أقدمت مجموعة مسلحة، يوم الإثنين، على دخول قاعدة عسكرية أوكرانية في منطقة "باهجه سراي" في جمهورية القرم، بالتزامن مع محاصرة مقرات أخرى في شبه الجزيرة، فيما يبدو أنه مخطط روسي للسيطرة على مواقع عسكرية في القرم ذات التاريخ الحافل بالحروب والصراعات المحلية والإقليمية والدولية على مر التاريخ. من جهتها ذكرت قيادة القوات البحرية الأوكرانية قيام 200 جندي روسي، بمحاصرة مستودع للذخيرة تابع لوحدة تقنيات الصواريخ العسكرية الأوكرانية، في منطقة "جيرنومورسك" بالقرم. وتشهد الجمهورية التابعة لأوكرانيا والمتمتعة بنظام للحكم الذاتي، منذ 27 فبراير الماضي، انتشار مسلحين بزي عسكري سيطروا على العديد من المقرات المدنية والعسكرية ،وما زالوا يحاصرون مبان ومقرات أخرى، في الوقت الذي تتهم فيها السلطات الأوكرانية تلك المجموعات بأنهم جنود روس، فيما ترد روسيا ن بأن لا علاقة لهؤلاء بالجيش الروسي، بل هم مجموعات حماية من سكان القرم أنفسهم. وتشير الأوساط المتابعة لهذه الأزمة، التي جرى توصيفها من قبل العديد من الدبلوماسيين الغرب بأنها الأزمة الأخطر التي تواجه أوروبا في هذا القرن، بإنه استنادا إلى الأهمية الاستراتيجية لشبه جزيرة القرم بالنسبة إلى روسيا وفي ظل الاندفاع الغربي باتجاه دعم النظام الجديد في أوكرانيا الموالي للغرب والمعادي لروسيا، فإن احتمالات العودة إلى الحرب الباردة وربما إلى الحرروب العالمية على غرار الحرب العالمية الأولي والثانية التي شهدها مطلع القرن الماضي، تبقي واردة بقوة. استفتاء القرم وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي أعلن فيه الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، جاي كارني، أن الولاياتالمتحدة، ترى الاستفتاء الذي ستشهده جمهورية القرم هذا الأسبوع، "أمرا غير شرعي"، رافضا التوقع ما إذا كان قرار تنظيم الاستفتاء سيتم التراجع فيه أم لا، وقال في هذا السياق "لا يمكنني توقع المستقبل، لكن يمكنني القول إن الولاياتالمتحدة لن تعترف به لعدم شرعيته". وكان برلمان "القرم" قد اتخذ قراراً الأسبوع الفائت بالانضمام لروسيا، وطرح القرار على استفتاء حدد موعده في 16 مارس الحالي، وهو ما لاقى معارضة من الدول الأوربية والولاياتالمتحدة، فيما تعهدت السلطات الأوكرانية بالدفاع عن وحدة أراضيها. بدوره طالب رئيس وزراء أوكرانيا أرسيني ياتسينيوك بإلغاء الاستفتاء على ضم القرم لروسيا، مضيفاً أن الحكومة في القرم غير شرعية، وتعيش تحت حماية 18 ألف جندي روسي،" ووصفها "بالعصابة المجرمة التي خرقت الدستور الأوكراني"، متهما موسكو بالعودة إلى أجواء الحرب الباردة التي تشهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وفي غضون ذلك شهد ميدان "بوشكينسكايا" في العاصمة الروسية موسكو مظاهرة حاشدة مؤيدة للاستفتاء الذي سيحدد مصير شبه جزيرة القرم في بقائها ضمن أوكرانيا أو الانضمام إلى روسيا الاتحادية، حيث ردد المتظاهرون، يوم الإثنين، هتافات من قبيل "موسكوروسيا القرم" وأخرى مؤيدة لسياسة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في القرم، كما رفعوا يافطات تنتقد سياسة الدول الغربية تجاه أوكرانيا. إحياء روسيا القيصرية من جهته اعتبر المؤرخ التركي خليل إينالجيك، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين لديه نظرية لإعادة تأسيس إمبراطورية قيصرية"، مؤكدا أن "أساس السياسة الروسية اليوم هي "الأوراسية"، والتي تحولت إلى "الأوراسية الجديدة" لتبدو بصورة ألطف، أن وسبب إرسال بوتين جيوشه اليوم إلى القرم، هو إعادة إحياء روسيا القيصرية"، وفق تعبير المؤرخ التركي. وأضاف إينالجيك في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول أن روسيا تعتبر "الشعوب الممتدة من بولندا وحتى آسيا الوسطى، كانت مرتبطة ثقافيا بالروس لعصور وينبغي إعادة إحياء ذلك"، موضحا أن مفهوم الأوراسية يقول "نحن أخوة، وروسيا تحميكم في أوروبا وآسيا". وأردف المؤرخ التركي قائلا "لقد انتهى في عهد غورباتشوف المفهوم القائل نحن ننشر ثقافتنا، وحصلت الشعوب في دول على غرار قرغيزيا، وتركمانستان، وأوكرانيا على استقلالها، لكن بوتين يسعى بكل جهده لإعادة إحياء الحكم الروسي في هذه المناطق، وجمع هذه الشعوب تحت نير روسيا"، مشيرا إلى أن شبه جزيرة القرم "تعد عتبة انطلاق بالنسبة لروسيا لتهديد منطقة الأناضول، واسطنبول والمضائق، ومركزا لتهديد تركيا عموما" يورد إينالجيك.