يتعرض المغرب، في الآونة الأخيرة، لحملات إعلامية ممنهجة من لدن جهات معروفة بمواقفها الداعمة للطرح الانفصالي في الصحراء المغربية والمتوجسة من تصاعد دور الرباط في القضايا الإقليمية والدولية؛ وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي طالما أكدت المملكة، وعلى أعلى المستويات، دعمها لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، رغم المزايدات السياسية التي تستهدف هذا الموقف في الداخل وفي الخارج. وتعد الادعاءات الأخيرة التي نشرتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا"، في قصاصة تناولت خطة إدارة ترامب بنقل فلسطيني غزة إلى دول أخرى، مثالا واضحا على الاستهداف الإعلامي والحملات الدعائية التي يتعرض لها المغرب، حين اتهمت الرباط بالتواطؤ مع هذه الخطة الأمريكية. وادعت الوكالة الإيرانية الناطقة باسم نظام الملالي في طهران أن "الخطة الأمريكية لنقل الفلسطينيين قسرا من غزة قد تشمل المغرب ومصر والأردن ومنطقتين انفصاليتين في القرن الإفريقي"، معتبرة أن "خطة ترامب الاستعمارية لتهجير سكان غزة أثارت ردود فعل قوية من الدول العربية؛ لكن المغرب يظل أقل نشاطا في الاحتجاج ضد الولاياتالمتحدة"، بتعبيرها. وربطت هذا الموقف بما وصفته ب"تفكير الرباط في استعمار الصحراء"؛ وهو ما اعتبرته "خيانة للهوية العربية والإسلامية من أجل تحقيق مشاريعها التوسعية"، حسب ما جاء في القصاصة نفسها. بقايا دخان قال سعيد بركنان، محلل سياسي، إنه "بعد إعادة تشكيل الخريطة السياسية في صُرّة جغرافية الشرق الأوسط وتفكيك محور طهران – الجزائر – دمشق، بسقوط نظام بشار الأسد، الذي كانت تجتمع فيه خطة المحور الاستراتيجية لضرب سيادة المغرب ووحدته الترابية بدعم وتدريب جبهة البوليساريو؛ بات من الأكيد أن مثل هذه الادعاءات لا تجد لها تفسيرا سوى كونها بقايا الدخان التي تعقب طلقات البارود من بندقية قديمة تُحدث ضجة ولا تخلف إصابات". وأضاف بركنان، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ما نشرته وكالة الأنباء الإيرانية بشأن الخطة الأمريكية لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة لا يعدو كونه إعادة صياغة لما تم تداوله مؤخرا بشأن أن جغرافية تهجير الغزيين تشمل المملكة المغربية"، معتبرا أن "هذا الادعاء أو أي تصريح خطابي في هذا الشأن لا يمكن أن يكون إلا مادة دسمة للإعلام الذي يتحين الفرصة للنيل من سيادة ووحدة التراب المغربي". وتابع المتحدث ذاته بأن "بعض الأطراف المعروفة بمواقفها وتوجهاتها لا تنفكّ تعبر عن رغبتها في إقحام المغرب في نقاش تهجير سكان غزة، وهو الأمر الذي عبرت فيه المملكة عن موقفها الرافض. هذا النقاش يدور حاليا بين كل من إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر والأردن، في انتظار موقف جامعة الدول العربية الذي لا يمكن للمغرب أن يتخذ موقفا مخالفا له". وخلص إلى أن "هذا الادعاء يسعى إلى تقزيم حجم الدور المغربي في القضية الفلسطينية، وهو الدور الذي طالما تمسك برفضه لأي حل لا يكون مرهونا بإعادة قطار المفاوضات إلى سكة الحوار والسلام، وإقصاء المتطرفين الذين يعيقون مسار السلام من كلا الجانبين". حرب نفسية اعتبر البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، أن "استهداف المملكة المغربية، وبشكل خاص ترويج الأكاذيب من طرف الإعلام الإيراني فيما يخص مواقف المملكة من قضايا الشرق الأوسط، وبشكل خاص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يظل ثابتا من ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية". وأبرز البراق، الذي كان يتحدث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ترويج خبر زائف يستهدف الوحدة الترابية للمملكة المغربية وربطها بمشاريع استيطانية يندرج في إطار الحرب النفسية التي تستهدف تماسك الشعب المغربي المصطفّ وراء المؤسسة الملكية ومواقفها الثابتة والراسخة إزاء القضية الفلسطينية". وأضاف المتحدث عينه أن "المبادرة الملكية الأخيرة والوساطة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لرفع المنع عن ميزانيات احتجزتها إسرائيل أزعجت العديد من المحاور الإقليمية؛ وعلى رأسها إيران التي تراهن على أزمات ومعاناة الشعب الفلسطيني لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة"، مسجلا أن "إعادة ترويج أكذوبة استعداد المغرب لاستقبال مهجرين فلسطينيين من قطاع غزة هو محاولة يائسة من المخابرات الإيرانية لبعثرة الأوراق الإقليمية وتخفيف الضغط الدبلوماسي والسياسي على أدواتها في المنطقة، مثل ميليشيا البوليساريو والنظام الجزائري". وأشار الخبير الدولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر إلى أن "قصاصة أخبار وكالة الأنباء الإيرانية تندرج في إطار كلاسيكيات الدبلوماسية الإيرانية، التي ترى في المغرب عقبة كبرى أمام أحلام ملالي طهران لتحقيق الاختراق المطلوب في شمال وغرب إفريقيا"، معتبرا أن "النظام الإيراني، في إطار تلاعبه الدائم بالمحاور الإقليمية ومحاولاته المستمرة لتحقيق اختراقات جيوسياسية إقليمية، يراهن بشكل كبير على النظام الجزائري وسياساته التوسعية لتنفيذ الأجندة الإيرانية في الشرق الأوسط وشمال وغرب إفريقيا، من خلال تشجيع الفوضى والخراب وإفشال الدول الوطنية لتعزيز دور ميليشياته وأدواته الإقليمية". وخلص البراق شادي عبد السلام إلى أن "السياسات الإيرانية الحالية تتعارض بشكل كلي مع المقاربة المغربية الشاملة لتحقيق الأمن البشري في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، كما تتنافى مع التوجهات الدبلوماسية المغربية الواضحة والرصينة المبنية على السلام والأمن والتنمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والحفاظ على سيادتها. وبالتالي، فإن الحديث عن تقارب محتمل بين الرباطوطهران يظل أمرا مستبعدا في ظل إصرار النظام الإيراني على دعم المشاريع الانفصالية والإرهابية في شمال إفريقيا".