اعتبر الباحث غسان الأمراني، مؤلف أطروحة جامعية عن مسار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن تجربة الحكم أفقدت الحزب بكارته وساهمت بشكل كبير في الأزمة التي يمر منها اليوم، إلى جانب أسباب أخرى كالإنشقاقات المتتالية وأزمة الهوية إضافة إلى الأسباب الخارجية كتصاعد التيار الإسلامي، مضيفا أن انشقاق "التيار الراديكالي" عن الحزب، بحكم أنه كان يفرمل التوجهات الذاتية والتهافت على المناصب، زاد في تأزيم صورة الحزب لدى الرأي العام. "" وخلصت بعض الأبحاث والقراءات إلى أن أزمة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يؤدي ضريبة الانخراط في تجربة "التناوب التوافقي"، في حين أن باقي الأحزاب المعنية بالتجربة في التدبير الحكومي، رفقة الاتحاد الاشتراكي، وخاصة منها حزب الاستقلال، لا يمر عمليا من الأزمة التنظيمية وأزمات نتائج الانتخابات كالتي يمر منها الاتحاد الاشتراكي. وحول تذبذب المرجعية الإيديولوجية للاتحاديين، بعد التموقع الحكومي، قال غسان الأمراني بأن تجربة التناوب التوافقي استنزفت الحزب، وانعكست سلبا على شعبيته وزادت من حدة تناقضاته الداخلية، فبعد معارضة طويلة لأزيد من ثلاثة عقود على عكس حزب الاستقلال الذي شارك سنة 1977 في الحكومة وجد الحزب نفسه أمام مسؤولية تدبير الشأن العام. كانت الانتظارات كبيرة والآمال معقودة عليه لتغيير الوضعية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، ولا يمكن أن نغفل هنا أن الخطاب الاتحادي سواء في الستينات أو السبعينات أو الثمانينات كان خطابا حاداً وقاسيا تجاه الحكومات المتعاقبة، يدغدغ عواطف ومشاعر الناس، "يشيطن" الدولة والحكومة ويضعها في مرتبة الخصم إن لم نقل العدو، وكان يعطي انطباعا وكأن حل جميع المشاكل رهين بإرادة سياسية أو بمعنى آخر أنه بمجرد تسلم الحزب لمسؤولية تدبير الحكومة سيتغير الوضع. ومن ثم انقلب السحر على الساحر فبغض النظر عن حصيلته الحكومية إيجابية كانت أم سلبية فإن الجماهير لم تكن رحيمة به ولم تكن راضية عن هذه التجربة بحكم الآمال التي علقتها انطلاقا من خطاب وشعارات الحزب. ويضيف الأمراني أن استمرار الاتحاد في الحكومة لأزيد من عشر سنوات إلى جانب أحزاب لم يكن بالأمس القريب يعترف بها ويعتبرها صنيعة القصر، انعكس سلبا على صورته لدى الناس فبات حزبا كباقي الأحزاب، فأين لمسة الحزب في البرنامج الحكومي؟ أين برنامجه الذي طالما دافع عنه؟ ما الذي يميزه الآن عن باقي الأحزاب؟ الأكثر من ذلك ما الذي يجمع الاتحاديين اليوم؟ ويرى الأمراني أن تجربة التناوب أفقدت الحزب بكارته وساهمت بشكل كبير في الأزمة التي يمر منها اليوم "إلى جانب أسباب أخرى كالانشقاقات المتتالية وأزمة الهوية إضافة إلى الأسباب الخارجية كتصاعد التيار الإسلامي .." مع أن الاتحاد الاشتراكي كان يشكل استثناء بين الأحزاب اليسارية في العالم العربي، ذلك أنه حتى أواسط التسعينيات كان بالرغم من المشاكل الداخلية التي يعاني منها، الحزب اليساري الوحيد في العالم العربي الذي مازال يتمتع بشعبية كبيرة، حتى بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وتراجع الإيديولوجيا اليسارية. ويمكن تفسير ذلك بكون الاتحاد كان حتى ذلك الوقت لم يتحمل بعد مسؤولية تسيير الحكومة، وكان قد رسم صورة الحزب المعارض، المناضل، القريب من الجماهير والذي يقدم التضحيات في سبيل الوطن، وبعد مرور بضع سنوات على تواجده في الحكومة بدأت شعبيته تتراجع والأزمة تتفاقم، وبدأ الحزب يتآكل شيئا فشيئا. في سياق متصل يعلم قادة الإتحاد الاشتراكي جيدا أن الحزب قد تم التشطيب عليه في مجمل الدوائر الحضرية بما فيها معاقله الانتخابية، ولكي يحافظ على عدد محترم من المقاعد تحفظ له ماء الوجه لجأ إلى التحالف مع القوة السياسية الأولى في المدن أي العدالة والتنمية الذي لولاها لما تمكن الاتحاد من الظفر بعمودية الرباط، فعدد المقاعد التي حصل عليها في هذه المدينة لا تخول له التنافس حول رئاستها، إلا أن أصوات العدالة والتنمية جاءت لصالحه ومنحته الرئاسة. وهنا لا تبقى أهمية للاختلافات الفكرية والسياسية والإيديولوجية، خاصة أن الاتحاد