وضعت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى المغرب أمام واقع توجه مواطنيه نحو الشيخوخة، مع بداية انقلاب الهرم السكاني وانخفاض ملحوظ في نسبة الأطفال دون 15 سنة، مقابل ارتفاع نسبة السكان فوق 60 عاما، ما يضع البلاد، وفقا لخبراء، أمام تحديات اقتصادية ومجتمعية. تقول النتائج إن معدل الخصوبة في المغرب واصل انخفاضه ليصل إلى أقل من طفلين لكل امرأة سنة 2024، ليصبح أقل من عتبة تعويض الأجيال المحددة في 2.1 طفل لكل امرأة. وحسب المصدر ذاته، فإن الأسباب تعود إلى الاستخدام الواسع لوسائل تنظيم الأسرة (وسائل منع الحمل...)، ومن جهة أخرى إلى ارتفاع معدل العزوبة النهائية عند سن 55 عاما، بالإضافة إلى نسبة المطلقين البالغين 15 عاما فما فوق، وتداعيات جائحة "كوفيد-19" التي دفعت العديد من الأزواج إلى تأجيل مشاريع الزواج والإنجاب. وفيما يتعلق بالشيخوخة، كانت المعطيات سالفة الذكر مؤثرة، إذ بينت نتائج الإحصاء أن الهرم السكاني بدأ ينقلب، حيث انخفضت نسبة الأطفال دون 15 عاما إلى 26% سنة 2024، في حين ارتفع عدد السكان فوق 60 عاما إلى 13%. وفي هذا الصدد، وصل عدد الشيوخ في المغرب فوق 60 عاما إلى خمسة ملايين نسمة، متجاوزين معدل نمو السكان، ما يشير إلى "تسارع شيخوخة المغاربة، وحدوث تحول عميق في البنية الديموغرافية". وتحدثت نتائج الإحصاء عن وضعية الأشخاص بين 70 عاما وفوق 80 عاما، الذين يفرضون على الدولة "تحديات الرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، والبنية التحتية الملائمة". عبد الخالق التهامي، باحث في الاقتصاد أستاذ بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد السادس، قال إن "هذه النتائج تفرج عن عواقب اقتصادية، حيث سترتفع متطلبات الرعاية الصحية". وأضاف التهامي، في تصريح لهسبريس، أن الثقل المجتمعي "سيظهر في المغرب خاصة على مستوى التقاعد والتغطية الصحية"، مشيرا إلى أن "التأثيرات على سوق العمل لن تظهر حاليا، ويستبعد في الأساس أن تكون سلبية". وأورد الأستاذ بكلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد السادس أنه فيما يتعلق بتشجيع الإنجاب كما حدث في العديد من الدول، "لم يصل المغرب بعد إلى هذه المرحلة، خاصة وأن المملكة لم تخرج بعد من مرحلة الانتقال الديموغرافي، بل بدأت للتو". على مستوى التأثيرات والتحولات المجتمعية، ترى خلود السباعي، أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن "هذه الأرقام تستوجب تجاوز الصور النمطية عن رعاية المسنين في المغرب". وصرحت السباعي لهسبريس بأن توجه المغاربة نحو الشيخوخة "يفرض تحديات جمة على فئة النساء اللواتي قررن الخروج للعمل وتولي المسؤولية، وهن العامل الرئيسي لتراجع معدل الخصوبة"، مبينة أن ذلك لا يمكن أن تجاوره مسؤولية رعاية المسنين بالنظر لتأثيراته الاقتصادية والنفسية. وذكرت المتحدثة أن المغاربة يجب أن يتجاوزوا الصور النمطية المتعلقة ب"تسجيل المسنين في دور الرعاية، وعدم اعتبارها أمرا مخجلا". وقالت: "هذه النتائج تظهر هذا التحول الديموغرافي بالمملكة الذي ينذر بتحديات واضحة على مستوى رعاية المسنين"، مستبعدة "حدوث تأثيرات مجتمعية، أو توجه الدولة للتشجيع على الإنجاب كما حدث في دول مثل الصين واليابان".