لا يختلف اثنان على أن للقيم دورا رياديا في بناء علاقات اجتماعية مثنية تلهم أفراده بتطوير مهارات النمو الفكري. لكن كيف السبيل كي نحافظ عليها والعالم يعيش طفرة الكترونية داهمت بيئاتنا دون أن نكون محصنين ولا مهيئين لمواجهتها؟ النظرية المعرفية الاجتماعية للأخلاق حسب البير باندورا تركز على قدرة المحيط، الذي من المفروض أن تكون له معارف، خلفيات فكرية وكفاءات أخلاقية لينتج لنا طفلا مؤطرا له القدرة على التمييز الحسي بين الصحيح والخطأ وفق لوحة قواعد للسلوك القويم اكتسبها من التحفيز والمكافآت، وبالتالي سينتج لنا سلوكيات تنم عن قدرة السيطرة على الذات. أحيلكم على كتب العالم التربوي والنفسي باندورا التي تعد من بين أكثر الكتب في العالم إحالة في صفوف الباحثين تصل إلى 5000 اقتباس على "غوغل سكولار" بعد فرويد ولا كان مثلا كتاب "فاعلية الذات: ممارسة التحكم" (Self-efficacy: the exercise of control). "وكتاب " تحليل الإجرامية والعدوان". هل تغييب إسهامات علمائنا في العلوم المعاصرة؟ الباحث محمد السيد عبد المنصف الوزير استخدام المنهج الاستقرائي والاستنباطي التحليلي للنظرية الأخلاقية عند الغزالي الذي غاص في علوم الفلسفة والباطنية، يظهر لنا أن مفهوم الأخلاق عنده يوازي التطبيقات التربوية المعاصرة. حيث يفرق بين الخلق كسجية وطبع وبين حسن الخلق، لذا الأخلاق عنده لها جانبان: فطري ومكتسب وأن هناك وسائل للتربية الأخلاقية ومراحل. في كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان يرى ابن مسكويه أن الخلق هو: "حال للنفس، داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية، وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعيا من أصل المزاج (...) ومنها ما يكون مستفادا بالعادة والتدريب، وربما كان مبدؤه بالروية والفكر، ثم يستمر عليه أولاً حتى يصير ملكة وخلقا". اليوم أبناؤنا أمام العالم الافتراضي يواجهون اللايقين. نحن أمام طغيان عصر الرقمنة دون إيجاد وسائل للحماية القانونية وفي غياب خريطة للمفاهيم. نحن كمرجعيات إسلامية أمام إشكالية الالتزام القيمي والبناء الحضاري بضوابط في مواجهة التسارع الرهيب وهيمنة الرقمي أمام جيل هش بحمولة معرفية وبخلفيات ضعيفة وأسئلة وجودية. نحن فعلا كآباء ومربين أمام أزمة أخلاقية نتيجة الإدمان الإلكتروني، تغيرت معه طرق التفكير ومعالم الهوية وملامح جيل بكامله حيث أصبحنا أمام شخصيات متقلبة ضعيفة يركن جزء منها في زاوية التفاهة في مقابل تسول "اللايكات" و"البارتاج"، بهدف توسيع مجموعة الأصدقاء الذي يعد بالنسبة لهم رأس المال الاجتماعي "capital social". التدوينات المتهورة والاندفاعية على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرف من يغيب عنهم التأطير انه يتحمل فيها مسؤولية قد تكلف صاحبها تحريك مسطرة النيابة العامة وفتح تحقيق من طرف مصالح الشرطة القضائية. إعلام "البوز" و"الكليك" من أجل الرفع نسب المتابعة والمشاهدة أوقع الكثير في ورطة أفعال تدليسية وارتكاب جنح يعاقب عليها القانون والمساهمة في تضليل العدالة، خاصة إذا تضمنت أقوال أو افعال التحريض على القيام بجرائم يعاقب عليها القانون. هل يبحر أبناؤنا وبناتها عبر شبكات التواصل بأمان؟ الألعاب الإلكترونية مثلا، كنوع من أنواع الترفيه هي أنظمة تم ابتكارها للتمكن من التفاعل عن طريق اللعب لكنها لا تخلو من مخاطر العنف والإدمان الالكتروني الذي يتسبب في ضعف التركيز وهدر الزمن المدرسي بل كما هو الشأن بالنسبة لمدمني لعبة تحدي "الحوت الأزرق" الذي تسبب في التحريض على انتحارات عديدة في صفوف اليافعين قبل معرفة أصل المشكلة. الشيء الذي جعل العالم يقف قلقا وراء هاته الظاهرة الخطيرة خاصة أن من بين المهام التي تطلبها اللعبة هو إيذاء النفس بأدوات حادة، المشي على حافة السقف تهييئا للانتحار في آخر خطوة من اللعبة في مرحلتها 50، التحدث مع الغرباء عبر "سكايب" قضاء أوقات طويلة في غرفة مظلمة تسبب الاكتئاب إلى جانب تعليمات سرية في البرمجيات. أكدت دراسة أسترالية جديدة أن نمو فوبيا الخوف من الانفصال عن الهاتف المحمول أو الاعتماد المفرط على هاتفك الذكي كأداة أساسية للحياة الحديثة، يمكن أن يضر بالصحة الجسدية والعقلية ويؤدي إلى سلوك خطير. يبحث المراهق عن الانتماء ويعبر عن ذلك من خلال رموز دالة تقربه من ممارسات أقرانه من أبناء جيله. في فترة بناء ذاته يبحث عن الاستقلالية والتحرر يلجأ إلى ثقافة المهارات الرقمية والهوية الرقمية التي ساهمت في تغيير نمط العلاقة المجتمعية مع الآخرين. الانطواء وتحقيق المتعة مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كشكل من أشكال التواصل مع أصدقاء العالم الافتراضي محفوفة بإمكانية التعرض للأذى نتيجة التأثيرات المختلفة غير المتحكم فيها على العادات وأنماط العيش. تبدو المؤانسة الوسيطة أمرًا أساسيًا في استخدامات الأحداث وتُظهر الدراية الفنية التقنية والعلائقية. تفاعل المستخدم وتواصله في البيئة الرقمية بقدر ما تقدم فرصًا فهي تقدم مخاطر على المستويات النفسية والاجتماعية والتقنية أيضًا، مما قد يجعل الهوية الرقمية عرضة لأنواع مختلفة من جرائم الخصوصية. هل نحن فعلا أمام مواطن رقمي؟ بعض الشباب يميلون إلى المبالغة في تقدير أنفسهم مقارنة بكبار السن. وبوجه عام، فإنهم يتمتعون بتحكم أفضل في الشبكات الاجتماعية والمدونات والمحادثات وألعاب الفيديو، ويعتقدون أنهم أتقنوا الأدوات التكنولوجية ككل. ومع ذلك، في استخدامات الأحداث لوسائل الإعلام الجديدة، يكون للاتصال الأسبقية على المعلومات. يمكننا أن نتساءل عن قيمة الاتصالات المطبقة في الشبكات. في ما يتعلق بمحتوى الاتصال، قد يبدو الاستخدام التواصلي لوسائل الإعلام الجديدة من قبل الأجيال الشابة قريبًا من "الدرجة الصفر". يتعلق الأمر بشكل أساسي بالروتينيات وبالقفشات وبالمناقشات التافهة. التواصل هنا يختزل في الوظيفة الصوتية "la fonction phatique" للتواصل (جاكوبسون، 1960) هي السائدة في التبادلات. (انظر المرجع Computer Science Data Driven Approaches in Digital Education) approches basées sur les données dans l'éducation numérique dans les actes des conférences européennes sur l'apprentissage amélioré par la technologie 2017). العصر الرقمي يحتاج إلى ميثاق أخلاقي. هنا تكمن أهمية صناعة محتوى هادف ومقياس رقمي يحمي من المخاطر التي يمكن ان يتعرض إليها أطفالنا. نحتاج أيضا إلى إنتاج ضوابط قانونية لحماية المستهلك من الرسائل التي يمررها الإشهار الذي تقوم عليه التجارة الإلكترونية بهدف تحقيق الأرباح أو انتهاك الخصوصية بتوظيف المعلومات الخاصة دون الموافقة. هنا يأتي دور التشريع المواكب للثورة التكنولوجية. قد يقول قائل إنه لا مجال لرفض العصر الرقمي تحت طائلة فقدان الهوية والخصوصية ومقومات الوطنية. نحن شعوب مستهلكة إلكترونيا ولسنا في مستوى التنافسية الصناعية وتعليمنا مرتب في درجات متدنية من مستوى التمكن من التعلمات والكفايات الأساسية ولا نغير محتوى مناهجنا، وإن الحداثة مطلب كوني لذا علينا السعي إليها من أجل خلق توازنات بين إيجابيات وسلبيات العصر الرقمي. هل الفجوة بين الجيلين هي رقمية أو معرفية أم الاثنين معا؟ هل نعلن الحرب على التقنية ونفكر في مواجهتها؟ التي تعني في هذه الحالة -الهوية الرقمية- مواجهة الذات، أم علينا استغلال إمكاناتها للتكيف وتكوين أنماط للتعايش والصمود في البيئة الرقمية الجديدة باعتبارها حقيقة واقعية لا مناص للتملص منها؟ الباحث الأمريكي Marc Prensky خلق مصطلح الأبناء يشكلون فئة "المواطن الرقمي "Digital Natives" وجيل الآباء المهاجر الرقمي "Digital Immigrant". ليس لدينا خيار ونحن نعيش ما يصطلح عليه ب"الأزمة ما بعد العادية" التي لديها بكل تأكيد أثر على القيم وتعيد توزيع موازين القوى. في ظل التحولات الجذرية التي تحدث في اهتمامات الجمهور باستمرار من أسرع المجالات نموًا في عصرنا الحالي، نذكر صناعة المحتوى كعملية إبداعية هي علم وفن ولغة تواصل تتجاوز القيود وتتخطى الحدود لديها قدرة فائقة على تلبية احتياجات واهتمامات الباحثين عن المعلومة. جميع الدول تواجه إشكالات اختراق أنظمة المعلومات والتحديات للحفاظ على سيادتها الرقمية حيث ظهر ما يسمى بالأمن السيبراني "Cyber "Security الجرائم الرقمية "Cyber Crimes" تقنيات الهجمات "Attack Techniques" الجريمة المعلوماتية، يهدف من خلالها القرصنة سرقة أو إتلاف المعلومات أو التلاعب بالبيانات المخزنة وتدميرها. هي كل سلوك غير قانوني يتم باستخدام الأجهزة الإلكترونية ينتج عنها حصول المجرم على فوائد مادية أو معنوية مع تحميل الضحية خسارة مقابلة. التمكن من أدوات الاختراق الأخلاقي "Ethical hacking" يلزمنا لأنه يساعد على تطوير الحماية وعلى اكتشاف الثغرات والعيوب ويعرض الحلول لها. يساعد السلطات الأمنية والدول على تطوير آليات مكافحة هذه الجرائم وتشتغل على استحداث خطوط دفاع وسن قوانين ووصلات توعية الناس بمستحدثات هذه الجرائم وحثهم على الإبلاغ عنها. رغم وجود انظمة تشفير "Hi-tech" لكن يتم اختراق ومهاجمة أرصدة البنوك والشركات والمواقع الرسمية وأنظمة الشبكات الحكومية لأن فيها بيانات ومؤشرات مهمة، الحصول عليها يحقق نسبة كبيرة من الضرر. الهجمات الإرهابية التي تستخدم شبكة الإنترنت والتطبيقات على المستوى المحلي والدولي والتي غالبا ما يكون هدفها سياسيا، هو تدمير البنى التحتية الحيوية. الذكاء الاصطناعى كمصطلح تم ذكره سنة 1956 من طرف فريق من الباحثين الأمريكيين لكن أولى أعماله كانت سنة 1940. منذ بدايته وهو يتطور بسرعة فائقة وأصبح جزءا من حياتنا بسبب إمكانية التعلم الذاتي. إنه الطاقة الخلاقة أو الثورة التكنولوجية الرابعة لنظام عالمي جديد بدأت ملامحه قبل فترة كورونا. أن نركب قطار التحول الرقمي ودمج التكنولوجيا الرقمية في جميع مجالات الأعمال ليس خيارا بل نحن ملزمون بالاعتماد على التقنيات الرقمية المبتكرة ستغير الإجراءات الثقافية والتشغيلية تتوافق مع متطلبات الشركاء المتغيرة، مع خفض تكلفة التشغيل مع ترحيل الشركات من البنية التحتية القائمة على أجهزة الكمبيوتر المحلية إلى الحوسبة السحابية "cloud camputing" واعتماد الشركات على المستشعرات الذكية. الاستقلالية في مجال الجراحة عن طريق الروبوتات التي يمكنها التفاعل الاجتماعي، الطائرات بدون طيار في المجال العسكري وغيرها من الاختراعات الثورية. نحن كمربين نؤكد على أهمية تغيير محتوى المناهج التي لا يتغير خطابها إلا نادرا مع إدماج المهارات الحياتية والتفكير النقدي وتعزيز الثقة في النفس وترسيخ قيم المواطنة الرقمية انطلاقا من التعليم الماقبل المدرسي لكي يتحقق ذلك عليها إعداد دليل "المواطنة الرقمية".