المحكمة الدستورية تُجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني بسبب غيابه دون عذر    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    المحكمة الابتدائية بالرباط تبرئ 27 من طلبة الطب والداخليين من تهم التجمهر والعصيان    عزيز غالي ينجو من محكمة الرباط بدعوى عدم الاختصاص    السفير هلال يقدم استراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب أمام مجلس الأمن    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    ترامب يعتزم نشر جميع الوثائق السرية المتعلقة باغتيال كينيدي    مبارتان وديتان .. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره لغينيا بيساو يومي 23 و26 يناير الجاري ببيساو    توقيف متورط في شبكة للهجرة السرية بالحسيمة بحوزته 15 مليون    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    مسرح محمد الخامس بالرباط يحتضن قرعة كأس إفريقيا المغرب 2025    "لوموند": عودة دونالد ترامب تعزز آمال المغرب في حسم نزاع الصحراء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    إقليم جراد : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الدوري السعودي لكرة القدم يقفز إلى المرتبة 21 عالميا والمغربي ثانيا في إفريقيا    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض الشارقة الدولي للكتاب يستفسر عن وجود "مدرسة فلسفية مغربية"
نشر في هسبريس يوم 11 - 11 - 2024

هل توجد مدرسة فلسفية مغربية؟ سؤال تمحورت حوله ندوةٌ بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته 43، التي تستضيف المغرب ضيف شرف بدولة الإمارات، ونحَت فيه آراء المتدخلين المغاربة منحى النفي، ومن بينهم أسماء فلسفية بارزة مثل عبد السلام بنعبد العالي ومحمد نور الدين أفاية.
"المناخ الفلسفي"
المفكر عبد السلام بنعبد العالي، أحد أبرز الوجوه الفلسفية بالجامعة المغربية وأحد الأقلام الفلسفية بالعربيةِ، قال إن كلمة مدرسة فلسفية "مزعجة طبعا"، وأردف شارحا "المؤرخون التقليديون للفلسفة عندنا كانوا مولعين بتسميّاتِ المدارس والمذاهب والتيارات، وهي نمذجةٌ كانت تنطلق أولا من وجود التيار، ثم تبحث عما إذا كان يوجد من يُمثّلُه من الفلاسفة، بنماذج ذهنية مسبقة، يُبحَث لها فيما بعد عمن يمثل الجوانية والماركسية والوجودية... وغيرها".
أما الآن "عندنا وفي الغرب جرت انتفاضة ضد هذا النوع من التأريخ، وظهرت تواريخ تنطلق من الأشخاص للوصول إن أمكن إلى شيء يضمهم، وهم يقولون مدار"، يقول بنعبد العالي، منبها إلى أن "هذه طريقةٌ لن تؤدي بنا إلى نهاية سعيدة، إذا طبقناها على الفكر الفلسفي في المغرب، بالتساؤل عمن هم الفلاسفة بالمغرب، أي عن المعلمات الكبرى مثل محمد عزيز الحبابي ومحمد عابد الجابري"، فسنسقط في تساؤلات مثل: "هل الحبابي فيلسوف؟ وهل الجابري فيلسوفٌ أم مؤرخ أفكار وإيديولوجيات؟".
وبعيدا عن "المدرسة" و"المدار"، الطريقة التي صار يفضلها عبد السلام بنعبد العالي هي "التساؤل عن المناخ الفلسفي" لأنها "طريقة تسمح لي بأن أدرج الاهتمامات الفلسفية لا لمن يسمون أنفسهم فلاسفة، بل حتى لبعض الأدباء والمؤرخين وبعض دارسي الأساطير والأنثروبولوجيّين، وتجد هذا المناخ يسري عند هذا وذاك، في هذا الحقل وذاك".
وأبرز أن "طلب توسيع هذا المناخ هو الذي ينبغي أن نعمل عليه لأن التجربة برهنت على أن قَصر وحَصر الفلسفة في ميدان الذين يشتغلون بها نوعٌ من التجني على دراسات أخرى، ونوع من القمع بالنسبة للدراسات والمجالات الأخرى للبحث"، بما في ذلك "الترجمة بوصفها تفكيرا وممارسة منتِجة، لا نقلا فقط لنصوص من لغة إلى أخرى".
