دخلت المفتشية العامة للمالية على خط شكايات رفعتها مقاولات ضد مؤسسات عمومية إلى اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، بسبب بنود تمييزية في طلبات عروض صفقات، أضرت بمصالحها وحرمتها من المنافسة على مشاريع بناء وأشغال وتوريد تجهيزات، حيث فرض عليها الإدلاء بشهادات مرجعية (Attestations de référence) صادرة عن القطاع العام، أي إثبات تنفيذ صفقات سابقة لفائدة مؤسسات ومقاولات عمومية. وعلمت هسبريس، من مصادر مطلعة، أن مصالح التفتيش طالبت مؤسسات ومقاولات عمومية بتعليل تضمينها أنظمة استشارة وطلبات عروض "بنود تمييزية"، ساهمت في إقصاء غير مباشر لعدد كبير من المقاولات التي عجزت عن توفير شهادات مرجعية صادرة عن القطاع العام، رغم استجابتها لجميع الشروط الأخرى المطلوبة ضمن الصفقات العمومية. وأفادت المصادر ذاتها أن المفتشين تلقوا تبريرات ارتبطت بالخبرة المفترضة في إنجاز بعض الأشغال الخاصة، والحرص على ضمان الجودة في تنفيذها في سياق تقليص هامش المخاطر واحتواء أية زيادة محتملة في النفقات التشغيلية. ولفتت مصادر هسبريس الانتباه إلى أن المفتشين لم يقتنعوا بالتبريرات الواردة عن أصحاب المشاريع المعنيين ب"البنود التمييزية" (مؤسسات ومقاولات عمومية)، رغم تمسكهم بمقتضيات المادة 50 من المرسوم رقم 2.12.349، المتعلق بالصفقات العمومية، حيث دققوا في المحاضر المنجزة بشأن سير طلبات العروض، ليتأكدوا من وجود تأويلات مغلوطة للنصوص القانونية المؤطرة لهذا الشق من الصفقات؛ ذلك وضع بنود من النوع المذكور ضمن نظام الاستشارة لا يخول تقييد حرية الولوج إلى المنافسة في الصفقات العمومية. وفي المقابل، نصت المادة 25 من المرسوم المشار إليه على أنه "بالنسبة إلى الأعمال ذات طبيعة خاصة أو أهمية خاصة، يمكن أن يضم الملف التقني الشهادات أو نسخا مشهودا بمطابقتها للأصل، سلمها أصحاب المشاريع العامون أو الخواص أو رجال الفن، الذين أنجز المتنافس تحت إشرافهم الأعمال المذكورة. وتحدد كل شهادة على الخصوص طبيعة الأعمال ومبلغها وسنة إنجازها، وكذا اسم الموقع وصفته وتقييمه". وأكدت المصادر نفسها امتداد عمليات التدقيق إلى طلبات عروض أخرى أطلقتها المؤسسات والمقاولات العمومية ذاتها، وتضمنت متطلبات مالية اعترتها شبهات "تمييزية" همت السعر والتكاليف المتوقعة للمشاريع، منبهة إلى رصد مجموعة شروط مبررة بتعزيز الكفاءة المالية؛ إلا أنها تسببت في تمييز غير مباشر، وأقصت عددا كبيرا من المقاولات، وفق محاضر التوثيق التي اطلع عليها المفتشون. وشددت على رصد اختيار أصحاب مشاريع ملفات طلبات عروض واردة عن متنافسين على أساس السعر الأقل بما يخالف مبادئ تدبير الصفقات العمومية التي توجه إلى التركيز على أفضل سعر، في سياق تحقيق التوازن بين التكلفة والجودة. جدير بالذكر أنه في ظل غياب مدونة خاصة بالصفقات العمومية، والاعتماد على مراسيم وقرارات، فإن تحديد متطلبات الشركات المؤهلة للمشاركة في طلبات العروض يمثل أحد مكامن الخلل في تنظيم الصفقات لدى المؤسسات والمقاولات العمومية، حيث يتم تضمين شروط تقنية وتأهيلية لا تعكس في أغلب الأحيان الخبرة والكفاءة اللازمة لتنفيذ المشاريع بنجاح.