بعد هدنة لم تدم بضعة أشهر، عاد الاحتقان إلى القطاع الصحي؛ فانطلاقا من اليوم الخميس تعرف المستشفيات العمومية والمصالح الصحية، ما عدا أقسام المستعجلات والإنعاش، على الصعيد الوطني إضرابا شاملا، على مدى يومين، إضافة إلى "إنزال وطني" أمام مقر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، مصحوبا بمسيرة اتجاه البرلمان، سيعلن عن تاريخه لاحقا. وهدد التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة ب"برنامج نضالي تصعيدي" يتضمن "مقاطعة تنفيذ كل البرامج الصحية ومقاطعة تقاريرها، ومقاطعة الوحدات المتنقلة والقوافل الطبية، ومقاطعة برنامج العمليات الجراحية باستثناء المستعجلة منها، ومقاطعة الفحوصات الطبية المتخصصة بالمستشفيات، ومقاطعة عمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة، وكل المداومات ذات الطابع الإداري المحض". وقال مصطفى الشناوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن البرنامج التصعيدي المعلن عنه لا علاقة له بالوزير المعين حديثا؛ بل بالتراجع عن اتفاق 23 يوليوز الماضي. وأوضح الشناوي، خلال ندوة صحافية عقدها التنسيق النقابي سالف الذكر اليوم الخميس، أنه "لا مشكل لنا مع شخص الوزير، أي وزير كان نتعامل معه مثل ما يتعامل هو مع القطاع، هل يريد إصلاح القطاع وله غيرة على الموارد البشرية التي هي ركيزة أي إصلاح أم لا؟". وشدد الفاعل النقابي على أن "تعيين وزير جديد لا يعني تغيير الاستراتيجية، خاصة أن إعادة هيكلة المنظومة هو مشروع ملكي". ولفت المتحدث ذاته إلى أن الاتفاق الحكومي جاء بعد سلسلة من الاحتجاجات و"البرنامج النضالي الذي أوصل القطاع الصحي إلى وضع غير مسبوق؛ من بينها مسيرة عرفت قمعا واعتقالات"، من جانبه، قال محمد زكري، الكاتب العام للجامعة الوطنية لقطاع الصحة، إن التنسيق النقابي بالقطاع الصحي "سيواصل نضالاته المشروعة، محملا "المسؤولية الكاملة للحكومة، ويعلن للرأي العام الوطني أنه في حالة عدم تجاوب الحكومة مع المطالب العادلة والمشروعة لمهنيي الصحة سيكون التصعيد هو الحل الوحيد والأوحد؛ وذلك باتخاذ خطوات نضالية غير مسبوقة". وقال زكري، الذي تلا تصريحا صحافيا للتنسيق خلال الندوة المنظمة بمقر النقابة الوطنية للصحافة المغربية، إن هناك "مقتضيات صادمة وغير مقبولة جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2025 تهدد المستقبل المهني والوظيفي للشغيلة الصحية، وتضرب بعرض الحائط كل ما اتفق عليه". واعتبر التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة أن "المستجدات التي جاء بها قانون المالية والتي تناقض وتخرق أول نقطة جوهرية في اتفاق 23 يوليوز 2024 والمتمثلة في الحفاظ على صفة موظف، ومركزية الأجور". وتحدث التنسيق ذاته، من خلال تصريحه الصحافي، عن "توقف مسار تنزيل الاتفاق بشكل غريب وغير مفهوم، رغم أن أول الملفات التي كانت موضوعة على الطاولة هي ملف الموارد البشرية، قابله تعامل غير مفهوم من طرف وزير الصحة والحماية الاجتماعية؛ وهو ما يمكن اعتباره إشارة سلبية بالقطاع، خاصة بعد الضجة التي صاحبت التعديل الحكومي الحالي". وعبّر التنسيق عن رفضه "كل أشكال المراوغة والتنصل من الالتزامات، وعلى الخصوص الحفاظ على صفة موظف، ومركزية المناصب المالية والأجور، والتي تقتضي من الحكومة البحث عن حلول قانونية ملائمة، وإن اقتضى الأمر القيام بالتعديلات التشريعية اللازمة". وحسب ما تم الإعلان عنه، فقد جاء في مشروع قانون المالية 2025 في الباب الثاني المتعلق بأحكام التكاليف الخاصة بالميزانية العامة وبالضبط الفقرة 3 من المادة 23: "أنه خلافا للأحكام الجاري بها العمل يستمر الموظفين المرسمون والمتدربون وكذا المستخدمون المتعاقدون العاملون بالمصالح اللاممركزة التابعة للوزارة المكلفة بالصحة والذين يتم نقلهم تلقائيا لدى المجموعات الصحية الترابية عملا بأحكام القانون رقم 08.22 المحدث لها، في تقاضي أجورهم من الميزانية العامة، إلى غاية 31 ديسمبر من السنة المالية التي يتم خلالها نقلهم. ولهذا الغرض، تظل المناصب المالية التي يشغلها المعنيون بالأمر مفتوحة إلى غاية التاريخ المذكور. ويتم، ابتداء من فاتح يناير من السنة المالية الموالية، تحمل المعنيين بالأمر من قبل المجموعة المنقولين إليها وحذف المناصب المالية المذكورة". وقال التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة إن "هذا المقترح الخطير والتراجعي من طرف الحكومة تسبب في احتقان وغليان كبيرين بالقطاع الصحي، خاصة أنه يخالف ويناقض ما تعهدت به الحكومة والتزمت به في اتفاق 23 يوليوز 2024 حيث كانت أول نقطة التزمت الحكومة بتنزيلها". وتزامنا مع انعقاد الندوة، حجّ عشرات المهنيين المنضوين تحت لواء الجامعة الوطنية للصحة (الاتحاد المغربي للشغل)، للاحتجاج أمام مقر البرلمان المغربي، مطالبين بتعديلات ضمن مشروع قانون مالية 2025 ضمانا لتنفيذ الالتزام المذكور.