلها إلى علبة أسرار، وهي المواقع التي اعترف بعضها بتعاونه مع السلطة. جدير بالذكر، أن مشروع المدونة الرقمية كان قد احتوى على الكثير من المواد المثيرة للجدل، فالمادة الثانية تبادر وبدون أدنى تحفظات إلى استثناء خدمات الإدارة الإلكترونية في ميادين الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي أو الخارجي. والمادة 24 تشير إلى إمكانية تقييد حرية ممارسة الاتصالات الرقمية بمبرر احترام النظام العام، كما يحتوي القسم السابع على عقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً ومئة ألف درهم غرامة.