واستشهد بنعبد العالي بالمفكر والمؤرخ المغربي البارز عبد الله العروي، الذي "يعتبر أن المفعول الفلسفي لكتابات طه حسين وما روجه من قضايا، وخاصة ما روجه من إشكالات وجدالات، استطاع أن ينزل بالجدال الفلسفي إلى مجال الصحافة والأدب". وعلّق المتدخل على الفكرة بالقول: "هذا نوع من التسويق القوي للفلسفة، أكثر بكثير مما أسداه عبد الرحمن بدوي، الذي ظل فكره رائجا في صفّ خاصة الخاصة، وداخل أسوار الجامعات، وكذلك ما أسداه زكي نجيب محمود".
بالتالي "المناخ لفظة تسمح لي بأن أُدخل انشغالات الأدباء بقضايا فلسفية شأنها شأن بلانشو وباطاي وبارت بالخصوص، وهؤلاء مبدئيا أدباء، لكن الرجَّة الفكرية لا الفلسفية فقط التي خلفوها ربما أقوى مما هو الأمر لدى الفلاسفة. لقد أنعشوا الفكر الفلسفي في جهات أخرى".
وذكر صاحب "البوب فلسفة" أنه كان يلمسُ في المغرب أحيانا المناخَ الفلسفي عند الفنانين التشكيليين عندما يناقشون الاختيارات والنهج الذي يجب أن يسلكوه، كما كان يلمس عند السينمائيين قضايا قوية مثارة لا يثيرها الأساتذة داخل أسوار المدارس والجامعات.
انغلاق الإيديولوجيا
بما أن سؤال "المناخ الفلسفي" أهم بكثير، وفق بنعبد العالي، من الحديث عن الفلاسفة الممثّلين لمدار من المدارات، وعن المدارس الفلسفية الرائجة، فقد طرح في الندوة سؤالا آخر: "هل هذا المناخ متوفر عندنا، أم أن له عوائق تمنعه من أن يزدهر بالمغرب وفي أقطار عربية أخرى، وتحول دون انتشار وذيوع الإنتاج الفكري الأدبيِّ السينمائي الترجمي، الذي هو فلسفي في العمق دون قصرِهِ نفسَه على قضايا الفلسفة الكلاسيكية؟".
ووثَب المتدخل إلى العوائق، حاصرا إيّاها في اثنين: "أوّلهما، في نظري، شيوع الفكر الإيديولوجي في الفكر العربي، ولا تهمني الإيديولوجيا المعتنقة، إسلامية كانت أم ماركسية أم غيرها، بل يهمني المفعول الإيديولوجي للإيديولوجيا؛ فالإيديولوجيا تحديدا وفي النهاية هي الانغلاق، فهي خلق عائلات فكرية راضية عن نفسها، مقتنعة بتوادِّها فيما بينها، وتخلق فكرة الجماعة، بينما الفلسفة والروح الفلسفية ربما تذهب عكس هذا؛ لا تبحث عن الوئام والعائلات، مقدسة كانت أم لا، بل تبحث أساسا عن الاختلافات، أي ما يجعلني أخالفك الرأي، لا ما يجعلني أتفق معك فيه. الفلسفة تبحث عن المشاحنة".
وتابع قائلا: "ثقافة السؤال التي تعتمدها الفلسفة لا نجدها في الفكر الإيديولوجي الذي يعمل في أغلب الأحيان كعائق، ويجيب عن الأسئلة ذاتِها، بينما الفكر الفلسفي ينتج أسئلة، وينتج ما يجيب عنه، وربما يقضي في إنتاج السؤال أكثر مما يقضيه في البحث عن الجواب".
أما ثاني العائقَين الحائلَين دون "ازدهار المناخ الفلسفي لدينا" فهو "ما يسميه العروي في علاقتنا بتراثنا الفكري: ترسيخ الذهنية الكلامية. ولا يقصد بهذا علم الكلام، ولا منهجا فكريا بعينه مثل القياس، لأن الذهنية الكلامية ليست موجودة فقط عند علماء الكلام، بل موجودة أيضا عند المتصوفة والفلاسفة"، وكأن هذه الذهنية "إبستيميّ الثقافة العربية، أي نموذجا أعلى تحكَّم في تراثنا، في مختلف مجالاته من علم كلام وفلسفة"، ليخلص بعد ذلك العروي إلى أن "مفهوم العقل عند هذه الذهنية لا يُحدَّد كنشاط".
واسترسل بنعبد العالي شارحا أن "العقل ليس قوالب جاهزة، بل هو نشاط عقلاني، وهذه الكلمةُ يحبها باشلار كثيرا لأن الفعالية العقلية استكشافيةٌ، لا متلقيةٌ تتلقى المعقولات، ويقول العروي إن العقل عند الذهنية الكلامية وعاءٌ توضع فيه المعقولات دون أن يكون فعّالا".
