رفض فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، تعاطي بعض الفرق النيابية ب"المقاربة التجزيئية في مناقشة مضامين مشروع قانون المالية"، معتبرا أن "محاور المشروع برسم السنة المالية 2025 تُكرّس الاستمرارية من خلال أولويات تجسد الإصلاحات التي انخرطت فيها الحكومة منذ بداية ولايتها بشكل إرادي وفعّال". جاء ذلك في معرض حديثه في الجلسة المنعقدة مساء اليوم الجمعة 15 نونبر "للاستماع لجواب الحكومة حول ملاحظات البرلمانيين والتصويت على الجزء 2 وعلى مشروع قانون المالية برمته"، وقال لقجع إن "مشروع مالية 2025، على عكس ما قد نختلف في قوله، يكرس الاستمرارية من خلال أولوياته التي تجسد الإصلاحات التي انخرطت فيها الحكومة بشكل إرادي بعيداً عن الإملاءات والإرشادات التي تحدث عنها البعض"، مبرزا أن الحكومة "تحدد خياراتها بشكل إرادي وفعال تجسيدا للتوجيهات الملكية، وملتزمون بالمسؤوليات تجاه المواطنين وتجاه التحديات والانتظارات، واضعين دائما تطلعات المغاربة نحو مستقبل أفضل، معتمدين على مبادئ الكفاءة والالتزام بخدمة الصالح العام". وبعث وزير الميزانية رسائل مبطّنة كثيرة في ثنايا "جواب الحكومة" وردها قبل المرور إلى التصويت على مشروع قانون مالية 2025، قائلا: "ندرك في الحكومة أن التحديات الكبيرة التي تواجهها بلادنا كبيرة ولم تعرف لها نظيراً، لكننا نعتقد أنه بالتحلي بالعزيمة والإصرار مع مؤسسة البرلمان يمكننا أن نترجم المسار التنموي خلال سنة 2025، ليس كما قيل بمنطق الشعارات والوعود المؤقتة بل بمنطلق التزامٍ طويل الأمد يستجيب للتطلعات الحقيقية للمواطنين"، وفق تعبيره. "الأوراش الاجتماعية" فضلا عن استعراضه لأبرز الخطوط العريضة في رفع ميزانيتيْ القطاعات الاجتماعية الحيوية، خاصة الصحة والتعليم، مؤكدا المنجزات الحكومية في هذا الإطار، خصوصا بالنسبة للأثر المالي المرتقب للزيادة في أجور موظفي التربية الوطنية والأساتذة، أبرز لقجع أن "الحكومة عاقدةٌ العزمَ على مواصلة الحوار الاجتماعي وإدراج كل النقاط المرتبطة بجدول الأعمال الذي تم إقراره في أول جولة ترأسها رئيس الحكومة لترجمتها ومناقشتها مهْما صعُبَت الملفات وتعقّدت مكوناتها". وفي الشق الاجتماعي دائما، أورد لقجع ما وصلت إليه الحكومة في مشروع تعميم برنامج الحماية الاجتماعية، مقراً بأنه "مازال يحتاج إلى تجويد وتأهيل دائمين"، غيْر أنه شدد على ضرورة توخي الدقة والمصداقية في تقييمه. وبخصوص التغطية الصحية للمهنيين غير الأجراء، أبرز المسؤول الحكومي أن "كل المجهود بُذلت لإخراج كل النصوص اللازمة لتحقيق هذه الغاية"، وقال: "اليوم، وبفضل الإجراءات الحكومية وترسانة المراسيم، أزيد من 600 ألف منهم يؤدون اشتراكاتهم ويستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض". وتابع: "بلغْنا أكثر من 30 في المائة من المسجلين في هذا النظام، وهو مجهود كبير ستعمل الحكومة على مواصلته". أما عن "استفادة الأرامل"، فأكد بلوغ الرقم 85 ألفا يستفدن حالياً من دعم الدولة، تضاف إليهُن 330 ألف أرملة بدون أطفال. واستدل لقجع بأن "الحكومة حققت انتقال عدد المهنيين في الصحة من 63 ألفا في سنة 2020 إلى 70 ألفا اليوم"، قبل