فرنسا تجدد دعمها الثابت لسيادة المغرب على الصحراء وتؤكد التزامها بخطة الحكم الذاتي    خبير: الهجمات السيبرانية إرهاب إلكتروني يتطلب مضاعفة آليات الدفاع محليا وعالميا    فليك : لا تهاون أمام دورتموند رغم رباعية الذهاب    الذهب يلمع وسط الضبابية في الأسواق بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية    جنود إسرائيليون يشاركون في مناورات "الأسد الإفريقي 25" بالمغرب    جيتكس 2025: إبرام سبع شراكات استراتيجية لتسريع فرص العمل بالمغرب    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    برادة: إصلاحات في تكنولوجيا التعليم قادرة على الاستجابة لحاجيات المغاربة المقيمين بالخارج في مجالي الابتكار والبحث    فرنسا تشيد بالتزام المغرب برهانات السلام والاستقرار والتنمية في المحافل متعددة الأطراف    ديميستورا: الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة لحل ملف الصحراء المغربية    باريس تأسف لطرد الجزائر 12 موظفا فرنسيا وتؤكد أنه "لن يمر من دون عواقب"    نقابة تدعو عمال ميناء الدار البيضاء إلى مقاطعة سفينة أسلحة متجهة لإسرائيل    وقفة احتجاجية للمحامين بمراكش تنديدا بالجرائم الإسرائيلية في غزة    مراكش: الاتحاد الأوروبي يشارك في معرض جيتكس إفريقيا المغرب    اختبار صعب لأرسنال في البرنابيو وإنتر لمواصلة سلسلة اللاهزيمة    المغرب وكوت ديفوار.. الموعد والقنوات الناقلة لنصف نهائي كأس أمم إفريقيا للناشئين    الدار البيضاء.. "مختلّ عقلياً" يتسبب في جرح أربع أشخاص وتكسير ثلاث سيارات    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المقاربة الأمنية الجديدة بطنجة.. هل تنجح في محاربة ظاهرة "الكريساج"؟    السغروشني: المغرب يتطلع إلى تصميم التكنولوجيا بدلا من استهلاكها    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    تضمن الآمان والاستقلالية.. بنك المغرب يطلق بوابة متعلقة بالحسابات البنكية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    غوتيريش: نشعر "بفزع بالغ" إزاء القصف الإسرائيلي لمستشفى المعمداني بغزة    النواب يصادق على مقترح قانون يتعلق بكفالة الأطفال المهملين    كيوسك القناة | الدول الأكثر امتلاكا لطائرات المهام الخاصة.. المغرب الرابع إفريقيا وال 47 عالميا    الصحافة بين الرسالة والمكاسب المادية: تحول الدور والمسؤولية    هلال: أمريكا عازمة على إغلاق ملف الصحراء ونأمل أن نحتفل بالنهاية السعيدة لهذا النزاع خلال الذكرى ال50 للمسيرة الخضراء    الرأس الأخضر تجدد دعمها للوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على كامل أراضيها    اتفاقية شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة ومجموعة بريد المغرب لتعزيز إدماج اللغة الأمازيغية    أمن الجديدة يوقف مروجا للأقراص المهلوسة ومتورطا في زنا المحارم    وفاة عاملين بالجرف الأصفر في حادث سقوط رافعة قيد التجريب    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    ارتفاع قيمة مفرغات الصيد البحري بالسواحل المتوسطية بنسبة 12% خلال الربع الأول من 2025    كلاسيكو الشمال.. المغرب التطواني ينتصر على اتحاد طنجة في مباراة مثيرة    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    مراكش تحتضن المؤتمر الإفريقي الأول للتتشخيص النسيجي للأمراض المعزز بالذكاء الاصطناعي    وهبي يحدد لائحة منتخب "U20"    باها: "منتخب الفتيان" يحترم الخصم    أسلوب فاشل بالتأكيد    بين نزع الملكية وهدم البناية، الإدارة فضلت التدليس على الحق    السلوك الإيراني الذي امتد إلى... «بوليساريو»    الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين الفرص والتحديات الأخلاقية    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب كأداة هيمنة استعمارية..