إذن المطلَب هو "ترسيخ عقلانية مستكشفة منتجة"، بفكرة أساس: "المعقول ليس مُعطا أوليا، ولا كشفا صوفيا، وقولا بقضاياَ .. بل بحث متواصل عن المعقول، الذي لا يحصى"، مع ضبط إضافي نبّه إليه بنعبد العالي: "لا يمكن للعقلانية أن تكون هكذا عند غاستون باشلار (توفي في القرن العشرين) إلا إذا اعتُبِر الخيالُ جزءا من العاقل، لا حاجزا دونه مثلما اعتبرَه ديكارت (القرن السابع عشر)"، وهو الوعي الذي "فتح الأبواب الكبرى لأوروبا أمام العقلانيات مع كانط (القرن الثامن عشر)".
لا حدود للفلسفة
المفكر المغربي عبد الصمد الكباص ذكر، من جهته، أنه "لا يمكن الحديث عن فلسفة مغربية محضة؛ فالفلسفة تفاعل، ونوع من الترحيل، واجتراء على مناداة الآخر، ومجهود قام به الكثيرون، من بينهم المتدخلان محمد نور الدين أفاية وعبد السلام بنعبد العالي".
وتابع قائلا: "الاهتمام بالفلسفة المغربية ليس اهتماما مجانيا، بل لأن هناك عملا تمت مراكمته بتأنّ وجهد كبيرين، ومقاومة، في واجهات كبرى، في مجال يتأسس كمناخ فلسفي، وصراع من أجل غايةِ الاقتدار على الكونية".
وانطلق الكباص من تجربته قائلا: "ما دفعني إلى الانجذاب إلى الفلسفة، وأنا قادم من اللسانيات، سؤال نفسي بدرجة أولى، ولم أرد أن أطرح سؤال أحد، ولا أن أسعى إلى أن أنوب عن أحد في الإجابة عن أسئلته الخاصة: مَن أكونُ حين أتصرف كجسد؟".
وأضاف "أعتقد أن هذا الترحيل الفكري في اتجاه ما أكونُهُ فردا متحققا في جسد، بالتمييز بين تكنولوجيا الحاجة وتكنولوجيا الرغبة، سمح لي بأن أفهم الفلسفة بطريقة يمكن أن تشكل هامشا موازيا قد يكون ضئيلا، لكنه بالنسبة لي طريق. والتجربة غير قابلة للتفويت، لا يمكن أن تَعرفها ولكن يمكن أن تفهمها، فأفهم أنك سعيد، لكن لا أسطَع معرفة حدّ سعادتك"، وبالتالي "تقاسم التجربة يكون للفهم لا للمعرفة".
هنا تأتي أهمية "أسماء سمحت لنا بفتح منافذ التفكير" بالاشتغال على واجهات من بينها الترجمة، التي نقلوها "من عملية تقنية إلى عملية فكرية، وسياحة رمزية هي سياحة المعاني، تأتيها من ثقافة إلى أخرى ومن لغة إلى أخرى، وسمحت لنا بفتح طرق تفكيرنا على طرق أخرى".
والفلسفة، حسب الكباص، لا تكون بذاتها فقط، بل "ينبغي أن تكون متحركة في قلب حقول أخرى، مثل السينما، والأدب، والفن، والطبخ، وأسئلة اليومي... لكي نجعل المفاهيم قيد التحريك وقيد الفعل ونلوذَ بحياة تستحق أن تكون حياتَنا، حياة أفضل وأجمل".
وانتقص المتدخل من قيمة "بناء نصوص من أجل النصوص"، ودافع عن "بناء نصوص لفتح دروب الحياة"، مع قوله إن "السؤال الأساسَ ليس بناء النصوص، بل بناء الحياة. والفلسفةُ إصغاء (...) للنصوص، وبدرجة أهم، وبأذن أكبر، هي إصغاءٌ للحياة".
تاريخ الفلسفة
المفكر بارزُ الأثر في الساحتين الأكاديمية والفكرية، محمد نور الدين أفاية، عبّر في الندوة عن رؤيته للتاريخ الفلسفي بالمغرب: "تاريخ محدّد، دخل مع الفرنسيين، وتمغرَب مع محمد عزيز الحبابي، أوّل من قام بعملية استئناف للتفكير الفلسفي في الثقافة المغربية"، بينما طبعت الفترة التي سبقت خمسينيات القرن العشرين بالمغرب "ثقافة بدرجة كبيرة من المحافظة؛ مع سيطرة فقهية ولغوية وتاريخية".