بدأ يستقطب في السنوات الأخيرة مجموعة من الأعيان القريبين من السلطة والذين لا تربطهم علاقة لا بقيم الاتحاد ولا باليسار ولا بأي شيء، في سبيل الحصول على المقاعد كما تحالف مع الأصالة والمعاصرة في بعض الدوائر، فلماذا لا يتحالف مع حزب ذي توجه ديني يرفع يافطة الأخلاق والقيم والمبادئ ؟! وهو تحالف شبيه بتحالف حزب الوفد الليبرالي بالإخوان المسلمين في مصر أوائل الثمانينات في الانتخابات البرلمانية، وكلنا نعرف ماذا جرى بعد ذلك: شبه إختفاء لحزب الوفد من على الخريطة السياسية المصرية "في أحسن الأحوال يحصد مقعدين" وازدياد حجم ونفوذ الإخوان في البرلمان المصري وفي النقابات وسيطرتهم على المجتمع. ويضيف أن الوضوح الإيديولوجي يقتضي تحديد هوية اليسار المغربي بعيدا عن الكلام العام، يجب تسطير برنامج مجتمعي شامل، تحديد موقف موحد لليسار من مجمل القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، والقيام بنقد ذاتي عميق لمسار اليسار المغربي وكشف الأخطاء والأسباب التي أدت إلى تراجع تأثيره في المجتمع بكل شجاعة سياسية وإن اقتضى الأمر إعادة التموقع وإعادة البناء من الصفر. واستطرد قائلا "إن وضعية الأحزاب اليسارية المغربية الحالية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي لا تنبئ بإمكانية النهوض وبناء قطب يساري موحد، فالاتحاد منقسم داخليا إلى أحزاب وشيع لا تفرقها أسباب فكرية أو سياسية وإنما أسباب ودوافع ذاتية، كذلك الأمر بالنسبة للتشكيلات اليسارية الأخرى التي لا تعلم أن تأثيرها في المجتمع شبه منعدم، فمجمل مكونات اليسار تقاعدت عن النضال ولم تعد تربطها أية علاقة بالناس وهمومهم. من ناحية أخرى قال غسان الأمراني بأنه لا شك أن صناع القرار يتوفرون على معطيات دقيقة حول وضعية الأحزاب وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي وبالتالي يعلمون حجم الأزمة التي يعاني منها واستحالة نهوضه خصوصا بعد غياب رد فعل الحزب غداة الإعلان على نتائج انتخابات 2007 وإنكفاء مناضليه على الداخل وتفرغهم إلى الصراعات الداخلية، ومن ثم إخلاء الساحة أمام الإسلاميين واختلال التوازن المراد له أن يكون. وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ ولأن الاتحاد بحكم عدة عوامل كان الوحيد القادر على مواجهة التيار الإسلامي فكريا وسياسيا، جاء تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة كمحاولة لسد الفراغ الناجم عن تقهقر الاتحاد الاشتراكي وبالتالي وقف زحف العدالة والتنمية. لكن بالمقابل يعتقد الأمراني أن تجربة الأصالة والمعاصرة تبقى فوقية وغير ناجعة فهي بالأساس استنساخ للنموذج المصري القائم على ثنائية الحزب الوطني الإخوان المسلمين، الأول حزب السلطة يسيطر على أغلبية مقاعد البرلمان والمحافظات والثاني يسيطر على النقابات والشارع وعمليا هو القوة السياسية الأولى في البلاد، ذلك لأن حزب السلطة ليس حزبا حقيقيا له قواعد وتنظيمات مرتبطة بالناس بل حزبا فوقيا يعتمد على الأعيان ورجال الأعمال القريبين من السلطة ولا يدخر جهداً في صرف المال مقابل الحصول على عدد مهم من المقاعد. ويرى المتحدث أن هيمنة الأطماع الشخصية والتهافت على المناصب ساهمت هي الأخرى في تأزيم مواقف ودور الاتحاد الاشتراكي وهذا راجع بالأساس حسب رأيه إلى انخراط الحزب في ما سمي ببداية المسلسل الديمقراطي سنة 1976، فبعد هذا الإنخراط وخصوصا في الثمانينيات بعدما قرر الحزب الإستمرار في المشاركة في الإنتخابات رغم عمليات التزوير الكبيرة التي شابتها، وعندما بدأ الحزب يندمج شيئا فشيئا في المؤسسات، بات الترشح باسمه لا يساوي الإعتقال أو الحجز على الممتلكات أو المضايقة، فزمن النضال انتهى وبات الحزب مصدرا للترقي الإجتماعي "رئاسة مجلس بلدي مقعد برلماني ..." فانخرط في الحزب العديد من الأشخاص الانتهازيين الذين ركبوا على الموجة وأصبحوا يترشحون باسمه خصوصا في المدن الصغرى والقرى التي لم يكن الاتحاد قويا فيها، كما شرعت الصحف تتحدث عن تجاوزاتهم واختلاساتهم وتتطرق لمظاهر الثراء الفاحش التي بدت عليهم في غياب أية آلية للمحاسبة من طرف الحزب. ( العرب أونلاين)