في كل مرة نسمع عن قرار تتخذه الحكومات العربية والإسلامية فيما يخص ما يسمى بتدبير الشأن الديني إلا ونضع أيدينا على قلوبنا تحسبا لما هو أسوأ. فمن قرار توقيف العلماء والخطباء بتهمة الجنوح إلى السياسة لأن الدين لا يهتم إلا بمجال نواقض الوضوء وكيفية الدخول إلى الخلاء والخروج منه؟ إلى قرار إدراج بعض الجماعات التي كانت إلى عهد قريب تترأس إحدى الدول العربية في خانة الإرهاب. وآخر هذه الموضات والصيحات قرار تخفيض صوت أذان الصبح، وعدم إذاعة الصلوات خارج المسجد. يحدث هذا في عهد حكومة صوت عليها الشعب لأنها تتبنى المشروع الإسلامي. وحتى لا يحدث الأمر بلبلة وحتى يكون بالون اختبار فلا بأس من تجربة هذا الأمر في إحدى المندوبيات التابعة لوزارة الأوقاف في الدارالبيضاء. فإن مر الأمر بسلام فبها ونعمت. وإلا أعيد تقييم الموقف واتخاذ القرارات بناء على المعطيات الجديدة. قبل أن تتخذ هذه المندوبية مثل هذه المواقف كان عليها أن تقوم بالتدابير التالية: 1-أن ترفع من أجرة المؤذنين حتى يتشجع الشباب للتقدم لشغل هذه "الوظيفة" النبيلة. فليست وزارة الأوقاف وزارة فقيرة حتى تقتر على القيمين على بيوت الله تعالى. فرغم بعض الزيادات الطفيفة التي تعرفها أجرة القيمين إلا أنها ما زالت دون المستوى المطلوب. نعم هناك من الشباب ذوي الأصوات من يؤذن حسبة لله تعالى. لكنك تجد أغلبهم ممن له مصادر رزق أخر. فمن أراد التفرغ لشغل هذه الوظيفة/الرسالة فلا بد من حفظ كرامته بأجر مناسب لمستوى المعيشة في عصرنا الحالي. 2-إجراء مباراة أو امتحان أو مسابقة في كل مدينة أو حي لاختيار الأصوات الشجية الندية التي تمتع الروح بأذانها، وتشنف الأسماع بصوتها. وحينها سنرى إن كان سكان الأحياء الراقية يتقدمون يالشكايات ضد رفع أصوات المكبرات. فمن يسمع مؤذنا يكاد صوته يصبح زعيقا وصياحا فلا شك أنه سيضجر من هذا الصوت ويتمنى أن يسكت قبل أن يتم أذانه. فعندما رأى الصحابي الجليل عبد الله بن زيد رضي الله عنه كلمات الأذان في المنام –وكذلك عمر رضي الله عنه- أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمها لسيدنا بلال رضي الله عنه لأنه أندى منه صوتا. وهي رسالة لمن يقوم على الشأن الديني. لقد اعتنى الإسلام بالصوت الجميل. وعلم أن فطرة الإنسان تحب الصوت الجميل واللباس الجميل والنعل الجميل. ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" زينوا القرآن بأصواتكم" وقس عليها: زينوا الأذان بأصواتكم حتى يحبه الناس طبعا. 3-عقد شراكة مع الشركات المختصة في تقنيات الصوت لعقد دورة تدريبية للمؤذنين حتى يتعلموا كيفية تشغيل آلة تكبير الصوت وضبط مؤثراتها. فكم من صوت جميل حرم الناس منه بسبب عدم معرفة القيمين بالمساجد بكيفية تشغيل المكبرات. وكم من صوت تمجه الأسماع زادته هذه المكبرات نكارة حتى قال الناس: ليته سكت. 4- شراء مكبرات صوت مناسبة. فأغلب المساجد تتوفر على مكبر صوت لا يرقى لمستوى هذه الرسالة النبيلة. فمع انتشار الموسيقى والغناء ومع تنافس شركات التسجيل في استعمال أحدث التقنيات في هذا المجال أصبح ذوق معظم الناس راقيا. وأصبحوا يميزون بين الصوت النشاز والصوت الرائع. وأصبح الكثير من الناس لهم دراية بالمقامات الغنائية. فإذا أردنا دعوة الناس إلى بيوت الله عز وجل فعلينا أن نستعين بهذه التقنيات. فهذا يدخل في باب الحكمة التي أمر الله عز وجل بها في الدعوة إليه. فليس من الحكمة أن نسمع الصياح وضجيج المكبرات من بيوت الله وعندنا من الأصوات الندية ما يشرح الصدور وينعش الأرواح. لقد كان أحد المؤذنين-وأمثالهم كثر-إذا أذن يخرج الأطفال والنساء والرجال من بيوتهم يستمعون إلى أذانه ولبعضهم بكاء من روعة هذا الأذان الجميل. هذه بعض الإجراءات التي تتطلب إرادة وهمة وعزيمة وبذلا إن كنا فعلا نريد إصلاح الشأن الديني وحسن تدبيره. أما إن أردنا الترقيع فلن نسير بعيدا وسنلجأ للحلول السهلة والتي ترضي القلة القليلة التي لا يهمها شأن الدين في شيء. بل تجدها سهرانة مع الأفلام والمسلسلات إلى حين بزوغ الفجر. فإذا أذن المؤذن عجت بالشكوى من هذا الصوت "النكر " عندها ، نعوذ بالله من الخذلان. إن مسألة خفض صوت المكبر عند الأذان لم نكن نسمع بها إلا عند الصهاينة ممن يكرهون كلمات الأذان المباركة من تكبير وتوحيد واسم محمد صلى الله عليه وسلم. فهل أصبحنا نتتبع سنن من قبلنا حتى في هذه. لا بأس بتعديل أصوات المكبرات لمستوى مناسب ولابد من مؤذنين أكفاء لهم كفاءة عالية. فهم رسل الدعوة إلى العالمين. والأمر يحتاج إلى تدابير ذكرنا بعضها فيما مضى حتى تكون المقاربة شمولية وليست مبتسرة. وأخيرا بدل خفض صوت الأذان عليكم بخفض صوت مكبرات المغنين والمغنيات الذين يقلقون راحة الناس من العشاء إلى ما بعد أذان الفجر. هذه هي القوانين التي يجب أن تفعل. أما أذان الصبح فلا أحد يسمعه لأن أغلب الناس حينها تكون غارقة في سبات عميق. وإن شئتم أن تعلموا هذه الحقيقة فقوموا باستطلاع في الأحياء التي جاءتكم منها هذه الشكاوى المزعومة لتعرفوا عدد الذين يسمعون الأذان أصلا ممن يغطون في سبات عميق. فكيف يزعجهم ما لا يسمعون. هذه هي الديمقراطية لقوم يعقلون. والسلام.