الذكرى السادسة لاغتيال وزيرة خارجية السويد آنا ليند "" عندما تمّ اغتيال آنا ليند في 10 شتنبر 2003 ، أقام مسلمو السويد لدى وفاتها بعد يومين أكبر تأبين إسلامي لامرأة غير مسلمة، وقد دعا مجلس الأئمة في السويد إلى تخصيص خطبة الجمعة في جميع مساجد البلاد للحديث عن مناقب السيدة آنا ليند والصلاة على روحها. وفي ستوكهولم أيضاً تجمع أكثر من ألفي شخص في المسجد الكبير ليصلوا من أجل وزيرة الخارجية وليعربوا عن حزنهم بفقدانها، حيث أشاد الخطباء بتسامحها ومواقفها الجريئة ضد العنصرية ومعاداة الأجانب وبدفاعها عن حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين واندماجهم في المجتمع السويدي ومواقفها في الدفاع عن الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. ويتذكر المسلمون في السويد مواقف آنا ليند في محاربة الأفكار المعادية للعرب والمسلمين في أوروبا إثر أحداث الحادي عشر من شتنبر في الولاياتالمتحدة، وإصدارها كتاب مدرسي بعنوان "ياآلاه أو يالا.. الآن نزين نحن الغصن" لتثقيف النشء الجديد بماهية الإسلام كدين تسامح ومحبة، والكتاب وزع على جميع مدارس البلاد مجاناً مع توصية إلى المدرسين بالاهتمام بشرحه أمام التلاميذ. وفي يوم صدور الكتاب عقدت الوزيرة مع وزيرين آخرين هما وزيرة الديمقراطية ووزير المدارس مؤتمراً صحفياً لشرح أبعاد هذا الكتاب وأهميته، ثم توجهت بنفسها حاملة نسخاً منه إلى مسجد ستوكهولم المركزي في العاصمة العاصمة السويدية لتهديها إلى مكتبة المسجد. كما أن آنا ليند قامت بزيارات كثيرة للمساجد في السويد وجمعيات المهاجرين المنتشرة في كل المحافظات السويد وكانوا يستقبلونها بالورود والترحيب، وقد شاركت وعدد من الوزيرات بافتتاح مسجد ستوكهولم. وقبل حلول الذكرى الأولى لاغتيالها عادت قضية آنا ليند إلى الواجهة الإعلامية والسياسية في السويد وذلك بعد نشر أصدقاء آنا ليند من سياسيين وديبلوماسيين وقانونيين مقالة في جريدة أخبار اليوم السويدية – داغينس نهيتر – وفيها يعتبرون أنّ اغتيال ليند هو سياسي بالدرجة الأولى، وطالبو بالكشف عن الأيدي السوداء التي تقف وراء اغتيالها خصوصا وأنّها كانت كثيرة التهجّم على السياسة الأمريكية والإسرائيلية في السويد وفي مؤتمرات الإتحّاد الأوروبي في العواصمالغربية. وتأتي هذه المطالبة من قبل قانونيين و ديبلوماسيين وسياسيين سويديين بالكشف عن الحقيقة الكاملة بعد أن قررّ المدعّي العام السويدي إلغاء عقوبة السجّن المؤبّد ضدّ قاتل آنا ليند ميخائييل ميخائيلوفيتش وهو سويدي من أصول صربيّة وإحالته إلى مصحّة نفسية. وقد استبدلت محكمة الاستئناف سفيّا هوفرتّن حكم السجن المؤبد الصادر ضد قاتل آنّا ليند وزيرة الخارجية السابقة واستبدلته بالحكم على المدان بالعلاج النفسي، ورأت المحكمة في حكمها الذي أصدرته يوم 14 حزيران 2004 أن المدان ميخائيل ميخائيلوفيتش يعاني مشاكل نفسية جلية، مشيرة في ذلك إلى أن عدداً كبيراً من الخبراء يقفون إلى جانب هذا التقييم، وأنّ حكم محكمة الاستئناف أتفق مع ما توصلت إليه محكمة