خلال جميع المراحل الماضية ظل الحوار الاجتماعي بالمغرب يلعب دورا أساسيا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبعد مرور سنتين ونصف على تنصيب الحكومة الحالية وأمام طبيعة المرحلة الراهنة ودقتها والتي تتطلب استثمار هذه الإمكانية لما لها من أهمية، ذلك إنه لا يمكن تحقيق أي تقدم دون ذلك، وفي هذا الإطار نظم المنتدى المغربي للتنمية الاجتماعية ندوة بعنوان: الحوار الاجتماعي والقضايا المطروحة، ساهم في تأطيرها كل من الدكتور يونس الحكيم أستاذ القانون الخاص بكلية العلوم القانونية والاجتماعية بفاس، والذي قدم عرضا بعنوان: مخرجات الحوار الاجتماعي 2024: المكتسبات والرهانات، والدكتور محمد السباعي دكتور في العلوم القانونية والسياسية والذي قدم عرضا بعنوان: آليات تقوية الحوار الاجتماعي لتعزيز مناخ الاستقرار والعدالة الاجتماعية، والأستاذ عبد الرحيم الصقلي الحسيني رئيس دائرة الشغل بفاس والذي قدم عرضا بعنوان: مدونة الشغل بين الدعوة للتطبيق والحاجة للتعديل، وبدوري ساهمت بعرض بعنوان: "دور الحوار الاجتماعي في تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية" من خلال محورين: المحور الأول: المراحل التي مر منها الحوار الاجتماعي في المغرب منذ بدايته المحور الثاني: المرحلة الحالية منذ توقيع اتفاق وميثاق 30 أبريل 2022 المحور الأول: المراحل التي مر منها الحوار الاجتماعي في المغرب منذ بدايته من أجل الحديث عن الحوار الاجتماعي بالمغرب لا بد من الرجوع إلى مسار الحركة النقابية منذ نشأتها إلى الآن، وما عرفته من حالات مد وجزر والتي تقسم إلى ثماني مراحل ألخصها وفق ما يلي: 1- مرحلة الاستعمار الفرنسي: نشأت الحركة النقابية بالمغرب في مرحلة الاستعمار الفرنسي من طرف العمال الفرنسيين، ثم التحقت بها الحركة النقابية المغربية وبعد سلسلة طويلة من المحطات من أهمها ما عرفته في المراحل الأخيرة انتفاضة 8 دجنبر 1952 على إثر اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد وتأسيس الاتحاد المغربي للشغل في 20 مارس 1955، وخلال هذه المرحلة تم إصدار العديد من النصوص القانونية ومنها ظهير 19 يناير 1946 حول المصالحة والتحكيم والذي له علاقة بموضوع الحوار الاجتماعي وقد لعبت الحركة الوطنية دورا كبيرا خلال هذه المرحلة. 2- مرحلة بداية الاستقلال 1956-1960: عرفت مرحلة بداية الاستقلال 1956-1960 دينامية كبيرة من المبادرات حول الأوضاع المهنية والاجتماعية والاقتصادية، بحكم طبيعة المرحلة ودقتها أدت إلى توسع كبير في عدد المنخرطين في العمل النقابي وإصدار عدد كبير من النصوص القانونية وإبرام العديد من الاتفاقيات الجماعية، ويعود الفضل في ذلك إلى وحدة المواقف بين الحركة النقابية والقوى السياسية الوطنية والتقدمية. 3- مرحلة 1960-1975: عرفت المرحلة الممتدة من 1960 إلى 1975 فك الارتباط بين الحركة النقابية والقوى السياسية التقدمية والتضييق على الحق النقابي والقمع والمحاكمات مما أدى إلى التراجع في عدد المنخرطين في العمل النقابي وهو ما يتضح حسب ما جاء في كتاب التطور السياسي للحركة النقابية بالمغرب للأستاذ عبد اللطيف المنوني والذي جاء فيه أن عدد المنخرطين في الاتحاد المغربي للشغل كان كما يلي: سنة 1957 نجد 600 ألف عضو سنة 1959 نجد 650 ألف عضو سنة 1960 نجد 400 ألف عضو سنة 1963 نجد 300 ألف عضو سنة 1970 نجد 200 ألف عضو سنة 1975 نجد 200 ألف عضو. 4- مرحلة 1975-1978: عرفت سنة 1975 ثلاثة أحداث كبرى، تمثلت في انعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في شهر يناير 1975 وإعلان المسيرة الخضراء من طرف جلالة الملك الحسن الثاني يوم 16 أكتوبر 1975 واغتيال الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 الذي قام بدور كبير على المستوى النقابي والسياسي، والذي كان يحظى بتعاطف واسع من طرف الطبقة العاملة والفئات الشعبية والمثقفين ويتضح ذلك من خلال نسبة القراء