وتوقّف الفيلسوف المغربي عند اصطلاح "الفيلسوف"، قائلا: "هذه اللفظة لا تُستساغ كثيرا في الحقل السيكولوجي والذهني المغربي، أي نعت المشتغل بالفلسفة بالفيلسوف، بينما في فرنسا أستاذ الثانوي إذا كتب كتابا صغيرا يسمى فيلسوفا"، قبل أن يضيف أن "تاريخ المفكر والفيلسوف والمثقف في التاريخ المغربي قصير، بدأ في الخمسينيات والستينيات بالأساس".
وتساءل قائلا: "هل نحن أمام مدرسة فلسفية مغربية؟ وما مبررات نعتها بالمدرسة؟ وهل يجوز لنا ويصح لنا نعتها بالمدرسة مثل مدرسة فرانكفورت أو المدرسة التحليلية الأنجلوساكسونية أو مدارس أخرى في الفلسفة، أم أنها جماع اجتهادات وأفراد ومجتهدين وأساتذة ومثقفين ومفكرين جعلوا من الفلسفة حقل تفكير وبحث وتأليف، وأعطونا منتوجا ترك ما نسميه صدى أو أصداء في المغرب وخارجه، لاسيما على صعيد ما أنتج باللغة العربية والفكر العربي؟."
وأبرز أفاية أنه "من الصعب إطلاق لفظ المدرسة" على التجربة الفلسفية بالمغرب، بل الواقع أن هناك "مجموعة من الاجتهادات والأفكار والشخصيات الفكرية جعلت من الفكر لا مجرد وسيلة، بل نمط حياة من أجل الحضور في الزمان والسياسة والحياة والعلاقات الإنسانية، وهؤلاء المفكرون الذين يخضعون لسياق معقد وصعب، مع ذلك أنتجوا واستمروا في التأليف والانتشار، وسجلوا أسماءهم وأفكارهم بطرق مختلفة، حسب درجات تفكيرهم ولغتهم، وحسب حظهم في الوصول إلى الآخرين".
بالمغرب، يضيف المتحدث، "الفلسفة تدرّس في الجامعة والتعليم الثانوي، وهو البلد الوحيد في العالم الذي يدرّس الفلسفة ثلاث سنوات في الثانوي، ولنا بؤر فلسفية حقيقية وجماعات خارج المراكز الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط تنتج وتفاجئ بأفكار وانفتاحات جديدة، بل كسرت بطرق مختلفة العادات البحثية داخل الجامعة، من خلال الاهتمام بتاريخ الفلسفة والفلسفة العربية الإسلامية، بل جعلت منها أفقا لمساءلة الحياة والجسد والحب والآخر، وكل ما يتعلق بالمتعة والجنس والمكان واللباس، وكل التجليات الحياتية، التي من المفروض أن يقترب منها الفيلسوف ليعطيها معنى".
واليوم "دخلنا في عالم افتراضي جديد غير نمط الإدراك والانتباه، وقدرتنا على التركيز، والعلاقة بالآخر، والقراءة والكتابة، عالم جديد على الفيلسوف الإنصات إليه".
لكن رغم هذا يصعب القول إن للمغرب "مدرسة فلسفية"، فلِمَ يُرى في المشرق العربي خاصة وجودُها؟ يجيب أفاية: "المشرق يعتبر وجود هذه المدرسة، لكننا نعتبر أننا لا نملك مدرسة، بل اجتهادات ونصوصا مشتتة، مع محدودية في الصدى إلا في نصوص قليلة. واهتمام المشرق بالمغرب مرده إلى الخراب الذي يتعرض له هذا المشرق وكثير من الساحات العربية، التي كانت منتجة للفكر وصانعة للكتاب ومحفزة على النقاش، وفي طليعتها ما يجري في مصر ولبنان والعراق وسوريا، وتراجع الفكر في هذا الخراب نفسه أدى إلى اهتمام كثير ممن لا يزالون يشتغلون بالفلسفة، والانتباه إلى أن هناك إنتاجا مميزا يثير الانتباه، وانفتاحات تستحق أن نعتني بها".
واسترسل قائلا: "علينا ألا نغفل أنه منذ بداية الستينيات مع العروي في "الإيديولوجيا العربية المعاصرة"، انتبه عدد لا بأس به من المثقفين العرب للكتاب قبل ترجمته إلى اللغة العربية، ثم بعد الترجمة انتبهوا إلى أن هناك مفكرا في المغرب أنتج شيئا مثيرا للانتباه. أما في الوقت الذي بدأ فيه محمد عابد الجابري النشر في المشرق، وقبل ذلك كان ينشر في المغرب، فقد أصبح من أكثر الكتاب والمفكرين الذين تأثر بهم الفكر العربي، وأدخل قاموسا على اللغة العربية وأثر في الكتابات المشرقية والعربية الأخرى".
