ما من شك أن الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة تتجه نحو إيجاد سيجارة بلا دخان، أي تجسيد فرضية وجود نار بلا دخان ولا رماد، مما يبعث على التساؤل عن استكمال تصور سيجارة الألفية الثالثة، هل ستكون مجرد لعبة إلكترونية أم ستشكل ثورة علمية حقيقية ؟. "" ووفق المعطيات العلمية المتوفرة في الوقت الراهن، فإن السيجارة الإلكترونية، تماثل السيجارة العادية من حيث شكلها وحجمها، إذ صممت بمقاييسها إلا أنها لن تكون محشوة بالتبغ الذي عوض فيها ببطارية وشعلة ضوء حمراء تقع في مؤخرتها، وفيلتر تصفية يتصل بخرطوشة صغرى بداخلها معبأة بمادة النيكوتين السائل مع محلول مادة "بروبيلين غليكول"، وهي من طينة المواد المستعملة في صناعة الأدخنة الاصطناعية. وتكفي خرطوشة النيكوتين الواحدة لما يقرب 300 رشفة، مع العلم أن السيجارة العادية لا تتعدى 15 رشفة، وعند أخذ كل رشفة يتم الضغط على مشغل التسخين الذي يبخر سائل "البروبيلين غليكول" ليحولها إلى دخان، وتصاحب السيجارة الإلكتورنية أكثر من خرطوشة تبغ معبأة بجرعات مختلفة حسب مزاج المدخن، من درجة عالية أو متوسطة أو منخفضة أو بدون نيكوتين، وتوضع معها قصد استبدال الفارغة منها بعد الاستعمال. ويجري الحديث حاليا عن شروع شركات في عرض منتوجها الجديد في نطاق التسابق نحو غزو الأسواق الافتراضية لهذا النوع من السجائر، ومن بينها شركة صينية منتجة بلغت مبيعاتها نحو 300 ألف سيجارة إلكترونية إلى حدود سنة 2008. ومنذ أن استعرضت شركة "رويان" الصينية في ماي 2004 أول سيجارة إلكترونية، تصاعدت وتيرة الجدل حول هذا المنتوج الجديد الذي ربما وضع حدا لمضار التدخين ونفقات الدول في مكافحة الإقلاع عن هذه العادة السيئة، وهو الأمر الذي جعلها تتبوأ سنة 2008، من طرف الصحافة الدولية لائحة أهم عشر وسائل صحية الأكثر شهرة في العالم. وبالرغم من الحملات الدعائية واسعة النطاق التي رافقت مراحل انتاجها وعرضها، وإمكانيات مساعدة المدمنين على الإقلاع عن التدخين، فإن منظمة الصحة العالمية بادرت إلى وضعها ضمن "لائحة المنع"، إلى غاية ثبوت كونها آمنة من حيث استخدامها دون أن تكون لها أضرار جانبية على المستهلك. وفي هذا السياق، اتجهت أبحاث مؤسسة "هيلت نيو زيلاند" الصحية، قبل سنتين، نحو البحث حول المخاطر الممكنة جراء استعمال السيجارة الإلكترونية، لكن النتائج بدت "جد إيجابية" إلى درجة بدأ يحوم حولها الشك من كونها "مدفوعة الأجر" وأنجزت بدافع وتمويل من إحدى الشركات الصينية المنتجة. ومن بين النتائج التي توصل إليها الخبير موراي لوجيزن عن هذه المؤسسة، أن غياب عملية الاحتراق في السيجارة الإلكترونية يترتب عنه عدم ظهور ثاني أوكسيد الكربون أو أي مواد أخرى تتسبب في مرض السرطان علاوة على أن نحو 98 بالمائة من النيكوتين يتم امتصاصه خلال عملية التدخين مع تشتت أبخرة البروبيلين غليكول في ثوان مما تنعدم معه مسألة الإضرار بالمحيط المجاور للمدخن. ومن هنا يطرح أكثر من سؤال، من قبيل مدى مساهمة السيجارة الإلكترونية في التقليل من مخاطر الإصابة بالسرطان ؟ أو التقليص من مخاطر التلوث ؟ أو في مجال المساعدة على الاقلاع عن التدخين ؟ أما الإجابة عنها فستظل رهينة بنتائج أبحاث مجموعة المنظمة العالمية للصحة المسؤولة عن منتوجات التبغ التي قررت في اجتماعها السابق بجنوب إفريقيا في نونبر 2008، أن تعلن عنها في مستقبل قريب. وإلى ذلك الحين، يمكن القول إن السيجارة الإلكترونية لن تكون مجرد لعبة إلكترونية جديدة، بل ستشكل ثورة علمية حقيقية سوف تتجلى على الأقل في التقليل من مضار ومخاطر الإدمان وربما الاستغناء عن السيجارة العادية بصفة نهائية، كما لا يستبعد أن يكون لها أثر إيجابي كبير في خلق سلوكات مجتمعية جديدة، وأهمها إيجاد فضاءات عمومية وطبيعية سليمة وغير ملوثة.