أغلب المغاربة يرون أن إدريس البصري نقش السمعة السيئة لوزارة الداخلية على امتداد ثلاثة عقود من الممارسات، التي أدخلت البلاد في متاهات جعلته يفرط في الكثير من مواعيده مع التاريخ. "" وظل اسم إدريس البصري مقرونا بوهم التآمر وبمقولة إن كل مغربي متهم ومشكوك فيه حتى تثبت براءته، أما القائمون على الأمور والمقربون والعملاء والخونة ولاعقي الأحذية فهم أبرياء ولو ثبتت إدانتهم بالحجة والدليل. ومهما يكن من أمر فقد أجمع مسحوقو المغرب ونخبته المتنورة والمناضلة، الحالمة بغد أفضل، على أن تعثر المسيرة التنموية والديمقراطية كان بإرادة إدريس البصري الذي لم يهتم إلا بمصالحه المادية والمعنوية ومصالح ذويه والمقربين منه ولاعقي حذائه. فقد رآه الصحفي مصطفى العلوي سوطا بيد لم يكن صاحبها راغبا في أن يوسخها، كان الكل في الكل أيام حكمه رغم أنه لم تكن له صلاحيات وإنما كانت له مبادرات، اجتهد اجتهادا لتفصيلها على مقاسه وساعده مكرها لتنفيذها كمخططات باسم الملك الراحل الحسن الثاني، إلا أنه ارتكب خطأ فادحا عندما أشرك أولاده وأصهاره في اقتسام الغنائم، والآن عرف حق المعرفة، أن الزمان يدور. ولم يعد لديه حاليا ما يساوم به أكثر مما نثره شمالا ويمينا خلال خرجاته الإعلامية السابقة، هكذا يرى الصحفي مصطفى العلوي إدريس البصري. ويرى عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إدريس البصري، رمزا من رموز القمع ومنفذا أمينا لسياسة النظام، لكن ليس منفذا عاديا وإنما منفذا باجتهاد وإبداع في كل ما تعلق بالانتهاك الجسيم، علما أن انتها كاته التي تم الكشف عنها إلى حد الآن، هي أساسا متعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، علما أن يده كانت طويلة جدا في الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبتبديد الثروة الوطنية ونهب المال العام. أما محسن بناصر، الناطق باسم الشبيبة الإسلامية، يرى أن إدريس البصري أمضى عمره في ترقيع دنيا غيره بإفساد آخرته فلينتبه لما بقي له في الحياة ولتكن التوبة خير مآل له ولذريته. فعهده كان عهد ظلم وتعسف وتصفية الصادقين واستهانة بالوشائج الاجتماعية والروابط الروحية بين فئات الأمة، وقد فوت على المغرب عقودا من الاستقرار والنماء والتقدم والازدهار. أما الكاتب عبد السلام رزاق فيرى أن تجربة إدريس البصري لا يمكن فصلها عن مفهوم السلطة وتمظهراته كفعل قهري في المجتمع العربي، وأن وزراء الداخلية في البلدان العربية وبالرغم من الفروقات الشخصية والخصوصيات المحلية يلتقون في نقط مشتركة تؤدي إلى ذات النتائج تقريبا، إنه مفهوم الممارسة القهرية وانتقالها من فعل يرتبط بتدبير علاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية ملتبسة في أفق البحث عن فضاء مشترك، إلى علاقة عمودية مبنية على تجسيد فعل الامتياز وتطبيقه بصورة قهرية على الآخر، من هذا المنطلق يكون البصري في آخر المطاف نتاج ثقافة سلطوية امتدت في المغرب أزيد من ثلاثة عقود كاملة كان خلالها هو صاحب الحل والعقد، وهذه الثقافة السلطوية تحيل على مجموع القنوات المادية والمعرفية التي تعتمدها الدولة لديمومة سياستها وسلطتها رغم معارضتها من طرف الكثيرين، وتأزمت الحالة بهذا الخصوص باعتبار أن التاريخ السري والعلني للمغرب، كان دائما تاريخ تسويات وتوافقات ولو تم الأمر على حساب الاختيارات الديمقراطية، إن منطق التاريخ يقول إن البصري لم يترك وراءه شيئا، شأنه شأن العديد من القادة وزعماء الأحزاب بالمغرب الذين دخلوا اللعبة السياسية إما من باب الوجاهة أو الصدفة المحضة أو الانصياع الأعمى لأصحاب الجاه. ومن عجائب القدر أن البصري الذي كان يهابه الجميع اكتشف المغاربة حقيقته، إذ أثارت، جملة من تصريحاته وتصرفاته، الشفقة، وهكذا احترق البصري من ذات الفوهة التي كان يرمي منها خصومه السياسيين. هكذا يرى عبد