مع تصاعد نسبة الفقر والبطالة والهدر المدرسي خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في ظل الارتفاع الصاروخي المستمر في أسعار المحروقات التي أرخت بظلالها على أسعار باقي المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، وتضرر القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، عرف المجتمع المغربي تزايدا صارخا في مجموعة من الظواهر الاجتماعية السلبية؛ ومن بينها التسول والدعارة وتعاطي المخدرات بمختلف أشكالها، فضلا عن جرائم السرقة والنصب والاحتيال... إذ إنه ومع التطور الهائل للتكنولوجيا الرقمية وتزايد الإقبال على الأنترنيت، تطورت بشكل لافت أساليب النصب والاحتيال، ولم يعد أي أحد في منأى من الوقوع في حبال المحتالين؛ مما أدى إلى تفاقم الجرائم الإلكترونية عبر العالم، حيث يتم خداع الأشخاص المستهدفين بالكسب السهل للمال، كأن يتصل بهم محتالون عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني، مستخدمين في ذلك حيلا عديدة للإيقاع بضحاياهم؛ كانتحال صفة ممثلين لمصلحة الضرائب أو صندوق التقاعد المغربي أو غيره من الصناديق والجهات، مما يجعلهم يستسلمون سريعا ويدلون بمعلومات شخصية وعلى درجة عالية من الخطورة كرقم بطاقة التعريف الوطنية ورقم الحساب البنكي وغيره من المعلومات الخاصة التي يفترض أن تظل سرية... فمباشرة بعد الشروع في صرف تحويلات مالية للأسر الفقيرة بخصوص الدعم الاجتماعي المباشر، ازدهرت عمليات النصب والاحتيال على المواطنين، حيث لم ينفك عدد من النشطاء يتداولون في الأسابيع الأخيرة أشرطة صوتية على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، يحثون بواسطتها المواطنات والمواطنين على توخي الحيطة والحذر من إمكانية تعرضهم لعمليات نصب واحتيال باسم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي "CNSS"، خاصة أن مواطنين كثيرين صرحوا لأكثر من جهة ومنابر إعلامية بأنهم تلقوا اتصالات من أشخاص مجهولين يطلبون منهم معطيات شخصية وأرقام حساباتهم البنكية، لإيهامهم بالاستفادة من تعويضات شهرية ومكاسب مالية، قبل أن يتبين لبعضهم ممن انطلت عليهم الحيلة سرقة مبالغ مالية من أرصدتهم البنكية؛ وهو ما دفع بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى إصدار بلاغ تحذيري يتبرأ فيه من الأشخاص الذين ينتحلون صفة ممثليه أو مراقبين تابعين له، ويؤكد حرصه الدائم على حماية منخرطيه، وتنبيهم إلى خطورة الإدلاء لأي كان بالبيانات والمعلومات الشخصية، تفاديا لما يمكن أن يترتب عن ذلك من مخاطر التعرض للنصب، ويؤدي باستعمال تلك المعطيات في أمور قد تكون ذات عواقب وخيمة. وقبل دعوة مؤمنيه إلى ضرورة تحري صحة الأخبار في بوابته الرسمية وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، أضاف منبها في بلاغه إلى أن كل من ثبت تورطهم في هذه العمليات الاحتيالية سيخضعون للملاحقة القانونية وستتخذ في حقهم الإجراءات اللازمة، حتى يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه الإقدام على هكذا فعل إجرامي خطير. فطالما تعددت الشكايات إثر وقوع آلاف المغاربة ضحايا عمليات نصب واحتيال مدروسة بعناية. ولعل من بين أكبر عمليات النصب والاحتيال بالمغرب تلك التي اشتهر أبطالها باسم "مجموعة الخير" بين ضحاياهم، الذين أوهموهم بإمكانية استثمار مبالغ مالية مع ضمانات استرجاع "رأس المال" مع فوائد مهمة، إضافة إلى المساهمة في فعل الخير ودعم الفقراء والمعوزين. وهناك أيضا من يتخذون من فضاء الأنترنيت منطلقا لعملياتهم الإجرامية، حيث يقومون بإيهام الناس بالانخراط في مشاريع تجارية مقابل الفوز بأرباح مالية يومية، قبل أن يكتشفوا فجأة توقف تلك المشاريع واختفاء المشرفين عليها، علما أن المساهمات المالية كانت ترسل من حسابات الضحايا إلى حسابات المتورطين، دون أن يثير ذلك أي رد فعل ملموس من الجهات المختصة؛ مما أدى بدخول بعض نواب الأمة على الخط في جلسات الأسئلة بالبرلمان، متسائلين عن دور هيئات التفتيش والمراقبة المالية في تعقب التحويلات البنكية المشبوهة، والإجراءات الواجب اتخاذها من لدن وزارة الاقتصاد والمالية، لحماية المواطنين من حملات شبكات النصب والاحتيال؟ إن حماية المواطنين من عمليات النصب والاحتيال، وخاصة من الجريمة الإلكترونية، باتت مسؤولية مجتمعية مشتركة، وتتطلب تكاثف جهود جميع فعاليات المجتمع من هيئات سياسية ونقابية وحقوقية ووسائل الإعلام في اتجاه تنظيم حملات توعوية والتعريف بمخاطر الاستثمار غير المضمون والتجارة المشبوهة، وكيفية التعامل الآمن عبر الأنترنيت. كما يتعين على الحكومة تعزيز القوانين وتشديد العقوبات ضد الشبكات الإجرامية، والحرص الشديد على سن سياسة رقابية صارمة على رصد ومحاربة الأنشطة غير المشروعة.