ستوكهولم الابتدائية من أن المدان كان يعرف تمام المعرفة أنه يستهدف آنا ليند بالقتل، وأبقت المحكمة على حجم التعويضات الذي أقره الحكم الأول لطفلي آنّا ليند وهو خمسون ألف كرونة سويدية – كل ثمانية كرونات سويدية تساوي دولاراً واحداً - لكل واحد منهما لمعالجة الآثار النفسية التي لحقت بهما عقب اغتيال والدتهما. بيتر آلتين محامي ميخائيلوفيتش عبر عن شيء من الارتياح لقرار محكمة الاستئناف وقال آلتين في هذا الصدد:"لقد قلت على الدوام إذا كان موكلي يتحمل مسؤولية عما حدث، فإن الحكم المناسب هو ما قررت محكمة الاستئناف الآن"، ومضى إلى القول: "أن أبرز الخبراء في السويد وفي المجلس العدلي متفقون على حاجة موكلي إلى العلاج النفسي، وهذا هو التقييم الذي وقفت إلى جانبه بقوة، إنني لم أطلع بعد على كامل حكم محكمة الاستئناف، ولكن الفارق بين حكمها وحكم المحكمة الابتدائية أن الحكم الأخير لم يؤكد أن ميخائيلوفيتش شاهد آنّا ليند في الدور الثاني من المبنى الذي وقع فيه الحادث، وأجد أن قرار الاستئناف سار في جانب كبير منه على الخط الذي سرنا فيه". وحين سئل آلتين عن رد فعل موكله على الحكم قال: "لقد اتفقنا على أن لا نقول أكثر من أن الحكم الحالي أفضل من حكم المحكمة الابتدائية". وعن اغتيالها قال أحمد رامي من أصول مغربية صاحب راديو الإسلام المتخصص في فضح الحركة الصهيونية بأنّه سبق له وأن أستضاف السيدة آنا ليند في راديو الإسلام و تحدثت بجرأة كبيرة ضد الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني الذي يخترق يومياً حقوق الفلسطينيين الأبرياء، و قال رامي: "إنّ السفير الإسرائيلي وعندما استضافته القناة السويدية الثانية قال بالحرف الواحد أنّ السيدة آنا ليند وزيرة خارجية السويد تتمتّع بكراهية اليهود، وقد قتلت بعد هذا التصريح مباشرة". وذهب رامي إلى أنّ العديد من المثقفين السويديين المعادين للحركة الصهيونية يجمعون على أنّ اغتيال آنا ليند سياسي، وتحويل المتهم باغتيالها إلى المصحة النفسية دليل على وجود جهة محترفة نفذّت الاغتيال خصوصاً وأنّ بعض الصحف السويدية أشارت إلى أنّ القاتل المحتمل كان مخدراً ساعة اغتيال ليند. وللإشارة فإنّ ليند ولدت في العام 1957من أب رسام ذي ميول يسارية أو ماركسية، كما يشير البعض وأم كانت تمارس مهنة التعليم، لكن ايلفا آنا ماريا ليند (وهذا هو اسمها الكامل) نشأت كأول سياسية في عائلتها. ومنذ بلوغها الثانية عشرة بدأ اهتمامها بالعمل النقابي والاجتماعي ومن ثم السياسي، حيث بدأت كثيرة التساؤل عن أمور شتى تخص الحياة السياسية والاجتماعية إذ يقول والدها انه كان يرد على أسئلتها ما استطاع، لكنها كانت ملحاحة وتريد معرفة المزيد. وهي في تلك السن أصبحت آنا ليند رئيسة للجنة الطلابية في مدرستها، وعندما بلغت الثالثة عشرة انتخبت لعضوية قيادة الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية، وشاركت في التظاهرات كتلك التي قادها رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي ورئيس الوزراء الأسبق ألوف بالمه ضد الحرب