بجريدة المحرر الذي كان يشغل مديرها آنذاك، والتي كانت تقوم بدور كبير في التوعية وتثقيف الطبقة العاملة وباقي الفئات الشعبية، كما عرفت هذه المرحلة تنظيم الانتخابات الجماعية سنة 1976 والبرلمانية سنة 1977 والتي كان لها دور كبير في اتساع النقاش الفكري والسياسي مما أدى إلى ارتفاع عدد المنخرطين في العمل النقابي، وبالرجوع إلى ما عرفته مدينة فاس على سبيل المثال نجد أن نسبة كبيرة من العمال التحقوا بالعمل النقابي في إطار الاتحاد المغربي للشغل بما في ذلك عمال المعامل الصناعية الكبرى وقد امتد ذلك إلى باقي القطاعات بما فيها صناعة الأحذية والأواني الفضية والنحاسية وعمال الأفرنة التقليدية وغيرهم، وبالنسبة للقطاع العام تم تأسيس عدة نقابات وطنية بالإضافة إلى النقابة الوطنية للبريد والنقابة الوطنية للتعليم ثم انعقاد المؤتمر التأسيسي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في شهر نونبر 1978، كما عرفت هذه المرحلة انعقاد المؤتمر التأسيسي للنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين في السنة نفسها بالدار البيضاء، ثم إعادة الشرعية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بانعقاد المؤتمر 16 والذي تم في الفترة ما بين 31 غشت إلى 6 شتنبر 1979 بكلية العلوم بالرباط وقد تطلب وقتا طويلا للتحضير بسبب طبيعة القطاع والظرفية التي انعقد فيها. 5- مرحلة 1979-1990: عرفت المرحلة الممتدة من 1979 إلى 1990 العديد من الخطوات النضالية والتي ووجهت بمسلسل من القمع والتضييق على الحق النقابي وعلى الحريات العامة من خلال الاعتقالات والمحاكمات وقد استمر هذا الوضع إلى نهاية الثمانينيات، مع بداية 1979 تم المرور إلى خوض سلسلة من الإضرابات ومنها الإضراب العام ليوم الأرض 30 مارس 1979 تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ثم إضرابات 10-11 أبريل 1979 ثم الإضراب العام 20 يونيو 1981، وقد ووجه هذا المسلسل من القمع والتضييق على الحريات النقابية أدى إلى تراجع عدد المنخرطين في العمل النقابي وإجهاض كل المجهودات التي بدلت رغم أن ذلك لم يكن له أي مبرر، وطيلة هذه المرحلة ظلت تعرف احتفالات أعياد الشغل فاتح ماي تعاطفا كبيرا للطلبة وباقي الفئات الشعبية التي كانت تحضر بقوة في هذه الاحتفالات. 6- مرحلة 1990-2011: عرفت هذه المرحلة من 1990 إلى 2011 العديد من الخطوات النضالية أهمها خوض الإضراب العام ل 14 دجنبر 1990، بتنسيق بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب أدت إلى إحداث قفزة نوعية في المجال النقابي والسياسي، وفي الخامس من يونيو 1996 تم خوض إضراب عام ثان أدى إلى إحداث قفزة أخرى جاء بعدها التوقيع على التصريح المشترك لفاتح غشت 1996 في مرحلة حكومة عبد اللطيف الفيلالي الثانية، وفي مرحلة حكومة السي عبد الرحمان اليوسفي تم توقيع اتفاق 23 أبريل 2000 (19 محرم 1421)، وفي مرحلة حكومة السي ادريس جطو توقيع اتفاق 30 أبريل 2003، وخلال المرحلة نفسها تم توقيع محضر 28 يناير 2004 في إطار تفعيل اتفاق 30 أبريل 2003، وفي مرحلة حكومة السي عباس الفاسي تم إبرام اتفاق 26 أبريل 2011 والذي تطلب مجهودات كبيرة أمام الصعوبات التي عرفتها هذه المرحلة ولم يتم التغلب عليها إلا بعد احتجاجات 20 فبراير. 7- مرحلة 2012-2021: وكان يجب أن تتطور الأوضاع نحو الأفضل بعد الاستفتاء على دستور فاتح يوليوز 2011، غير أنه وقع عكس ذلك حيث عرفت فترة حكومة عبد الإله بنكيران 2012-2017 عدة محطات ومنها عقد عدة لقاءات للتنسيق تميزت بنقاشات طويلة وعميقة حول تاريخ الحركة النقابية وأهمية توحيد العمل النقابي بين المركزيات النقابية، الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، ثم التحقت في ما بعد الاتحاد العام للشغالين بالمغرب نتج عنها تنظيم مسيرة الكرامة يوم 27 ماي 2012، ثم خوض الإضراب العام ل 29 أكتوبر 2014 وقد عرفت هذه الفترة تراجع وثيرة الخطوات.