ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس خطابا يعد بكل المقاييس الأهم منذ توليه منصب الرئاسة ، وهو الخطاب الذي خصصه لمشروع إصلاح الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة بحضور أعضاء الكونغريس الأميركي من نواب وشيوخ ومن كلا الحزبين. "" وكما كان متوقعا فقد ركز الرئيس الأميركي على الوضعية التي يعيشها أكثر من ثلاثين مليون مواطن أميركي لا يتوفرون على تأمين صحي مطالبا الكونغريس بديموقراطييه وجمهورييه التقدم بمشاريع تصب في مصلحة الشعب الأميركي وتتجاوز الخلاف السياسي . كما اتهم الرئيس الأميركي بعض خصومه من الجمهوريين باتباع سياسة التخويف والترهيب على حساب الشعب الأميركي مستدلا في ذلك بالنقاشات التي شهدتها مدن وقرى الولاياتالمتحدة خلال الصيف الماضي والتي بلغت حسب كلام الرئيس إلى حد اتهامه بالتخطيط لقتل فئة المسنين والحكم عليهم بالوفاة، وهو الاتهام الذي سفهه أوباما واصفا إياه بالسخيف ، كما نفى الرئيس الأميركي مصداقية ما يروج من إدعاءات حول نيته في تأميم نظام الرعاية الصحية مؤكدا أن هذا الإتهام باطل وأن برنامجه على العكس من ذلك يصب في صميم روح المنافسة والتنويع في الخيارات معتبرا أنه من الضروري تدخل التأمين الصحي العمومي(الدولة) لمنافسة الشركات الخاصة وبالتالي التسريع في خفض الأسعار التي وصفها بالعالية والمبالغ فيها . كما أكد أوباما أن الولاياتالمتحدة تعتبر البلد المتقدم والديموقراطي الوحيد في العالم الذي لا يتوفر على نظام رعاية صحية يتوازى وإمكانياته الإقتصادية ويليق بسمعته بين الدول. وعرف الخطاب شغبا من قبل النائب الجمهوري جو ويلسون عن ولاية كارولينا الجنوبية الذي صاح " إنك كذاب " في تعقيب على تصريح أوباما بأن الفرض الإجباري للتأمين الصحي لن يشمل المقيمين غير الشرعيين في الولاياتالمتحدة كما أنه لن يؤدي إلى أي رفع لنفقات الدولة . وفي إشارة صريحة لدور ما يسمى بمجموعات الضغط والمصالح الخاصة وصف الرئيس الأميركي نظام الرعاية الصحية المتبع في الولاياتالمتحدة بأنه يصب في مصلحة جيوب الشركات الخاصة والجماعات التي تحارب التغيير وتطالب ببقاء الوضع على ما كان عليه من قبل. باراك أوباما لم يترك الفرصة تفوت دون التذكير بالأدوار الطلائعية التي لعبها السيناتور الديموقراطي الراحل تيد كينيدي ونضاله من أجل تثبيت نظام صحي يأخذ بعين الإعتبار حاجات الطبقات الفقيرة من الشعب الأميركي. وفي هذا الصدد كشف الرئيس الأميركي عن رسالة توصل بها من السيناتور الراحل تيد كينيدي دعاه فيها إلى اعتبار سنة 2009 سنة إصلاح نظام الرعاية الصحية. وجاء الرد المعاكس فورا على لسان النائب الجمهوري عن ولاية لويزيانا شارل بوستاني وهو جراح متقاعد، حيث دعى إلى إعادة فتح نقاش جدي حول نظام الرعاية الصحية بدل نهج سياسة يعارضها معظم الشعب الأميركي. وتجدر الإشارة إلى أن النقاش الذي يثيره مشروع الرئيس باراك أوباما للرعاية الصحية إنما هو في عمقه وحقيقته صراع أيديولوجي بين مدرستين في التعاطي السياسي الأولى تحبذ تحمل الدولة لجزء من المسؤولية في البرامج الإجتماعية العمومية وأخرى تتشبث بالنظام الليبرالي والسوق المفتوحة التي تحكمها المنافسة الشرسة والمصلحة التجارية. كما يجمع الملاحظون على اعتبار هذا المشروع الامتحان الأكثر صعوبة لرئيس بنى حملته على شعار التغيير ونبذ واقع الأمس وتغيير مسلمات واشنطن التقليدية بكل سلبياتها.. فهل ينجح أوباما في أول امتحان؟ وإلى اي مدى سيكون لأي فشل محتمل عواقب على نتائج الإنتخابات الجزئية للكونغريس سنة2010 ؟