«عصيان إلكتروني» شعار اختاره شبان مغاربة لحملتهم ضد «المدونة الرقمية» التي كانت تعتزم الحكومة التصويت عليها قبل أن تتراجع عنها تحت وطأة حملة النشطاء الاحتجاجية ضد ما يعتبرونه «تضييقا على حرية الرأي والنشر عبر الانترنت». إن اتساع حرية النشر والتعبير عبر شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتحول هذا الفضاء الافتراضي إلى وسيلة للحركات الاحتجاجية والاجتماعية، يبدو أنه شكل دافعا أساسيا لدى الحكومة المغربية لمحاولة إصدار قانون جديد يضبط ويتحكم فيه، وذلك عبر ما يطلق عليه في القاموس القانوني والسياسي المغربي «المدونة الرقمية». خبراء ونشطاء يعتقدون بأن مشروع المدونة يتضمن بنودا تحد من حرية الرأي والتعبير وتعطي للدولة حق مراقبة كل ما يجري عبر الانترنت. مولاي حفيظ العلمي وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الذي تقدم بمشروع القانون إلى الحكومة يؤكد بأنه «لم يتم تقديمه لحد الآن ولكن إذا رأينا أنه يحترم المعايير الدولية فإننا سنقوم بتطبيقه لأنه ليس الاحتجاجات هي من يضع القوانين في البلد»، لكن قد لا تجري الرياح بما لا تشتهيه سفن الوزير. الحكومة تتراجع بعد ساعات قليلة من الإعلان عن تقديم الوزير مولاي حفيظ العلمي عن تقديمه لمشروع القانون أمام الحكومة من أجل المصادقة عليه، أطلق عدد من الشبان حملة العصيان الإلكتروني ضد هذا القانون الذي اعتبروه تهديدا لحرية التعبير. عن هذه الحملة يقول حمزة محفوظ وهو من أطلق صفحة «عصيان إلكتروني» على «فيسبوك» ل«دوتشي ڤيلي العربية» حملة عصيان إلكتروني تأسست عندما أحسسنا أن طاقة الغضب ضد مشروع القانون انتشرت، ويلزمها موقع للتجمع والتنسيق، وكان ذلك بعد خمس ساعات من طرح القانون، لم نعد حينها مكتفيين بجدراننا التي نشرت الخبر، بل أنشأنا صفحة موحدة لتجميع الغضب والرفض، ووضعه للتأمل والتنسيق والنقاش والتراكم». عصيان إلكتروني كان لها تأثير كبير، فما هي إلا أيام من إطلاقها حتى أعلنت الحكومة عن سحب مشروع القانون والسبب حسب الوزير مولاي حفيظ العلمي «هو من أجل مراجعتها والاستماع لآراء الناس وأخذها بعين الاعتبار»، لذلك فإن حمزة محفوظ يفسر قوة تأثير هذا العصيان بكون «كل جدار كتب وكلٌ أثر بقدر، ولا يمكن لأي جدار أن يدعي أنه أثر أكثر من الآخرين، صحيح أننا جمعنا الرسوم والفيديوهات والنصوص التي كتبها الناس حول الموضوع، لكنني أعتقد أن ما أوقف المشروع هو التأهب الجماعي، وليس في «فيسبوك» فقط، بل أيضا على «تويتر»». وإذا كانت حملة عصيان إلكتروني قد قامت بدورها في إيقاف مشروع القانون، فإن المدون والناشط الحقوقي عبد الصمد عياش يقول ل«دوتشي ڤيلي العربية» بأن المعركة مازالت مستمرة «حتى تقتنع الدولة أن الشباب الناشط سياسيا على مستوى الشبكات الإجتماعية والمواقع الإلكترونية، رحل إلى العالم الإفتراضي هروبا من ضيق مساحات حرية التعبير في الفضاء العمومي، وخلق لنفسه مجالا واسعا للتعبير غير قابل للاختزال بقانون ضيق وغير دقيق». ويعتبر الناشط المغربي أنه في ظل رفض الشباب لأي مدونة رقمية فإن «أي محاولة لوضع حدود للنشاط السياسي الموجود في العالم الافتراضي ستعقبه موجة غضب عارمة وهذا هو سبب بروز حركة افتراضية سميت «عصيان إلكتروني» رافضة لأي قانون يلجم حرية التعبير داخل هذه الفضاءات التي اعتبرت إلى وقت قريب بديلا لطرح مشاريع فكرية أيديولوجية للشباب بالمغرب». حماية مستخدمي الانترنت أم تقييد لحرية التعبير؟ إذا كان المبرر الذي صاغه الوزير مولاي حفيظ العلمي عند طرحه لهذا المشروع يتمثل في تحقيق «الأمن الإلكتروني والحفاظ على سلامة القاصرين من أي استغلال لهم» فإن قراءة في مضامين القانون تجعل الأمر يبدو أكثر من ذلك، حيث يطال مجال حرية الرأي والتعبير، اذ تنص المادة 73 من هذا القانون على أنه «يعاقب كل من نشر أشياء مخالفة للتوجه السياسي العام أو الأخلاق الحميدة». كما ان مشروع القانون يمنح لعناصر الشرطة القضائية «حق المشاركة في مبادلات الكترونية باسم مستعار وربط الاتصال بأشخاص مشتبه في ارتكابهم جرائم إلكترونية». لذلك فإن المدون عبد الصمد عياش يعزو موجة الانتقادات التي وجهت إلى هذا القانون لسببين «الأول على مستوى الشكل، أي أن هذه المدونة لم تطرح للنقاش العمومي ولم يطرح النقاش حول مضامينها بين المعنيين الأساسيين بالأمر». أما الانتقاد الثاني فهو على مستوى المضمون «الذي تضمن عبارات عامة وفضفاضة وشديدة التعقيد، على سبيل المثال لا الحصر تعبير «المعتقد السياسي للعموم» ما هو هذا المعتقد السياسي الذي يجمع عليه المغاربة أو بالأحرى النشطاء في الفضاء الافتراضي؟» يتساءل الناشط المغربي، معربا عن اعتقاده بعدم وجود «معتقد سياسي واحد وجامع لكل المغاربة، كما لا يوجد أصلا شيء اسمه المعتقد السياسي، السياسة لا يوجد فيها معتقدات راسخة أزلية، إذ تتأثر بالواقع المعيش، وهذه عبارة عامة وغير دقيقة تشبه قانون «كل ما من شأنه»، وأظنها تدخل في نطاق تحديد سقف الخطاب في عدم انتقاد المقدسات والمعتقدات السياسية والتي نعرف طبعا ماذا تعني». في إشارة من الناشط المغربي لعدد من ال«المقدسات» أو المحظورات بالمغرب، على غرار عدم المس بالدين والملك والوحدة الوطنية. معارضة سياسية جديدة بعد أن ساهمت مبادرة «عصيان إلكتروني» في إسقاط مشروع القانون فإن «فيسبوك» و«تويتر» أصبح، برأي بعض المحللين في المغرب، يحتل موقع المعارض السياسي بامتياز حيث كان وراء العديد من الاحتجاجات، بدءا باحتجاجات حركة 20 فبراير ضمن الربيع العربي، وقد ساهمت في الضغط على الحكم من أجل تعديل الدستور. وضمن الاحتجاجات الالكترونية حملة من أجل المطالبة بتقليص موازنات القصور الملكية، ثم الاحتجاج ضد طقوس حفل البيعة بمناسبة عيد العرش، ثم مظاهرات ضد العفو عن السجين الاسباني دانييل، الذي كان محكوما في قضايا اغتصاب أطفال، وقد عفا عنه الملك محمد السادس لكنه اضطر لسحب عفوه والإقرار بوجود خطأ في تصنيف السجين الذي أعيد لسجنه. كا يدخل في خانة الاحتجاجات الافتراضية، أيضا دور المواقع الاجتماعية في المظاهرات من أجل الحرية للصحافي علي أنوزلا التي ما زالت مستمرة احتجاجا على تمديد التحقيقات معه رغم خروجه من المعتقل. وصولا إلى حملة «عصيان إلكتروني» ضد المدونة الرقمية. لذلك فإن الصحافي حمزة محفوظ يقول بأنه «أمام ضعف المعارضات وتشتتها، أصبح للانترنت دور بديل أحيانا، وصارت لبعض المبادرات سلطة جمع النشطاء والمبادرات التي لم تعد ممكنة لأي تنظيم آخر وهذا شيء جيد» مستنتجا بأن الانترنت والشبكات الاجتماعية للتواصل «أصبحت تحتل موقعا أهم من فاعلين سياسيين تقليديين، وهنا سبب محاولة التقليم (التحجيم) الذي يحاول الوزير فرضها». وهو نفس الأمر الذي أكده المدون عبد الصمد عياش في تصريحه ل«دوتشي ڤيلي العربية» «العالم الافتراضي أضحى تقريبا المجال الواسع الذي يحتضن أفكار وبرامج التغيير السياسي، وتجربة الربيع الديمقراطي نهاية 2010 وبداية 2011 خير دليل أن هذا العالم شكل خطرا على أنظمة جد متجذرة بل أدى إلى سقوطها، ونتائج تأثير هذا العالم الإفتراضي سيؤدي طبعا بالأنظمة التي ليس في مصلحتها التغير إلى تقنينه وحصره وإفراغه من مضمونه». بينما يرى أمين سنوسي الناطق الرسمي باسم حكومة الشباب الموازية (مبادرة من هيئات المجتمع المدني) في تصريح ل«دوتشي ڤيلي العربية» بأنه «على الرغم من أهمية الحركات التي تظهر عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي إلاأنها لا يمكن أن تقوم مقام الأحزاب السياسية» معللا رأيه بأن الأحزاب هي «من يمثل المواطن، وإذا قمنا بسحب البساط من تحت الأحزاب فمن سيقوم بتسيير الشأن العام» يتساءل أمين مضيفا «أنا أدعو الشباب الذي له دورفي تحريك هذه المبادرات على مواقع التواصل الإجتماعي إلى الانخراط في الحياة السياسية من أجل إعادة الحياة للسياسة في المغرب لأنه لا بديل عن الأحزابالسياسية».