العلاقات المغربية الموريتانية ليست على أحسن حال، فالمتابعون لمسيرة العلاقات بين البلدين يقولون إن هناك "أزمة صامتة" سببها نسج النظام الحاكم في موريتانيا علاقات جديدة مع النظام الجزائري ضدا على مصالح المغرب الإستراتيجية بالمنطقة. الأزمة الصامتة بين البلدين كشفتها المنابر الإعلامية في كل من نواكشوطوالرباط، حيث ذهبت بعض المصادر الإعلامية إلى أن موريتانيا رفضت اعتماد القنصل المغربي، الذي اقترحه المغرب، ممثلا بمكتب العاصمة الموريتانية، دون أن تقدم نواكشوط أية مبررات عن سبب الرفض، كما هو متعارف عليه في الأعراف الدبلوماسية، وذلك تحت ضغط من الجارة الشرقية، الجزائر على موريتانيا. الأمر الذي اعتبرته الرباط تدخلا في شؤونها الداخلية. وتعود أسباب الأزمة الصامتة المتواصلة بين المغرب وموريتانيا إلى مبادرة الرئيس الموريتاني ولد عبد العزيز لاستقبال، وزير خارجية جبهة بوليساريو بضغط من الجزائر ، حيث كانت الجزائر قد قادت حملة التحريض ضد الانقلاب العسكري في موريتانيا، وتحركت من خلال الاتحاد الإفريقي لاستصدار موقف معاد للسلطات الجديدة في موريتانيا، وحركت، وزير خارجيها، رمضان لعمامرة، بصفته مكلفا بالسلم والأمن في الاتحاد، آنذاك، قصد ابتزاز موريتانيا والتلويح بطردها من الاتحاد الإفريقي. في نفس السياق، ذهبت مصادر إعلامية أخرى إلى أن المغرب بات لا يخفي حساباته الاستراتيجية في ما يعرف بمنطقة خط طنجة- دكار، بالنظر إلى أدواره العسكرية والسياسية في ملف الصحراء. ذلك أن نواكشوط، تدرك أن الرباط لن تسمح بأي تجاوز يفتح هذا الخط على احتمالات "معاكسة" لمصالحها، إذ لم تسمح بذلك، في وقت سابق، حين منعت صفقة تمرير عقد استغلال ميناء نواذيبو المحاذي للحدود البحرية المغربية الموريتانية، الذي كان رئيس الوزراء السابق ينوي منحه إلى شركة خليجية تساهم "سوناطراك الغاز" الجزائرية في رأسمالها. إلى ذلك يرى محللون أن الرئيس الموريتاني، الذي كان يعتبر مواليا للمغرب بعد وصوله إلى الحكم، أظهرت الأيام والحسابات أنه فضل محور الجزائر على المغرب، بعدما كسب نقاطا مهمة على مستوى الاتحاد الإفريقي من خلال الدعم الذي لقيه من الجزائر، حيث ترأس وفد الوساطة في ليبيا وكوت ديفوار، كما تترأس بلاده حاليا الاتحاد الإفريقي من خلال الدعم الجزائري. من جانبها، أجرت جريدة هسبريس الإلكترونية استطلاعا للرأي، طيلة الأسبوع الماضي، وطرحت على زوارها سؤالا محوريا: هل للجزائر يد في فتور العلاقات المغربية الموريتانية؟. بلغ عدد المشاركين في الاستطلاع 25950، حيث رأت نسبة 16.5% أن الجزائر لا دخل لها في ما بات يسمى بالأزمة الصامتة بين المغرب وموريتانيا، بينما أغلبية المصوتين على الاستطلاع حملوا المسؤولية للجزائر بنسبة 83.5%، في تعكير صفو العلاقات المغربية الموريتانية. في غياب الديمقراطية تسود الرداءة والقرارات العمياء سعيد هادف، الباحث والكاتب الصحفي الجزائري، اعتبر أن استطلاع يرجح ضلوع النظام الجزائري بنسبة تفوق 80 %، وهذه النسبة، حسب الصحفي الجزائري، لها ما يعززها في ضوء التوتر المغربي الجزائري، فالأمر ، حسب رأي المتحدث، يبدو منطقيا في ظل علاقات لا يحكمها الود والشفافية. أما النسبة القليلة التي تستبعد الدور الجزائري، فقد اعتبرها سعيد هادف، في اتصال مع هسبريس، أنها هي أيضا "على حق"، حيث ما كان لهذه الجهة الجزائرية أن تنجح في تأزيم العلاقة المغربية الموريتانية إذا لم تجد الشروط المناسبة لهذه الأزمة في كلا النظامين، فالمغرب إذا لم ينجح في بناء علاقة ودية مع موريتانيا ليس بسبب التدخل الجزائري ولكن أيضا لأسباب أخرى يتحملها الطرف المغربي، وحددها الكاتب الجزائري في الدبلوماسية المغربية التي تقودها وزارة الخارجية المغربية. وأبدى هادف أسفه لكون السياسات العربية فاشلة في بناء علاقات الثقة مع بلد آخر بصرف النظر إن كان عربيا أو غيره، هذا الفشل من المسلمات، وخاصة العلاقات العربية البينية إما متوترة أو لها قابلية التوتر. في هذا الإطار يقول سعيد هادف: "علينا أن ننظر إلى العلاقة المغربية الموريتانية التي لم تكن على ما يرام، شأنها شأن العلاقة المغربية الجزائرية أو حتى الجزائرية الموريتانية. ففي غياب الديمقراطية وندرة الساسة المتبصرين تسود الرداءة والقرارات