نشر في هسبريس يوم 13 - 04 - 2025

إن الحرب كانت ولا تزال موضوعًا محوريًا في الفكر العربي المعاصر، حيث يعتبرها الكثير من المفكرين العرب سببًا رئيسيًا للعديد من الأزمات التي تمر منها الأمة العربية والإسلامية. إذ يرى المفكرون أن الحروب التي نشبت خلال القرن العشرين، وخاصة الحروب الإقليمية والدولية، لم تكن صراعات بين دول وجماعات سياسية، بل كانت جزءًا من عملية استعمارية وعولمية تهدف إلى تغيير المعادلات الجيوسياسية والثقافية في المنطقة العربية والإسلامية. في هذا السياق، يُعد المفكر المغربي محمد عابد الجابري واحدًا من أبرز المفكرين الذين تناولوا تأثيرات الحرب على العالم العربي، لا سيما في سياق الاستعمار الغربي وتداعياته المستمرة في الوقت الراهن.
ومن بين الأعمال التي تتعلق برؤية الجابري للحروب، مقالٌ نُشر في موقع "هسبريس" سنة 2010 بعنوان "الحرب... سرطان الحضارة الغربية". هذا المقال يُعتبر مدخلًا مهمًا لفهم كيف نظر الجابري إلى الحرب بوصفها ظاهرة معقدة ذات تأثيرات عميقة على الإنسان والمجتمع، ليس فقط في الحروب العسكرية الصريحة ولكن أيضًا في الحروب الثقافية والسياسية. في هذا المقال، استخدم الجابري فكرة "السرطان" كاستعارة قوية لوصف دور الحرب في تدمير الأنسجة الأساسية لأي حضارة، وأوضح كيف أن الحروب الغربية، خصوصًا في المنطقة العربية والإسلامية، أصبحت جزءًا من "مؤسسة" تساهم في إدامة الهيمنة الغربية.
يرى الجابري أن الحرب ليست حدثًا عسكريًا ينتهي بتوقيع اتفاقيات، بل هي عملية هيمنة تستهدف العديد من الأبعاد الحضارية والثقافية للمجتمعات المستهدفة. ففي مقال "الحرب... سرطان الحضارة الغربية"، يعتبر الجابري أن الحروب التي شنها الغرب على العالم العربي والإسلامي، خاصة في القرن العشرين، لم تكن صراعات عسكرية بل كانت جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تفكيك الهويات الثقافية والاقتصادية في المنطقة. يشير الجابري إلى أن هذه الحروب هي من صناعة ما يسميه ب "الهيمنة الغربية"، وهي محصلة لتفاعل طويل بين الجغرافيا السياسية والنظريات الاقتصادية الغربية.
الجابري يتطرق إلى الحروب التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، خاصة في العراق وأفغانستان، حيث يرى أنها ليست عمليات عسكرية لتحرير الشعوب أو نشر الديمقراطية، بل هي حرب تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة العربية وفقًا لمصالح الغرب الاقتصادية والجيوسياسية. فهذه الحروب تستهدف السيطرة على الثروات الطبيعية، وعلى رأسها النفط، وتساهم في تعزيز الهيمنة السياسية الغربية على الأنظمة العربية، ما يؤدي إلى استمرار تبعية هذه الأنظمة للغرب، ويغذي الصراعات الداخلية في البلدان العربية.
يُعرّف الجابري الحرب بأنها "سرطان" في الحضارة الغربية، حيث يربط بين الحرب وآثارها التدميرية على المجتمعات. في مقاله، يتطرق الجابري إلى مفهوم الحرب باعتبارها جزءًا من سياسة الغرب في صراع الحضارات، التي يسعى من خلالها الغرب إلى إزاحة الحضارات الأخرى، وبالأخص الحضارة الإسلامية، من المشهد التاريخي. ويستعرض الجابري تأثيرات الحرب على المجتمعات العربية، مؤكدا أن هذه الحروب لا تقتصر على الآثار العسكرية المباشرة، بل تشمل أيضًا التغيرات الاجتماعية والاقتصادية العميقة التي تهز بنية المجتمعات العربية.