لكن رغم ذلك "مفكر كبير مثل عبد الكبير الخطيبي، قليل من المشارقة اهتموا به مثل أدونيس، بينما في ظني هو من كبار المفكرين لا في المغرب فقط الذي لا يحصر نفسه فيه، فهو يعتبر نفسه مفكرا خارج الفضاء وخارج الحدود"، واليوم أيضا "كتابات عبد السلام بنعبد العالي مقروءة على نطاق واسع في العالم العربي، ووجد فيها المشارقة كثيرا من الأصالة".
مشكلات الفلسفة
لم تناقش الجلسة الفكرية بمعرض الشارقة الدولي للكتاب سؤال "المدرسة الفلسفية" فقط، بل توقّفت عند مشكلات يعيشها الحقل الفلسفي "المغربي"، إذ قال أفاية: "مشكل الممارسة الفلسفية في المغرب أن المشتغلين بها قليلا ما يعترفون ببعضهم البعض، وفي النادر ما تجد فيلسوفا أو باحثا مغربيا يحيل على آخرين (من وطنه)، باستثناء جيل عبد السلام بنعبد العالي (الجيل الثاني في استئناف التفلسف بالمغرب)، الذي كانت له الشجاعة الأخلاقية لدراسة الحبابي والعروي والجابري دون تحرج ممن سبقوهم، لكن الأسماء الكبيرة (الجيل الأول) لا تحيل على بعضها، ولا على الجيل الذي يعترف بها"، وهذا "إشكال وجداني في الاعتراف بالاختلاف"، لكنه "ليس إشكالية مغربية فقط".
ونبّه أفاية أيضا إلى مهمات تثقل كاهل المثقف والمتفلسف أو المشتغل بالفلسفة في المغرب وبقية المنطقة التي تجمعها قراءة اللغة العربية، إذ يجد الفيلسوف نفسه "مطالبا بالتحرك على خمس جبهات أو ستّ".
أولى "الجبهات" هي "أن يثبت ذاته وهويته الفكرية، باعتباره يشتغل في حقل فلسفي يعاندُه الواقعُ والمجتمع، وبحكم اعتبارِهِ أن هذا هو الحقل المناسب الذي يمكن أن ينتج المعنى، فإنه بالضرورة يدخل في معركة حقيقية لإثبات ذاته وهويته".
ثاني "الجبهات"، حَسَبَ أفاية، أن "هذا الفيلسوف والمفكر الفلسفي مطالب بالإلمام بالتراث ومواجهة إشكالياته، أي التراث العربي الإسلامي، والتراث الثقافي لبلده، سواء كان مغربيا أو جزائريا أو مصريا أو من بلد آخر".
أما الجبهة الثالثة فهي أن "هذا الفيلسوف مطالب في جميع الأحوال بتصفية الحساب مع التراث الاستشراقي والفكر الكولونيالي لأنه يريد إنتاج شيء جديد مطابق للسياق التاريخي والسياسي والحضاري الذي يعيش فيه"، خاصة في حالة مثل حالة المغرب بعد الاحتلال الأجنبي حيث "تميزت نخبته بدرجة عالية من التأثر بالفكر الفرنسي والأوروبي".
ورابع الجبهات نابعة من كون "الكثير من المشتغلين بالفلسفة والعلوم الاجتماعية يجدون أنفسهم مطالبين بموقف تجاه المجتمع والمجهودات الكبرى من أجل التغيير والتقدم والتنمية في التدريس والتأليف والالتزام". ثم الجبهة الخامسة، وهي كون الفيلسوف "مطالَبا بإلحاح بمواكبة الأفكار الجديدة لتجديد أفكاره وطرق نظره".
والجبهة الأخيرة أن المثقف أو المشتغل بالفلسفة "يجد نفسه في كثير من الأحيان مضطرا إلى أن يكون مترجِما لما يقرأ لأنه متمكن من اللغة الأجنبية قراءة وقدرة على الإدماج أو لأن طلبته لا يُحسنونها".
هذه "الجبهات" تجعل على كاهل المشتغل بالفلسفة في المغرب والعالم العربي "مهامَّ نادرا ما نجدها في حقل فلسفي آخر في العالم"، ولو أنه "لا ندعي، ولا يدعي هؤلاء الناس، أنهم أكفاء في كل هذه الجبهات الستّ، لكنهم مضطرون للتفاعل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.