العمياء". واستبعد الكاتب الجزائري، الذي يعيش بالمغرب، وجود أزمة دبلوماسية بين المغرب وموريتانيا، لأنه على المستوى الرسمي ليس هناك ما يؤكد وجود هذه الأزمة، فالإعلام الموريتاني تحدث عن تعقيدات الحصول على التأشيرة، كما تناول (أزمة) مست التمثيل الديبلوماسي، فالإعلام، حسب رأي المتحدث، عادة ما "يجنح إلى الإثارة والتضخيم، فضلا عن أن أغلب الصحافيين ينطلقون في معالجتهم للأخبار من (براديم) بدائي، لا يتحرون فيه الحقيقة ولا المصلحة العليا للشعب ولا حتى المقاصد السياسية للدولة، وغالبا ما يقدمون خدمات جليلة لجهات معادية للديمقراطية". هل للنظام الجزائري دور في فتور العلاقة المغربية الموريتانية؟ يجيب هادف بالقول: "في سياق الانسداد السياسي المغاربي كل شيء ممكن، لكننا مدعوون أن نستحضر ما حدث بين المغرب والجزائر على مدى سنة 2013، منذ حادثة الطفل إسلام خويلد إلى حادثة نزع العلم الجزائري من على القنصلية بالدار البيضاء مرورا برسالة أبوجا المحرضة ضد المغرب وشق الخنادق على الحدود وتصريحات حميد شباط حول الصحراء الشرقية". أما ما يحدث اليوم حول العلاقة المغربية الموريتانية، فيرى الباحث الجزائري، أن الأمر ليس معزولا عن سياق الأحداث السابقة، إنها "سيناريوهات يائسة وراءها أعداء الديمقراطية والأمة المغاربية في مخططهم الرامي إلى نشر مشاعر العداء والانفصال الوجداني بين الأقطار الثلاثة" مضيفا، في حديثه إلى هسبريس، "أن هناك جهات تعمل ما بوسعها لتوريط المغرب في معارك خاسرة، لأنها تدرك أنه البلد المؤهل في بناء الصرح الديمقراطي المغاربي وهي بذلك تحاول ثنيه عن تنزيل مشروعه الأصيل المتمثل في الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي". انفتاح المغرب على العمق الأفريقي يجب أن يمر عبر موريتانيا ما عبد الفتاح البلعمشي، فقد ذهب في قراءته للاستطلاع أن تحميل المشاركين في قراء هسبريس المسؤولية للجزائر بنسبة 83.36% يكرس الفكرة العامة التي ترسخت لدى المغاربة أن الإدارة الجزائرية تكرس كل جهودها لمعاكسة مصالح المغرب. وتراكم هذا التصور، حسب الباحث المغربي، من خلال الفاعلية والحماس الذي تبديه الجزائر تجاه قضية الصحراء وتكريس الجوار الصعب مع المغرب. وبغض النظر عن مدى الموضوعية في تورط الجزائر من عدمه، لاحظ، مدير المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن صورة حكام الجزائر لدى المغاربة ليست جيدة بالمطلق على الإطلاق، فهم يعلمون أن تصدير الهجرة غير الشرعية والتساهل في التجارة غير المشروعة لبعض الممنوعات عبر الحدود الجزائرية وكيف يتم استثمار كل الجهود الدبلوماسية للجزائر في ما يعتبره غالبية المغاربة معاكسة لمصالح المغرب، وبالتالي فليس غريبا أن يعتبر غالبية المشاركين في استطلاع هسبريس أن الجزائر لابد وأن تكون لها يد في توتر العلاقات المغربية الموريتانية خصوصا أن المغاربة ليست لهم مشاكل مع الجار الجنوبي وهناك نوع من التعاون مع موريتانيا في العديد من المجالات الثقافية والعلمية والاقتصادية والحركة على الحدود طبيعية ومستمرة والشعب المغربي ينظر إلى المجتمع الموريتاني نظرة إيجابية. نظرة أغلبية المغاربة إلى موريتانيا، حسب البلعمشي، "لا تتأثر إلا إذا كانت هناك تدخلات إقليمية تشوش على جودة ومتانة هذه العلاقة، لذلك فطبيعي أن تتجه الأنظار بهذا الخصوص للجزائر". أما فترات الفراغ التي شهدته العلاقات المغربية الموريتانية، يقول البلعمشي: " ليس مقلقا حتى مع وجود جهات إقليمية لا تروقها قوة هذه العلاقات، والدليل أن استقرار المصالح بين البلدين ظل ثابتا على مستوى التعاون من جهة وكون هذه العلاقات لم تصل إلى أزمة عميقة في كل أو صعبة بين البلدين". وخلص الباحث المغربي في اتصاله مع هسبريس إلى أنه "وبالرغم من الانفتاح المغربي على العمق الإفريقي لا يجب أن يكون على حساب الجارة موريتانيا، بمعنى يحب الدفع في تعزيز الشراكة مع الأصدقاء في إفريقيا عبر الدفع نحو الاهتمام أكثر بالتعاون مع الشقيقة موريتانيا لأن أي فراغ يمكن تركه في هذا المجال يمكن استغلاله بشكل سلبي من قبل دول إقليمية أبرزها الجزائر والدفع بنتائجه نحو تصوير المغرب على أنه دولة لا تحترم التزاماتها أو أنها غير معنية بتطوير علاقاتها مع موريتانيا".