أن يعترف: "ولكن الخصاص كان كبيرًا والعمل متواصل لاستدراكه في أقرب وقت". كما أبرز أن "الحكومة قامت بإصلاح وتأهيل 1400 مركز صحي، منها 872 تم الانتهاء من أشغالها، يضاف إليها 524 مركزاً صحيا ستنتهي أشغاله في سنة 2025′′، معتبرا أن "هذا هو المجهود الحقيقي لمشاريع تحمّلت الحكومة تكلفتها المالية وأجرأتها السياسية على أرض الواقع". أما بشأن حكامة الصحة، فقد "وردت فيها مجموعة من الآراء والمؤاخذات، قامت الحكومة بإصلاحات عميقة داخل منظومة الصحة بخلق كل الوكالات التي التزمَتْ بها والتي ستلعب دورا أساسيًا في أجرأة هذه الإصلاحات"، يوضح لقجع، موردا: "رفع ميزانية الصحة إلى 32.57 مليار درهم، تم تخصيصها وتم صرفها ولكنها لم تحلّ كل المشاكل بعد". في سياق متصل، أكد الوزير ذاته أن "محاور النقاش ثلاثة تتكرر لأن أوراشها لم تنته أو مازالت في طور الإنجاز"، واصفا إياها بأنها "محاور مُهيكلة مترابطة فيما بينها لمجتمع متماسك وقادر على ولوج الدول النامية؛ وهي الشق الاجتماعي، والاقتصادي-التنموي، فضلا عن تسريع الحكامة والإصلاحات الهيكلية". وردّ المتحدث على فرق المعارضة بالقول إن "الحكومة لا تؤسّس لمأسسة الفقر، بل نعمل لتوفير الاستثمار المنتج المُدرّ لموارد ضرورية لتمويل الدولة الاجتماعية"، مشددا على أن "ورش الحماية الاجتماعية يتحقق لأول مرة كثمرة لتطور طبيعي طوال 25 سنة الأخيرة في كل المجالات، خاصة بعد التشتت والطابع الترقيعي في الغالب الأعمّ الذي طبع البرامج الاجتماعية السابقة". وأجمل المسؤول الحكومي متسائلا: "هل يعني ذلك أن إنجاح ورش الحماية الاجتماعية قد تم وانتهى؟"، ليجيب "لا، لأن النجاح الفعلي على أرض الواقع يتطلب انخراط الجميع باعتباره ورشاً مجتمعيا يحتاج للتتبع والتجويد والتصويب الدائم". روح الجدية والمسؤولية كلمة لقجع أمام النواب لم تخلُ من إشارة دالة في بدايتها، إذ توقف بوضوح عند تنويه الحكومة ب"التركيز على روح المسؤولية والجدية التي طبعت النقاش البرلماني لمشروع مالية 2025′′، قائلا إن ذلك "ليس من باب المجاملة ولكن لأن مشروع قانون المالية يعتبر من اللحظات السياسية الكبرى التي تعيشها مؤسساتنا ونُخَبُنا بفعل ارتباط المشروع بقضايانا الحيوية على كافة الأصعدة، وفي مقدمتها قضايا التنمية الشاملة"، حسب تعبيره. "مشروع قانون المالية عادة ما يعتبر جوابا على متطلبات واقعية انطلاقا من منظور سياسي ينبني على محاور عدة نُجملها عادة في المرجعيات والأولويات"، مؤكدا أن التوجيهات الملكية المتواصلة هي عامل حاسم في رسم معالم المرجعيات، إلى جانب كل من النموذج التنموي للمملكة ثم الاتساق مع البرنامج الحكومي. ولفت لقجع إلى دقة وحساسية وضبابية الأفق الاقتصادي الدولي، معتبرا أنه "المدخل البارز للإطار السياسي المتمثل في قراءة اللحظة بأبعادها الدولية وتداخلها مع التعقيدات المحلية والوطنية". وقال: "الانطباع السياسي لمشروع المالية يتجلى في الموازنة بين متغيرات الواقع وبين الأجوبة الممكنة انطلاقا من مرجعيات معلنة. وهذه المقاربة التي تؤطرها أبعاد دستورية يأتي في قلبها الدور الإستراتيجي للتوجيهات الملكية السامية قبل أدوار النموذج التنموي والبرنامج الحكومي".