بالرغم مما خلفه التعديل الحكومي، الذي عرفته حكومة عزيز أخنوش يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024، من شعور بالاستياء والإحباط العميقين لدى السواد الأعظم من المغاربة، فإن طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان وأسرهم استبشروا خيرًا بإعفاء الوزير السابق للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف الميراوي، المثير للجدل، بعد أن قضوا أزيد من عشرة شهور من الاحتجاجات والاعتصامات التي شلت التكوين في جميع كليات الطب بربوع المملكة، كان آخرها ما سمي "إنزال الرباط"، حيث احتج آلاف الطلبة القادمين رفقة أوليائهم من مختلف المدن المغربية أمام مقر البرلمان يوم السبت 5 أكتوبر 2024. فقد غمرت الفرحة قلوب أطباء الغد وأسرهم إثر إبعاد الوزير الميراوي، الذي استعصى عليه أمر حل الأزمة بسبب عناده الشديد، وتوسموا خيرًا في خلفه عز الدين الميداوي، معلقين عليه آمالًا كبيرة في تجويد العرض الحكومي والتعجيل بتجاوز هذه الأزمة التي لم تنفع في حلها مختلف العروض والوساطات المتعددة، وكان آخرها مؤسسة وسيط المملكة، التي تؤمن وتدافع عن مبدأ استمرارية المرفق العمومي في علاقته بالخدمات الارتفاقية المقدمة للمواطنين، والتي ما زالت تواصل جهودها في اتجاه الخروج من الوضع المتأزم واجتراح الحل الذي من شأنه إرضاء الطرفين: الطلبة والوزارة الوصية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه، فضلًا عن رفض اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان تقليص مدة التكوين الطبي من سبع سنوات إلى ست سنوات، والمطالبة باستثناء الأفواج الخمسة الحالية من أن يشملها هذا القرار وتنفيذه فقط على الطلبة الجدد، حيث ترى اللجنة في قرار التقليص انعكاسًا سلبيًا على جودة التكوين، والتقليل من فرص الحصول على تدريب عملي كافٍ قبل دخول سوق الشغل، ما زالت متمسكة بضرورة إشراكها في البحث عن الحل الأنسب، وتطالب برفع قرار حل المجالس والمكاتب دون قيد أو شرط وإلغاء العقوبات الصادرة في حق ممثلي الطلبة. بيد أن الحكومة، ممثلةً في الوزير السابق، ظلت تصر على تطبيق الإصلاح على جميع الطلبة دون استثناء، سواء القدامى أو الجدد، مؤكدة أن الغاية من ذلك هي تحسين الكفاءة الطبية وتجاوز النقص الحاصل في عدد الأطباء. لا شك في أن النظام الصحي بالمغرب يعاني من خصاص صارخ في الأطر الصحية من أطباء وممرضين، إذ يقدر العجز بحوالي 32 ألف طبيب و65 ألف ممرض، وهو ما يدعو إلى وجوب التعجيل بتكوين أطر طبية جديدة بدل التمادي في هدر الزمن في معارك كسر العظم التي لن تزيد الأمور إلا تعقيدًا. كما أن هناك قناعة كبرى لدى طلبة كليات الطب وأسرهم وعدد من المهتمين بالشأن التربوي والشأن العام ببلادنا، بأن الوزير الجديد، عز الدين الميداوي، بفضل ما راكم من خبرات وتجارب في مساره المهني إثر تقلده عدة مسؤوليات في التعليم العالي، وما يتحلى به من أخلاق حميدة وحس وطني صادق، قادر على كسب رهان حل الأزمة التي طال أمدها وإعادة الدفء سريعًا إلى كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان. ذلك أن هناك عددًا من الشخصيات السياسية والأساتذة الجامعيين الذين يعرفون الرجل عن كثب، يؤكدون جميعهم أنه الأجدر بتحمل هذه المسؤولية والإسهام بفعالية في تجاوز المطبات القائمة وفتح آفاق جديدة في القطاع. وتعقد عليه آمال كبيرة في طي ملف أطباء الغد وبث آمال جديدة في صفوفهم وأسرهم، التي تجرعت المرارة مع الوزير السابق. كما أنهم واثقون من دخول اللجنة الوطنية لهؤلاء الطلبة غمار حوار يقوده الأستاذ الجامعي السابق، مع ما يتوفر عليه من ماضٍ إداري إيجابي وإرادة سياسية قوية ومنهجية جديدة، يمكن أن تؤتي أُكلها بكل يسر دون تعقيدات وفي ظرف وجيز. وتأكيدًا على ما سلف ذكره، وقبل أن يمضي أسبوع على تعيينه وزيرًا للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، قرر عز الدين الميداوي عقد اجتماع مع اللجنة الوطنية لطلبة الطب والصيدلة وطب الأسنان يوم الاثنين 28 أكتوبر 2024 لمناقشة ملفها المطلبي، بعد رفضها القاطع للعرض الحكومي وإصرارها على الاستمرار في مقاطعة الامتحانات. ويُراهن الطلبة المعنيون كثيرًا على هذا اللقاء في تجويد العرض الحكومي الذي قدمته لهم مؤسسة وسيط المملكة، والذي رفضوه بنسبة تجاوزت الثمانين في المائة. إننا نأمل أن يسخّر الوزير الميداوي كل جهوده في اتجاه تيسير مأمورية وسيط المملكة في معالجة هذا الملف الشائك وإيجاد مخرج للأزمة من خلال الانتصار لمطالب أطباء المستقبل وتوقيع محضر اتفاق يضمن لهم حقوقهم عبر الاستمرار في نظام التكوين لمدة سبع سنوات، خاصة بالنسبة لأفواج ما قبل الموسم الجامعي 2023/2024، وإلغاء العقوبات الصادرة في حق بعض الطلبة وممثليهم، وما ذلك على شرفاء الوطن من الصادقين بعزيز.