الأميركية على فيتنام العام 1969وفي العام 1976 انتخبت للمجلس البلدي في مدينة اينشوبينغ وهي في التاسعة عشرة من عمرها. في العام 1982 أنهت آنا ليند دراستها الجامعية في كليّة الحقوق وعملت في المحكمة، وفي العام نفسه انتخبت وهي ابنة الثانية والعشرين إلى البرلمان السويدي لتقضي فيه ست سنوات وفي العام 1984 استلمت آنا ليند رئاسة اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية. اشتهرت آنا ليند أول مرة كمناضلة عنيدة في دفاعها عن سلامة البيئة، فلم تتردد في التصدي للشركات والمؤسسات التي تضر نشاطاتها بالبيئة، ولم يتفاجأ السويديون عندما اختارها رئيس الوزراء السابق إنغفار كارلسون في العام 1994 لتسلم مهام وزارة البيئة. ولما أعاد خليفته يوران برشون تشكيل الحكومة في العام 1998 اختارها لتسلم حقيبة الخارجية لتقوم بمهام السياسة الخارجية والأمنية وحقوق الإنسان وضمان حقوق المواطن السويدي المثلى في البلدان الأجنبية بالإضافة إلى تمثيل السويد أمام العالم. وبين عالم الرجال ذوي البدلات الأنيقة في أروقة مركز الإتحاد الأوروبي في بروكسل، برزت آنا ليند امرأة فرضت احترامها وحب الآخرين لها. وفي كل هذه المهام الملقاة على عاتقها حققت نجاحات طيبة، لتفوز وبوقت قصير نسبياً بموقع سياسي متميز وتحظى بمكانة يشهد لها كل زملائها في الاتحاد الأوروبي. وكان ينظر إليها على أنها خليفة رئيس الوزراء السويدي يوران بيرشون في قيادة الحكومة ، لكنها قالت أنها لا ترغب بهذا المنصب الذي قد يشغلها كثيراً عن حياتها العائلية التي لا تريد أن تضحي بها. كانت انا ليند قد تعاهدت مع زوجها بو هولمبري الذي يعمل رئيساً للجنة النيابية في إحدى المحافظات غرب البلاد أن عملها في الحكومة لا يمكن وبأي حال من الأحوال أن يؤثر على تربية طفليهما ولهذا الغرض كانت "أجندتهما" مليئة ليس بمواعيد الاجتماعات واللقاءات وغيرها من نشاطات العمل فحسب، بل وكذلك بمواعيد تقاسم رعاية الطفلين وتنظيف البيت وغسل الملابس وكل ما يتعلق بشؤون البيت والعائلة. عندما سئلت وهي تستلم مهمتها كوزيرة لأول مرة عن الشيء الذي تفتخر به آنا ليند لم تترد في القول أنهما ولداها، وقد أحسنت تربيتهما، رغم صعوبة مهامها وسفرها الدائم. وفي رسائل وداع منفصلة كتب دافيد ابنها البكر الذي يبلغ الثالثة عشرة من عمره يقول: «لقد فقدت أفضل و أروع أم في العالم، والأهم بالنسبة لي الآن أن اعمل ما رغبت به أمي، أن لا أفكر بالثأر وأن أحيا حياة طويلة وسعيدة مع أطفال وأحفاد، أنا أفكر أن اجعل أمي فخورة بي، أن اعمل كل ما أحبته، ربما سألتقي معها في السماء أو ما شابه، لكني أولا أفكر بان أعيش حياتي فوق الأرض ، تماماً مثلما رغبت أمي». فيما قال ابنها الأصغر فيليب ابن التاسعة ربيعاً أنه كتب رسالة إلى أمه ووضعها في تابوتها لأنه لا يريد أن تنشر في الصحافة، أما زوجها فقد كتب معبراً عن حزنه لافتقادها يقول: "لقد فقدت آنًا، في عالمنا العائلي الصغير وفي هذا العالم الرسمي الكبير، وهذا هو حزني، أن أعيش بقية عمري دون آنّا ولكن مع ابنينا".