السلام رزاق إدريس البصري. يعتبر حميد برادة أن إدريس البصري هو من أجهض مشروع كتابي عن الحسن الثاني، ففي تصريح لجريدة الشرق الأوسط أكد المحامي حميد برادة وهو أحد أبرز معارضي نظام الملك الراحل الحسن الثاني في بداية الستينيات من القرن الماضي والذي حكم عليه بالإعدام، على خلفية محاولة اغتياله الملك الراحل، أنه كان يعتزم إنجاز كتاب عن الحسن الثاني وبأنه اقترح عليه الأمر بعد إجراء حوار معه حول الصحراء من أجل إنجاز فيلم كندي حول المغرب، نشر برادة فقرات منه في مجلة "جون أفريك"، ولإقناع الملك الراحل بقبول الفكرة أشار برادة إلى إنجازه كتاب عن معمر القذافي الذي خصص له ست ساعات، كما أن فرانسوا ميتران أنجز كتابا خلال نهاية أسبوع مع أحد الصحافيين، لهذا قبل الملك بالفكرة وطلب من رئيس وزرائه عبد اللطيف الفلالي أن يجد له عشر ساعات خلال شهر شتنبر 1986، لكن المشروع لم يتم بسبب تدخل إدريس البصري الذي فضل أن يتم الحوار بمعية الصحافي الفرنسي ميشيل دروا، الذي حاور الجنرال ديفول، في حين كان برادة يفضل ميشال جوبير، لهذا أجهض المشروع. وقال عبد الهادي بوطالب، المستشار السابق للملك الراحل الحسن الثاني، إنه أبلغ إدريس البصري، في أوج مشواره، بأنه قادر على ضربه على أنفه، على إثر نشر صحف مغربية لوقائع مشاجرة وقعت بين إدريس البصري وعبد الهادي بوطالب، إذ صرح هذا الأخير أنه قال ما يشبه هذا الكلام وذلك على إثر خلاف جرى بينه وبين البصري كان سببه إعداد وزارة الداخلية لمشروع القانون الانتخابي المغربي عندما أعد مشروع دستور سنة 1996 للاستفتاء، وبما أن مشروع القانون الانتخابي الذي أعده خبراء وزارة الداخلية كان محررا باللغة الفرنسية فقد كلف بوطالب بترجمته، وبعد أن لاحظ أنه تردد أكثر من مرة في نص المشروع من خلال الإحالة في بعض مقتضياته على وزير الداخلية بهذا الاسم، مثل "واختصاص ذلك يرجع إلى وزير الداخلية"، اقترح بوطالب على الملك الراحل تعويض صيغة وزير الداخلية بعبارة السلطة ذات الاختصاص، وهو الأمر الذي أغاض البصري بعد أن توصل بنسخته العربية فتوجه إلى الملك: لست أدري ما الذي دفع ب "السيد الهادي" إلى أن يغير في النص العربي اسم وزير الداخلية كما كان في النص الفرنسي؟ وماذا بيني وبينه ليتصرف على هذا الشكل؟ وبعدما أقر الملك النسخة العربية وخرج الجميع من مجلس الملك، سمع بوطالب البصري وهو يؤنب المستشارين جديرة والسلاوي على التزامهما الصمت بحضرة الملك وعلى أنهما لم يسانداه في مؤاخذة بوطالب قائلا: "ما فعله بو طالب غير مقبول"، فما كان من بوطالب وحسب ما صرح به إلا أن تقدم إليه وخاطبه "لقد سمعت جميع ما قلته، أتجهل أن ما غيرته في النص كان مأذونا لي به؟" ثم أمسكته بين يدي وقلت له باللغة الفرنسية "أنا لا أضرب خصومي ضربا واطئا "Coups bas" أي من أسفل مسترته، وحينما أعزم على مواجهتك فسأصوب إليك ضربتي مباشرة وبغير تستر". وسبق لخليهن ولد الرشيد، رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية أن قال: "من العيون إلى الداخلة كان البصري هو الملك". رغم الصعود الصاروخي في سلم الوظيفة العمومية "لركيبي" صاحب الجلالة، حيث تم تعيينه وزيرا ثم منتخبا وعمدة لمدينة العيون، فقد عاش هو الآخر صراعا مريرا مع الصدر الأعظم آنذاك، لهذا صرح ولد الرشيد بأنه لم يكن يعرف شيئا عن صراعات القوة بالمغرب وفي مواجهة البصري كانت حظوظي ضئيلة للتفوق"، ورغم ذلك فقد استطاع الصمود في وجهه إلى أن أعفي من مهامه، ويقول "لقد كنت في حرب شاملة مع البصري الذي كان يريد الاستئتار بالصحراء ليطبق سياسته الخاصة التي كانت ضمن مجاله وحصنه الخاص بالنسبة للصحراويين، إذ كانت تلك الفترة التجاهل والكذب، ومن العيون إلى الداخلة كان البصري هو الملك، الكل كان يأتي ليقدم له البيعة إلا أنا. إدريس ولد القابلة رئيس تحرير أسبوعية المشعل