وأنت تعبر النهر لا تلتفت. لا تفكر في شيء. فقط رتب خطوك. وامض. لا ترفع صوتك عنوة، لتقول للسماء امطري لحظة، ثم توقفي. كيما تفسحي المجال للمدى ليشكل صفوه من جديد. بعيدا ارم بصرك. هناك حيث يداعب الماء صدفات بلون الفرح. لا تسترق السمع لوشوسات أسماك" الشابل" المختبئة في ذاكرة الماء. لا تدع قلبك يتعلق بغيمة عابرة. لا تفكر في امرأة غادرت سواد العراق عشقا. متعجلة امتطت بساط الريح. طوت المسافات، وقلبها يسابق الخيل. علها تحظى بابتسامة واهنة تجود بها – في لحظة عشق- شفتا شيخ جليل*. أتعبه الوله، وترتيب تفاصيل الليل، كلما اكتسح الضباب أزقة المدينة. هاهو الآن يرقد بسلام في ثرى الرابية. كلما شهق النهر شهقة حانية، يغادر الشيخ مرقده، يوزع على النسوة اليائسات عطايا بلا حصر، وحفنة من أمل. خفف الوطء وامض الهوينى. فالنهر حجاب وإشارة. اطرده من بقايا حلم الليلة الماضية. لا تصدق حدسك الخائب، ولا تركض خلفه. لا تتعب نفسك في السعي خلف أوهام صاحب السارية. فحين تعبر النهر لن تجد سوى شيخ وقور يشبهك تماما. يحدق فيك من بعيد، وهو يحصي الموج المتراكم قرب الزاوية. الق التحية.. امض خفيفا.. ولا تلتفت. هناك اصمت في حضرة "سيدي علي بنحمدوش".* وقل في سرك ها هو ذا النهر ينام في حضن الوقار ثانية، تحميه ثلة من الشيوخ وبقايا امرأة عاشقة*. اركب خطوك وامض من حيث أتيت .. فلا خوف على النهر وهو يعانق أطراف المدينة. يسقي جذورها بلا ملل، كي تزهر فرحة مؤجلة. هناك في كل رابية شيخ يتأبط وقاره. يحرس ضفتي النهر من الوهن. ويعيد سرد حكاية الجدران البالية.