السرطان هنا ليس فقط في الطبيعة العسكرية للحروب، بل في الطرق التي تتعامل بها المجتمعات العربية مع هذه الحروب، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى نوع من الانقسام الداخلي، وإضعاف الروح الوطنية، وانحدار القيم الثقافية. يشير الجابري إلى أن الغرب، من خلال توظيف القوة العسكرية، قد أصبح يُلزم الدول العربية على تبني نظم اقتصادية وسياسية تخدم مصالحه، مما يساهم في زيادة الفجوة بين هذه الدول والشعوب الغربية. وهو ما يجعل الحروب في نظر الجابري، سرطانًا ينخر جسد الحضارة العربية والإسلامية، ويعوق تطورها المستدام.
رغم هذا التشخيص الحاد، فإن الجابري لم يتوقف عند حدود النقد السلبي للحروب الغربية وآثارها، بل دعا إلى إعادة بناء الفكر العربي وإعادة النظر في الأيديولوجيات السائدة التي ساهمت في الوقوع في فخ هذه الحروب. ويشدد الجابري على أن مواجهة هذه الهيمنة الغربية لا تكون عبر المزيد من الصراعات العسكرية، بل عبر بناء بنية ثقافية وفكرية قادرة على تحدي هذه الحروب وأسسها. وفي هذا السياق، يدعو الجابري إلى تعزيز قيم المعرفة والتعليم، وإلى بناء مشروع نهضوي ثقافي يُعطي الأولوية للبحث العلمي وتطوير القدرات المحلية في مختلف المجالات.
ويؤكد الجابري في أعماله أنه لا بد من تفعيل مشروع عربي حقيقي يتجاوز الخلافات السياسية الداخلية والتبعية الاقتصادية، ويضع أساسًا قويًا لبناء مجتمع عربي حديث قادر على مواجهة تحديات العصر. في هذا الإطار، يرى الجابري أن تطوير الفكر العربي وتحديثه بشكل نقدي يعد أحد السبل الأساسية لمواجهة الأزمات التي خلفتها الحروب. كما أن الجابري يشير إلى ضرورة التخلص من آليات التفكير التقليدية التي ترتكز على ردود الفعل العاطفية تجاه الغرب، بل دعوة إلى التحليل العقلي النقدي وتوسيع دائرة التعاون مع الدول الأخرى في إطار عالمي جديد.
من أهم ما يطرحه الجابري هو فكرة الحرب الثقافية، حيث يرى أن الغرب، من خلال استراتيجياته العسكرية، يسعى إلى تصدير منظومته الثقافية والفكرية إلى المنطقة العربية. ويستعرض الجابري في تحليلاته كيفية فرض الغرب لقيمه العلمانية على المجتمعات الإسلامية، وكيف يسعى لتشويه صورة الحضارة الإسلامية من خلال الترويج لقيم الغرب باعتبارها النموذج المثالي. ويعتبر الجابري أن الحروب الحديثة لا تقتصر على المواجهات العسكرية فحسب، بل تشمل أيضًا حربًا ثقافية تهدف إلى إعادة صياغة العقل العربي والإسلامي وفقًا للرؤية الغربية.
في هذا السياق، يعارض الجابري محاولات الغرب لفرض هيمنته الثقافية على المجتمعات العربية، ويشدد على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية العربية والإسلامية في مواجهة هذه الحروب الثقافية. فهو يرى أن حماية هذه الهوية تكون عبر تطوير فكر نقدي داخل المجتمع العربي يساعد في تعزيز قيمه الثقافية والدينية، والتفاعل مع الحضارات الأخرى من دون التفريط في مبادئه.
إن الجابري، من خلال مقالاته وأعماله الفكرية، يقدم تحليلًا عميقًا للحروب وتأثيراتها على المجتمعات العربية. فهو ينظر إلى الحرب ليس فقط كحدث عسكري بل كظاهرة ثقافية وفكرية تؤثر بشكل عميق في هوية المجتمعات ونظامها الاجتماعي والسياسي. ويؤكد أن العالم العربي بحاجة إلى بناء رؤية جديدة تتجاوز الحروب والتحديات الحالية، وأن التغيير الفعلي يبدأ من إعادة بناء الفكر العربي على أسس عقلانية وعلمية تستطيع مواجهة التحديات الكبرى التي فرضتها الحروب الغربية على المنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.